مؤتمر "العدالة والتنمية" التركي: تحدي الشعبية والعلاقات الخارجية

24 مارس 2021
يُتوقع أن يجدد المجتمعون الثقة بأردوغان رئيساً للحزب (الأناضول)
+ الخط -

في ظل تحديات داخلية وخارجية كبيرة، وفي وقت تعيش تركيا مرحلة حساسة تتعلق بالتطورات المحلية والإقليمية والدولية المتعددة، يعقد حزب "العدالة والتنمية" الحاكم منذ 19 عاماً، مؤتمره العام السابع، اليوم الأربعاء، بأهداف كبيرة، تبدأ بتحقيق إصلاحات وتغييرات داخل الحزب تحضيراً للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في العام 2023، بعد سلسلة من الهزات والاستقالات من صفوفه أخيراً، وتصل إلى محاولة فتح صفحة جديدة مع دول الإقليم والقوى العالمية، تحت شعار "أمان واستقرار من أجل تركيا".

وفي وقت تسعى أنقرة لرأب الصدع في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ومع دول عربية وعلى رأسها مصر، وفي ظل إدارة جديدة في الولايات المتحدة بدت علاقتها متوترة منذ تسلمها الحكم مع أنقرة، ومع تشابك الملفات الداخلية والخارجية في قضايا عديدة، لعل أبرزها الانعكاسات على العملة الوطنية، تتجه الأنظار إلى صالة أنقرة الرياضية التي ستحتضن المؤتمر العام بمشاركة رئيس البلاد والحزب رجب طيب أردوغان، وحضور ممثلين عن 11 حزباً سياسياً وُجهت لهم الدعوات. ويُعقد المؤتمر في ظرف استثنائي بظل انتشار جائحة كورونا، وهو ما أثار انتقادات من المعارضة التي تحدثت عن تناقض بين إجراءات الحكومة لمواجهة الوباء، وبين الإصرار على عقد المؤتمر بحضور كبير للمندوبين. وبينما امتنع الحزب عن دعوة ضيوف من خارج البلاد كما جرت العادة، واكتفى بدعوة عدد محدود من ممثلي المنظمات المدنية وذوي الضحايا وقدامى المحاربين، فإن المؤتمر سيشهد مشاركة 1560 مندوباً سيدلون بأصواتهم في عملية الاقتراع لاختيار رئيس الحزب خلال المؤتمر العام، ومن المنتظر تجديد الثقة بأردوغان.

يُنتظر أن يعلن الحزب عن كوادره الجديدة، ويكشف عن خريطة طريق للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة عام 2023

ويُنتظر أن يعلن الحزب عن كوادره الجديدة خلال المؤتمر، ويكشف عن خريطة طريق للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة عام 2023، حسب ما أعلنه أردوغان في تصريح له الأسبوع الماضي، قائلاً إن خطابه في المؤتمر سيكون بمثابة برنامج عمل للانتخابات المقبلة، داعياً للاستماع إلى كلمته التي ستحدد الكثير من المعايير، خصوصاً أن الفترة السابقة شهدت إعلان أردوغان عن خطتين للإصلاح في مجالي حقوق الإنسان والاقتصاد، وفي وقت تسعى أنقرة لرأب الصدع في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومع دول عربية.

وقالت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، إن الهدف الرئيسي للحزب في المؤتمر سيكون توجيه رسائل طمأنة للداخل والخارج حول الاستقرار، مضيفة أن التغيير المرتقب سيكون واسعاً وسيشمل ما لا يقل عن 50 في المائة من الكوادر الحزبية التي يعتبر أردوغان أنها ترهلت، وساهمت في تراجع أصوات الحزب في الانتخابات المحلية الأخيرة. وأظهرت استطلاعات الرأي تراجع التأييد الشعبي للحزب، مما دفعه للبحث عن حلفاء جدد يوفرون له الأغلبية الكافية، بعدما عانى من انشقاقات، واجتمعت المعارضة على هدف إسقاط حكم أردوغان.

وشهدت مؤتمرات "العدالة والتنمية" التي عُقدت على مستوى الولايات تغييرات كبيرة وصلت إلى 70 في المائة، بحسب ما أعلنه نائب أردوغان في الحزب نعمان قورطولموش في وقت سابق. وأوضحت المصادر أن أردوغان سيزج في إدارة الحزب الجديدة، أسماء وشخصيات لها ثقل في الميدان، وسيسحب وزراء إلى قيادة الحزب، وليس من المستغرب أن يلجأ الحزب أيضاً إلى شخصيات مقربة من الفئات المحافظة والقومية، أو التي تنتسب لتيار "الرأي الوطني" الذي أسسه الزعيم الراحل نجم الدين أربكان، بهدف تقوية صفوف الحزب وتدعيمه شعبياً.

كما أن التغييرات ستطاول شكل النظام الرئاسي عبر القيام بتعديلات وزارية. وقال نائب رئيس "العدالة والتنمية"، ماهر أونال، في حديث تلفزيوني أمس، إن أردوغان سيجري تغييرات في الحكومة، ضمن القرارات التي يعتزم الحزب اتخاذها في مؤتمره العام. وأضاف: "عند الحديث عن التغييرات فمن المؤكد أنها ستكون في النظام أيضاً، وليس في الحزب فحسب، فإن الرئيس يعمل مع فريق عمله على تغيير جديد سنراه خلال الأيام المقبلة". وأوضح أونال أنه "من الوارد أن يزيد عدد أعضاء مجلس قيادة الحزب، فيما النظام الداخلي للحزب وفق عام التأسيس (2001) كان موضوعاً بحسب الظروف المحيطة بتلك الفترة، وبعد 19 عاماً نبدأ من جديد بعد تهيئة البنية التحتية في البلاد".

وسيكون موضوع كتابة دستور جديد للبلاد حاضراً في الاجتماعات، إضافة إلى خطة الإصلاحات على الصعيد الداخلي. ولا شك أن الأوضاع الاقتصادية وعدم الاستقرار في عمل المصرف المركزي ستكون من أبرز بنود أجندة الاجتماع، إضافة إلى قرار السلطات الانسحاب من اتفاقية إسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة والذي أدى إلى ردود فعل كبيرة وقسّم المجتمع التركي، بالإضافة إلى الترتيبات السياسية الجديدة، كتأسيس الأحزاب والتحالفات الجديدة، وهنا سيتم حسم الاصطفاف الذي يرغب به أردوغان والتموضع في الانتخابات المقبلة.

أما على الصعيد الخارجي، فسيكون ملف إصلاح العلاقات مع الدول الخارجية الأبرز، إضافة إلى الاستراتيجية التركية الخارجية في ليبيا وسورية ووسط آسيا، والعلاقات مع العراق ودول الجوار، والصراع شرقي المتوسط، والمشاورات مع اليونان والاتحاد الأوروبي، والعلاقة مع إدارة جو بايدن، ومع روسيا. ويتزامن المؤتمر مع انعقاد قمة زعماء دول الاتحاد الأوروبي التي أرجأت موضوع العقوبات على تركيا، وبالتالي ستكون العيون الأوروبية موجهة نحو هذا الاجتماع.

وعن الجديد المتوقع في المؤتمر، قال أستاذ القانون والعلاقات الدولية سمير صالحة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الجديد فيه هو شعار التغيير والرغبة الحقيقية بترجمة هذا الشعار على الأرض لجهة التغيير الجدي في القيادات والكوادر الرئيسية، وفي آلية العمل الحزبي وإعادة تنظيم العلاقة بين القيادة والقواعد والكوادر، لأنها كانت مشكلة أثرت على أصوات الحزب في الانتخابات البلدية الأخيرة"، مضيفاً أن "الحزب يريد القول إنه جدد نفسه بالاستعداد لمرحلة 2023 ورغبته بالبقاء في السلطة".
وعلى المستوى الداخلي، أشار صالحة إلى قلق الحزب من استطلاعات الرأي حول اصطفاف قوى المعارضة والتي تُظهر قدرتها على الدخول في منافسة حقيقية في الانتخابات المقبلة مع "العدالة والتنمية" وحليفه "الحركة القومية"، إضافة إلى تحدي إعادة برمجة العمل في الملفات العديدة التي أشار إليها الحزب في تصريحاته ومواقفه التي صدرت عن قادته وأردوغان. أما على الصعيد الخارجي، فرأى أن "الحزب يدرك أهمية إعادة صياغة الخطاب الموجّه للخارج واعتماد منهجية جديدة في العلاقة باعتباره الحزب الحاكم".

ولفت صالحة إلى أن الحزب يريد الاستفادة من إعادة تموضع حقيقية، كما أن الإصلاح داخله مهم بعد الانشقاقات وخروج قيادات من صفوفه، بعدما ذهبت بعض الأسماء والقواعد الشعبية للبحث عن بدائل تدعمها. وعن إمكان استعداد الحزب لسيناريوهات التغيير داخل تركيا، مع وجود مشاكل في تطبيق النظام الرئاسي الجديد وصلاحيات الرئيس، توقع صالحة أن يدخل "العدالة والتنمية" في مرحلة نقد ذاتي لأن المعارضة تحاول استغلال هذه الفجوة وتريد من خلالها مواصلة الاختراق، وبالتالي من المتوقع أن يناقش الحزب هذه المشاكل ويعمل على إيجاد صيغة جديدة لها لمواجهة المعارضة.

الاقتصاد على رأس قائمة التحديات الداخلية التي من المفترض مناقشتها، إضافة إلى بحث مقترح وضع دستور جديد

من جهته، توقع الباحث في مركز ابن خلدون للدراسات في جامعة قطر، المختص بالشأن التركي علي باكير، في حديث مع "العربي الجديد"، "أن يكون الاقتصاد على رأس قائمة التحديات الداخلية التي من المفترض مناقشتها، والتحضير لمسار ما بعد كورونا، بالإضافة إلى بحث مقترح وضع دستور جديد للبلاد في ظل الحديث الدائم لدى البعض عن إمكانية إجراء انتخابات مبكرة، وهو الأمر الذي لا أعتقد أنه سيحصل الآن".

وعلى صعيد الملفات الخارجية، لفت باكير إلى أن العلاقة مع الولايات المتحدة تبقى أولوية، لا سيما بالنسبة إلى التحديات التي تفرضها في ما يتعلق بعلاقة أنقرة باللاعبين الدوليين ودورها الإقليمي، مشيراً إلى أن "المؤتمر يأتي في مرحلة حساسة داخلياً وخارجياً للجانب التركي، والحزب يتفاعل مع الدعوات التي أطلقها رئيسه لإجراء سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تستجيب للتحديات، في ظل تراجع شعبية الحزب في السنوات القليلة الماضية والحاجة إلى وجود تغيير إيجابي، لكن هذه الدعوات حملت معها أيضاً بعض المؤشرات المتضاربة كان آخرها إقالة حاكم المصرف المركزي". وختم بالقول: "هناك تحديات أيضاً تتعلق بترتيبات الحزب الداخلية، وهو أمر لا يجري النقاش حوله في العادة على الرغم من أهميته القصوى"، أما التوقعات "فترتبط بمدى قدرة قيادة الحزب على تنفيذ وعودها وتجاوز التحديات الحالية، فالأمران مرتبطان ببعضهما البعض بغض النظر عن المخرجات، ولا أعتقد أن وضع القرارات موضع التنفيذ سيكون بالأمر السهل كما كان عليه الوضع قبل عقد من الزمن".

المساهمون