ليبيا: حراك لمجلسي النواب والدولة لعرقلة خطة البعثة الأممية

29 ديسمبر 2024
عقيلة صالح في سبها، 5 سبتمبر 2024 (عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- اجتماعات المجلسين الليبيين: يستعد مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لعقد اجتماعات لمناقشة تشكيل حكومة جديدة وتعيين شاغلي المناصب السيادية، بدعم من البعثة الأممية بقيادة ستيفاني خوري.

- خلافات داخلية وتأثيرها: شهدت الاجتماعات السابقة تشكيل لجان مشتركة، لكن الانقسامات الداخلية حول شرعية الرئاسة تعرقل التقدم، مما دفع البعثة الأممية لتشكيل لجنة فنية لمعالجة القضايا الخلافية.

- التحديات الإقليمية والدولية: تواجه خطة تشكيل الحكومة تحديات من المجلسين وغياب التوافق الدولي، مع تعقيدات إضافية بسبب دور روسيا والاجتماعات الإقليمية في المغرب ومصر.

يستعد أعضاء من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا لعقد اجتماعات خلال الأسابيع الأولى من العام المقبل، لاستكمال مشاوراتهم حول ملفي تشكيل حكومة جديدة وتعيين شاغلي المناصب السيادية، في الوقت الذي تواصل فيه البعثة الأممية (بقيادة القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني خوري) عملها على إطلاق مسار تفاوضي موسع بين مختلف الشرائح الليبية لاستئناف العملية السياسية.

ليبيا بين خطط المجلسين وخوري

وقال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، أول من أمس الجمعة، إن الأسبوع المقبل سيشهد اجتماعاً بين أعضاء مجلسي النواب والدولة في مدينة القبة، شرقي البلاد، لمناقشة الخطوات النهائية لتشكيل حكومة جديدة، بالإضافة إلى ملفات أخرى، مشيراً إلى أن المرشحين للحكومة الجديدة وصل عددهم إلى تسعة. وأكد صالح، في تصريح نشرته قناة "ليبيا الحدث" المقربة من قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أن تعيين رئيس الحكومة الجديد سيجرى بالتنسيق مع المجلس الأعلى للدولة، وسيتم اختياره "في جلسة شفّافة ومعلنة لمجلس النواب"، مشدداً على رفضه "أيّ تدخّل خارجي في الشأن الليبي" باستثناء تقديم المجتمع الدولي مساعدة في مجالات الحكم المحلي وإدارة الثروة وغيرها من الجوانب الفنية.

شدّد عقيلة صالح على رفضه أي تدخّل خارجي في الشأن الليبي

ويأتي إعلان صالح عن اجتماع أعضاء من المجلسين الأسبوع المقبل، بعد نحو عشرة أيام من اجتماعهم في بوزنيقة المغربية وإعلانهما عن تشكيل خمس لجان مشتركة بين المجلسين، لإعادة تكليف حكومة جديدة في ليبيا والنظر في المسار الاقتصادي والمالي، وملف الحكم المحلي والأمني، وملف إعادة تعيين شاغلي المناصب السيادية، وملف الأموال المهربة وغسيل الأموال، بحسب بيان للمجتمعين أشاروا فيه إلى استنادهم في قراراتهم هذه إلى الاتفاق السياسي وقرارات مجلس الأمن، خصوصاً تلك المتعلقة باعتماد القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة 6+6 المشتركة من المجلسين.

في غضون ذلك، كشف مصدر برلماني ليبي لـ"العربي الجديد"، عن عزم أعضاء مجلسي النواب والدولة في ليبيا عقد اجتماع في القاهرة بعد اجتماعهم الأسبوع المقبل في مدينة القبة، مشيراً إلى أنهم عازمون على حسم ملف الحكومة، والبدء بحسم ملف المناصب السيادية، خصوصاً تلك التي تواجه شاغليها تهديدات بالعزل، مثل ديوان المحاسبة والمؤسسة الوطنية للنفط.

وفيما لم يختلف مجلس النواب حول شرعية مشاركته في اجتماع بوزنيقة الأخير، أعلن محمد تكالة، بصفته رئيساً للمجلس الأعلى للدولة، عن رفض نتاج الاجتماع، معتبراً أن أعضاء مجلس الدولة المشاركين في الاجتماع لا يمثلون المجلس بشكل رسمي. وجاء إعلان تكالة خلال خطاب وجّهه إلى وزارة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية، طالبها فيه بمخاطبة نظيرتها المغربية لمنع أي اجتماعات إلا عبر تنسيقها مع رئاسة المجلس، مشيراً إلى وجود انقسام حول صحة انتخابات رئاسة المجلس وعدم حسمها حتى الآن (بين تكالة وخالد المشري إثر انتخابات المجلس الصيف الماضي).

ويتزامن سعي المجلسين للتوافق حول إنشاء حكومة جديدة مع إعلان القائمة بمهام رئيس البعثة الأممية في ليبيا، ستيفاني خوري، منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي، عن مبادرتها القاضية بتشكيل لجنة فنية مكونة من خبراء ليبيين لوضع حلول لمعالجة القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية وخيارات الوصول إلى إجراء الانتخابات في أقصر وقت ممكن وفي إطار زمني محدد. ووفقاً لخوري، خلال كلمة وجّهتها لليبيين يوم 15 ديسمبر، وكررت مضمونها في إحاطة قدّمتها إلى أعضاء مجلس الأمن في اليوم التالي، فإن هذه اللجنة الفنية الليبية ستعمل أيضاً على "توضيح المحطات الأساسية والأولويات لحكومة يتم تشكيلها بالتوافق"، من دون أن تحدد كيفية تشكيل هذه الحكومة والاتفاق حولها. وأشارت إلى مسار تفاوضي سيجرى بالتوازي بين شرائح ليبية موسعة من القيادات الاجتماعية والمجتمع المدني وممثلي شرائح الشباب والنساء "لتوضيح نطاق التوافق حول مسببات النزاع القائم منذ وقت طويل".

مصدر برلماني ليبي: سيكون هناك اجتماع بين أعضاء المجلسين في القاهرة بعد اجتماع القبة

وتتوافق معلومات المصدر البرلماني نفسه مع مصدر مقرب من مجلس الدولة بطرابلس كشف لـ"العربي الجديد" عن عدم تعاطي البعثة الأممية مع نتائج لقاء أعضاء مجلسي النواب والدولة في بوزنيقة، وأن البعثة الأممية ماضية في تشكيل اللجنة الفنية الليبية بمعزل عن المجلسين وبدعم دولي مباشر.

حكومة بلا شرعية

ورأى الباحث في الشأن السياسي فاضل الطويل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مساعي مجلسي النواب والدولة "خطوة للتشويش على خوري لفرض وجودهما ضمن خطتها التي لم تشر فيها إلى وجود المجلسين ولا إلى أي دور لهما، بعدما انتزعت أهم ورقة يملكانها وهي ورقة القوانين الانتخابية بعملها على تسليمها للجنة الفنية المرتقبة لإجراء تعديلات عليها". واعتبر الطويل أن اجتماعات مجلسي النواب والدولة "تعكس أزمة تسير بهما في طريق التلاشي، خصوصاً بعد انقسام مجلس الدولة".

ورأى الطويل أن عقيلة صالح يحاول إحياء تحالفه مع خالد المشري الذي يعاني شكوكاً في شرعية رئاسته لمجلس الدولة، مضيفاً أن صالح "فقد أهم شريك له كان يحكم معه القبضة على مصير الملف السياسي، فالمشري بخلافاته مع تكالة لم يعد يملك شرعية سياسية تمكّنه مع الشراكة مع صالح للعمل على مواجهة أي مسار لا يخدم استمرار وجودهما، كما في المبادرات الأممية السابقة"، مشيراً إلى أنّ أعضاء مجلس الدولة المشاركين في اجتماع بوزنيقة هم من أنصار المشري فقط، ويدلّ على ذلك خطاب تكالة الرافض لنتائج الاجتماع.

فاضل الطويل: المشري بخلافاته مع تكالة لم يعد يملك شرعية سياسية تمكّنه مع الشراكة مع صالح

وحول هدف مجلسي النواب والدولة، رأى الطويل أنهما يسعيان إلى توظيف اتفاقهما على القوانين الانتخابية ووضعها موضع التنفيذ من خلال تشكيل حكومة جديدة كما تنص على ذلك القوانين. وأوضح الطويل أن "الرسالة مفادها أن القوانين الانتخابية اتفق عليها المجلسان وبدآ في تنفيذها فلا حاجة للجنة فنية تحدد نقاط الخلاف فيها، والهدف الأساسي هو عرقلة خطة خوري، فهما يدركان جيداً أن الحكومة لن تجد طريقها إلى طرابلس وستكرر مشهد حكومة مجلس النواب السابقة التي دخلت في احتراب مع حكومة الوحدة الوطنية التي منعتها في السابق من دخول طرابلس، وستتحول إلى حكومة موازية هي الأخرى".

من جهته، رأى أستاذ العلاقات الدولية رمضان النفاتي أن مجلسي النواب والدولة يسعيان إلى عرقلة خطة خوري، التي "تمر بفترة حرجة للغاية"، وفق اعتقاده. وأوضح في هذا السياق أنه "على الرغم من الدعم الذي تلقّته خوري في اجتماع لندن الأخير (أوائل ديسمبر) والذي أشارت إليه خوري صراحة في إحاطتها أمام مجلس الأمن، إلا أنه دعم منقوص في خضم المجريات الإقليمية التي تجعل موسكو طرفاً أساسياً في العملية السياسية في ليبيا، مع تزايد الحديث عن نقل وجودها العسكري من سورية إلى ليبيا، فأي حكومة وأي انتخابات ستجرى في غياب الموافقة الروسية؟".

ولفت النفاتي في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن غياب التوافق الدولي هو ما دفع مجلسي النواب والدولة إلى عقد اجتماعها الأول في المغرب، والثاني المرتقب في مصر، بهدف حشد الدعم الإقليمي، مضيفاً: "هذا الأمر على الأقل يشير إلى غياب موافقة دول إقليمية فاعلة في الملف الليبي حول مبادرة خوري، وإن تحدثنا عن مصر فلا بد أن نتحدث عن تركيا التي باتت أكثر توافقاً مع مصر في الملف الليبي". وخلص النفاتي إلى أن خطة خوري "ستصطدم من جديد بجدار الانقسام الخارجي، وليس الداخلي فقط، وإن امتلكت الإرادة فستمر بوقت طويل لتصل إلى حل توافقي حول الحكومة والانتخابات".

المساهمون