ليبيا: ضبابية في المشهد العسكري رغم تقدّم العملية السياسية

30 يناير 2021
لا يزال المسار العسكري أكثر ملفات الحل الليبي تعقيداً (فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال المسار العسكري أكثر ملفات الحل الليبي تعقيدا، بسبب ارتباطه بمواقف أطراف خارجية تقدم الدعم المباشر لأطراف الصراع الليبية المنخرطة في ذات الوقت في مفاوضات سياسية ينتظر أن تنتج سلطة تنفيذية موحدة قريبا بإشراف الأمم المتحدة.

وعبّر المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، يان كوبيتش، عن تطلعه للتعاون مع الأطراف الليبية لدعم الجهود المبذولة لتسهيل الحلول الشاملة من خلال حوارات تدعمها الأمم المتحدة لحل الأزمة الليبية. جاء ذلك في بيان لوزارة الخارجية بحكومة الوفاق، اليوم السبت، إثر تلقي وزير الخارجية محمد سيالة برقية من كوبيتش، أكد خلالها دعمه حلا شاملا من شأنه أن يصل بليبيا إلى مسار السلام والاستقرار والوحدة الوطنية.

وأشارت خارجية "الوفاق" إلى أن برقية كوبيش جاءت ردا على برقية لسيالة هنأه فيها على توليه منصبه مبعوثاً للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا.

وجاءت برقية المبعوث الأممي الجديد، في الوقت الذي ينتظر أن تعلن فيه رئيسة البعثة بالإنابة، ستيفاني ويليامز، عن قوائم المترشحين للسلطة التنفيذية الجديدة، بعد قفل باب الترشح منذ الخميس الماضي.

وتكافح ويليامز، قبل انتهاء ولايتها نهاية فبراير/ شباط المقبل، من أجل إكمال المسار السياسي، الذي سيتوجه لقاء مباشر لأعضاء ملتقى الحوار السياسي لانتخاب سلطة تنفيذية جديدة، الاثنين المقبل في جنيف السويسرية، في وقت اعترفت فيه ستيفاني بفشل جهودها في المسار العسكري، وتحديدا إنجاز ملف إخراج المقاتلين الأجانب المنصوص عليه في الاتفاق العسكري الموقع بين أعضاء اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5 + 5 في أكتوبر الماضي.

تكافح ويليامز، قبل انتهاء ولايتها من أجل إكمال المسار السياسي

وإثر انتهاء المهلة التي حددها الاتفاق لخروج المقاتلين الأجانب، السبت الماضي، جدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، مطالبته بضرورة أن "تنسحب جميع القوات الأجنبية وجميع المرتزقة الأجانب من ليبيا وترك الليبيين وشأنهم"، خلال مؤتمر صحافي عقده في نيويورك أمس الخميس.

ورغم التشديد الأممي على هذا المطلب إلا أن تصريحات مسؤولي الأمم المتحدة لم تسمِّ الأطراف الخارجية المتورطة في نقل المقاتلين الأجانب إلى ليبيا، بالإضافة للهجة التشاؤم التي تحدثت بها ويليامز، خلال إحاطتها التي قدمتها الخميس الماضي لأعضاء مجلس الأمن، بتأكيدها استمرار التحشيد العسكري على جانب طرفي الصراع، خصوصا بناء التحصينات الدفاعية داخل سرت وفي محيطها من جانب حفتر ومليشياته.

تكشّف شكل السياسة الأميركية الجديدة

لكن كلمة مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ريتشارد ميلز، في مجلس الأمن الخميس الماضي، التي سمى فيها الأطراف المتدخلة في ليبيا، وهي روسيا وتركيا والإمارات، ومطالبته لهذه الدول بأن "تبدأ فورا سحب قواتها من البلاد وسحب المرتزقة الأجانب والوكلاء العسكريين الذين قامت بتجنيدهم ونشرهم وتمويلهم في ليبيا"، يعتبر أول موقف أميركي في الملف الليبي إثر تولي الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن،  مهامه في البيت الأبيض، وهو موقف يراه الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، مفصحا عن شكل السياسة الأميركية الجديدة تجاه الأزمة في ليبيا.

بل يرجح البرق، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن يكون التجاوب الروسي الجديد في الملف العسكري الليبي انعكاسا للقراءة الروسية للموقف الأميركي، الذي لا يزال يصر على وقف توغلها في ليبيا.

وليل أمس أكدت حكومة الوفاق دعم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، جهود اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5.  ونقلت الحكومة، بحسب منشور لإدارة التواصل والإعلام، تأكيد لافروف لنائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد امعيتيق، خلال لقائه معه أمس الجمعة، أن "الوقت الحالي متاح أكثر ما يكون للتوصل إلى حلول وحكومة موحدة وطنية تحظى بدعم إقليمي ودولي"، وهو موقف روسي أكثر مرونة من السابق، بحسب البرق، قد يشير إلى حلحلة ملف المقاتلين الأجانب بشكل غير معلن، تزامنا مع التقدم الكبير الذي يشهده المسار السياسي.

ويلفت البرق إلى أن مرونة الموقف الروسي واكبها موقف مماثل لأبوظبي، الحليف الآخر لحفتر إلى جانب روسيا، أبدت خلاله أبوظبي مرونة هي الأخرى ورغبة في التعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة من أجل حلحلة ملف الأزمة في ليبيا، في إشارة لبيان مندوبة الإمارات لدى الأمم المتحدة لانا نسيبة.

ولا تزال موسكو وأبوظبي أبرز طرفين يدعمان حفتر ومليشياته، في وقت راجعت فيه دول أخرى مواقفها من حفتر، أبرزها مصر وفرنسا.

لا تزال موسكو وأبوظبي أبرز طرفين يدعمان حفتر ومليشياته

وجاء في بيان المندوبة الإماراتية، إثر جلسة عقدها مجلس الأمن بشأن ليبيا الخميس الماضي، التأكيد على استعداد بلادها للتعاون "بشكل وثيق" مع مجلس الأمن الدولي والإدارة الأميركية الجديدة لـ"تحقيق تسوية سلمية للشعب الليبي"، مشيرة إلى أن موقف بلادها يؤكد أن "الأولوية الأبرز هي الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار وتعزيزه".

مراوحة لملف خروج المقاتلين الأجانب

ولا يزال ملف المقاتلين الأجانب يتراوح بين إصرار من جانب حكومة الوفاق وإصرار دولي على ضرورة الخروج الفوري للمقاتلين الأجانب، وبين مقترح قدمه حفتر للجنة العسكرية المشتركة يقضي بإعادة توزيع المقاتلين الأجانب في مواقع جديدة بعيدة عن خطوط التماس، بحسب معلومات أدلت بها مصادر مقربة من اللجنة العسكرية لـ"العربي الجديد" في وقت سابق.

 لكن تصريحات صحافية لاحقة شدد فيها أعضاء من اللجنة العسكرية المشتركة على ضرورة خروج المقاتلين الأجانب تشير إلى رفض المقترح.

ويعلق البرق بالقول إن "الموقف الأميركي الذي لا يزال متشددا حيال الوجود الروسي في ليبيا قد يدفع في اتجاه حلحلة هذا الملف خطوات إلى الأمام، لكنه لن يفضي إلى خروج فوري"، لافتا إلى أن المعطيات على أرض الواقع لا تشير إلى ذلك.

وحتى الآن لم يصدر عن الجانب التركي أي تعليق تجاه كلمة المندوب الأميركي في الأمم المتحدة، خصوصا أن أنقرة تصر على أن وجودها في ليبيا شرعي ووفق اتفاق موقع مع حكومة الوفاق. غير أن استمرار تكديس الأسلحة ونقل المقاتلين من جانب الطرفين، الروسي والتركي، يراه البرق مرتبطا بعدة عوامل منها، عدم وضوح شكل السلطة الجديدة وأعضائها بما يكفل مصالح تلك الدول المرتبطة بميدان القتال وأطراف الصراع، لافتا إلى أن الإعلان عن السلطة الجديدة والشخصيات التي ستشغل مناصبها المهمة هو من سيحدد الطريق في ملف المقاتلين الأجانب.

ويضيف "من العوامل الأخرى عدم وضوح الرؤية الروسية في ليبيا أيضا، فحتى الآن لا يعرف من تدعم وعلى من تعول، فحفتر لم يعد شريكا قويا يمكنها الوثوق به"، مشيرا إلى أن كثافة اتصال موسكو بكل الأطراف الليبية يلقي المزيد من الغموض عن شكل قرارها وموقفها بعد إعلان الحكومة الجديدة، لكنه في ذات الوقت يرى أن الموقف الروسي المرن قد يشير إلى رؤية خاصة بها لحلحلة ملف السلاح في ليبيا والمقاتلين الأجانب.

المساهمون