وسط ترحيب محلي ودولي واسع، تستعد حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا برئاسة عبد الحميد الدبيبة لتسلّم مهامها، فما هي فرص نجاح هذه الحكومة في ظل كمّ كبير من التحديات؟
بعد أن رحب رئيسا حكومتي الوفاق والمؤقتة، فايز السراج وعبد الله الثني، بالحكومة الجديدة، وتعهدا بتسليم السلطة لها، أعلن الدبيبة أن حكومته ستؤدي اليمين الدستورية الاثنين المقبل في بنغازي، قائلاً إنه "سيعمل في كل مناطق ليبيا".
وأعلن مجلس النواب، الأربعاء، منح الثقة لحكومة الدبيبة بواقع 135 صوتاً، بحسب مقرر مجلس النواب صالح قلمة، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن عدد من شارك في الجلسة بلغ 137 نائباً، صوّت منهم 135 نائباً بمنح الثقة، فيما صوّت نائب برفضها وامتنع آخر.
وتتألف حكومة الدبيبة من 27 وزيراً وستة وزراء للدولة، وقال الدبيبة أمام النواب إن حكومته "ستعمل من كل مكان في ليبيا"، دون أن يحدد ما إذا كانت سرت أو طرابلس ستحتضن المقر الرسمي لحكومته.
وفيما أشاد وزير التخطيط الليبي الأسبق، عيسى التويجر، بالخطوة لكونها جاءت بعد سنين من الانقسام والفشل الحكومي المحلي في الشرق والغرب، اعتبر أن الحكومة الجديدة بـ"مجرد أن تتسلّم مهامها من الحكومتين، ستكون قد حققت أهم أهدافها، وهو توحيد مؤسسات الدولة تحت حكومة واحدة"، وإن كان هذا الهدف سيعترضه وجود قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر في الشرق وسط صعوبة التكهن بما يقدمون عليه في قادم الأيام، بحسب رأيه.
وشدد التويجر، خلال حديثه لــ"العربي الجديد"، على أهمية ملف المصالحة الوطنية، لافتاً إلى أنه "محفوف بالمخاطر، خاصة أن آلة الإعلام الحربي لن تجد من يستمع إليها بعد اليوم، والتحدي في هذا الشأن يأتي مرة أخرى من حفتر وداعميه".
لكن أهم التحديات أمام الحكومة، بحسب التويجر، هو بسط الأمن في ربوع البلاد وإيصال الخدمات إلى كل الليبيين "وهذا يتطلب فرض قوة جوية وبرية لمنع قطّاع الطرق والمهربين من السيطرة على الوقود وممارسة الجريمة"، ما يعني برأيه ضرورة أن تستعيد الحكومة الثقة بينها وبين شعبها.
لكن كل ذلك مرهون بالجواب عن سؤال: "ما التوصيف الدستوري" للأجسام السياسية القائمة؟ بحسب أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الليبية خليفة الحداد.
ويلفت الحداد، في حديثه لــ"العربي الجديد"، إلى أن تجاوز مجلس النواب، خلال جلسة الأمس، لبند تضمين خريطة الطريقة المنبثقة من ملتقى الحوار السياسي في الإعلان الدستوري يعني بقاء المجلس الرئاسي الجديد دون شرعية، متسائلاً: "مُنحت الثقة للحكومة، فماذا عن المجلس الرئاسي الذي يستمد شرعيته وتتحدد صلاحياته ومهامه من خلال خريطة الطريق؟".
وبشأن ما إذا كانت المرحلة الحالية ستسير وفق اتفاق الصخيرات أم مخرجات الاتفاق السياسي، يرى الحداد أن هناك محاولة للرجوع على حالة الغموض، فتضمين خريطة الطريق يعني أن مجلس النواب ومجلس الدولة خارج المشهد، وهو ما لا يريده المجلسان، لافتاً إلى أن المجلس الرئاسي بدون خريطة الطريق يبقى دون شرعية، وأن شرعية حكومة الدبيبة ستبقى منقوصة.
من جانبه، يرجح قلمه أن يناقش مجلس النواب، خلال جلسة أداء الحكومة اليمين الدستوري الأسبوع المقبل في بنغازي، قضية تضمين خريطة الطريق، مشيراً إلى أن مجلس النواب ينتظر اللجنة الدستورية التابعة للمجلس للإدلاء برأيها في القضية.
ويرى الباحث السياسي، صلاح الدين القادري، أن حكومة الدبيبة تواجه أيضاً تحديات تتعلق بالجانب العسكري، وأهمها "إخراج المرتزقة"، بالإضافة إلى قدرة الدبيبة على توحيد المؤسسات واستقلال القرار السيادي الليبي.
لكن القادري، في ذات الوقت، يرى أنّ لدى الحكومة جملة من الفرص التي قد تمكنها من النجاح في مهامها، موضحاً أن الحكومة يمكنها أن تستفيد من قدرتها على إدارة موارد النفط المجمدة التي اشترطت مؤسسة النفط وجود حكومة موحدة للإفراج عنها.
وبالإضافة إلى فرصة توحد الطبقة السياسية لإفشال جهود تعطيل المسار الانتقالي للوصول إلى الانتخابات، يرى القادري أيضاً، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة يمكنها الاستفادة من جملة من المتغيرات الدولية والإقليمية.
ويوضح القادري ذلك بالقول إن "تحرك الولايات المتحدة من أجل عزل روسيا وإخراج المرتزقة، وهذا بالضغط على خليفة حفتر، باعتباره مواطناً أميركياً، ولديه قضايا أمام المحاكم الأميركية، وكذا حلفاؤه الدوليون، وخصوصاً الإمارات والسعودية ومصر وفرنسا".
ورحبت الأمم المتحدة وسفارات الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا، وقطر وتركيا والكويت والسعودية ومصر والإمارات بحصول حكومة الدبيبة على ثقة مجلس النواب.