لم يصدر عن مجلس النواب الليبي أي موقف، حتى الآن، حيال مبادرة المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالشأن الليبي ستيفاني وليامز، الخاصة بتشكيل لجنة ليبية مشتركة للتوافق على قاعدة دستورية لإنجاز انتخابات رئاسية وبرلمانية في أقرب وقت، على الرغم من الترحيب الواسع من قبل العديد من الأطراف الليبية.
وكانت وليامز قد أعلنت، ليل الخميس الماضي، عن مراسلتها مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لتسمية ستة ممثلين عن كل مجلس لتشكيل لجنة مشتركة مكرسة لوضع قاعدة دستورية توافقية، معربة عن أملها في أن تبدأ اللجنة أعمالها في 15 مارس/آذار 2022، تحت رعاية الأمم المتحدة، وتنتهي من أعمالها في غضون أسبوعين.
وفيما أشارت وليامز إلى أنها تنتظر رداً سريعاً من المجلسين على دعوتها، بادر المجلس الأعلى للدولة بالترحيب، واعتبر أنّ مبادرتها استجابة لمطلب المجلس الذي أقر قاعدة دستورية كاملة، في سبتمبر/أيلول الماضي، يمكن "البناء عليها لإيجاد توافق وطني"، بحسب بيان له.
ويبدو الارتباك واضحاً في مواقف المجلسين، فرغم ترحيب مجلس الدولة، إلا أنّ مقرره سعيد كلا وصف مبادرة وليامز بـ"غير الوجيهة"، موضحاً، خلال تصريح لتلفزيون ليبي مساء أمس الجمعة، أنّ وليامز في مبادرتها تجاهلت لجنة مشكّلة من مجلسي النواب والدولة مسبقاً لهذا الغرض، مبدياً تخوّفه من أن تشوش المبادرة على التقارب بين المجلسين "دون قصد منها".
وفي جانب آخر، لا يزال مجلس النواب الليبي يلزم الصمت حيال المبادرة، إلا أنّ الحكومة المكلفة منه برئاسة فتحي باشاغا بادرت إلى الترحيب ببيان الدول الخمس الداعم لمبادرة وليامز.
ومن دون الإشارة للمبادرة، أعاد بيان حكومة باشاغا نشر بعض مقاطع بيان الدول الخمس، ومنها تأكيده "إرساء أساس دستوري توافقي يُفضي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية"، وأكد أيضاً أنّ مهمة حكومته هي إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، "دون أي تأخير وبكل شفافية، وذلك لتحقيق رغبة 2.8 مليون ناخب"، وفق بيان للحكومة.
وفيما رحّب المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية بالمبادرة وأكدا استعدادهما لدعمها، إلا أنّ اللافت هو مسارعة الموقف الدولي لدعمها، ممثلاً في بيان للاتحاد الأوروبي، تلاه بيان لخمس دول هي الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، من دون إبداء أي موقف من خريطة الطريق التي اعتمدها مجلس النواب، وتقضي بتأجيل الانتخابات إلى 14 شهراً مقبلاً، وتغيير حكومة الوحدة الوطنية إلى حكومة جديدة برئاسة باشاغا.
وفيما ينفي عضو مجلس النواب سعد الجازوي علمه بسبب تأخر مجلس النواب في الردّ على مراسلة وليامز، فإنه يتساءل عمّا "ستقدمه مبادرة وليامز لكي يتم بموجبها الاستغناء عن خريطة الطريق التي اعتمدها مجلس النواب".
ويعبّر الجازوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن ارتياحه للتوصل إلى "توافق حول تعديل دستوري دون تدخل دولي"، وقال "التوافق السابق صحيح أنه ليس متكاملاً، ولكن يمكن تدارك أي أخطاء تشوبه"، مفضلاً الذهاب نحو خريطة طريق مجلس النواب بدل التعاطي مع مبادرة وليامز، وهو يرى أنها "نتاج عمل ليبيين مخلصين للوطن، وسوف تفرز لجنة تجمع المجلسين لتعديل مسودة الدستور".
في ذات الاتجاه، يرى عضو مجلس النواب علي التكبالي أنّ مبادرة وليامز "جاءت للعرقلة وليس للحلّ، ولا مستقبل لها في ليبيا"، متهماً المجتمع الدولي بوضع مثل هذه المبادرات كلما اقترب الليبيون من بعضهم.
وفيما يعتقد التكبالي أن مبادرة وليامز تهدف لـ"خلط الأوراق"، يرى أنّ المشهد الليبي "كان يسير بشكل جيد عبر مبادرة ليبية خالصة وللمرة الأولى، والتدخل الأجنبي هو الذي أضرّ بنا، وإذا أرادوا التدخل ثانية، فلن يقود تدخلهم إلا لعرقلة الأمور"، وفق قوله.
لكن الباحث والكاتب الصحافي عبد الله الكبير يرى أنّ مجلس النواب لا يمكنه رفض المبادرة، موضحاً أنّ المجلس في "طور التشاور مع حلفائه أولاً وخاصة مصر"، وقال "ربما يستطيع المجلس المماطلة، في محاولة لمنح فرصة لباشاغا للتمكّن من فرض نفسه في طرابلس، وبذلك يتغيّر موقف البعثة الأممية والموقف الدولي عموماً".
ولا يرجح الكبير، في حديث لـ"العربي الجديد"، رفض حلفاء مجلس النواب المبادرة بعد بيان الدول الخمس المؤيد لها، مضيفاً "في تصوري البرلمان سيرضخ للمبادرة في النهاية، لكي لا يصبح معزولاً، وتتجاوزه وليامز التي أعلنت في السابق أنّ لديها أكثر من خطة".
ومن بين الضغوط التي تمارسها وليامز على مجلس النواب الليبي، بحال رفض مبادرتها، الرجوع إلى ملتقى الحوار السياسي، أو تشكيل لجنة جديدة تشارك فيها أغلب الأطراف السياسية الليبية.
وفيما يرى الكبير أنّ المشهد عاد لحالة الأزمة من جديد، اعتبر أنّ مبادرة وليامز "لا تعني بالضرورة إنهاء حكومة باشاغا، لكنها تعني عدم الاعتراف بهذه الخطوة وعدم تأييدها"، موضحاً أنّ المبادرة "أبقت على خط رجعة قد يُستفاد منه، في حال تمكن عقيلة صالح وباشاغا من فرض الحكومة الجديدة، وتزايدت الضغوط على عبد الحميد الدبيبة ووافق على تسليم السلطة". وإن كان يرى أنّ هذا الاحتمال ضعيف، إلا أنه يستنتج أنّ خطوة وليامز تشير إلى أنها غير راضية على تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة باشاغا، و"هذا يزيد من قوة موقف الدبيبة واستمراره في المشهد".