ليبيا... انتخابات بلدية كاشفة

11 يوليو 2024
تظاهرة في طرابلس تطالب بإجراء انتخابات، ديسمبر 2021 (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تُجري المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا استعدادات لإطلاق الانتخابات البلدية في 60 منطقة رغم تجاهل الحكومتين المتنافستين.
- تنشط القوى السياسية المدنية والحزبية في حملات توعوية بأهمية الانتخابات، رغم الإقبال الضعيف على التسجيل، حيث سجل 164203 ناخبين فقط.
- قرار مجلس النواب بنقل اختصاصات الإشراف على الانتخابات البلدية إلى المفوضية العليا يثير تساؤلات حول تأمين الانتخابات وتمويلها، ويعكس وعياً بأن أقطاب الصراع قد يعرقلون تنظيمها.

تُجري المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا استعدادات لإطلاق الانتخابات البلدية في 60 منطقة بمختلف أنحاء البلاد، بعضها يقع تحت سلطة حكومة الوحدة الوطنية في الغرب، وأخرى تحت سلطة حكومة مجلس النواب، لكن كلا الحكومتين لم توليا في الظاهر أي اهتمام لهذه الانتخابات، كما أن أقطاب الصراع الأخرى في مجلس النواب ومجلس الدولة وقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر لم تهتم هي الأخرى. وقد يُفهم من هذا التجاهل عدم الاكتراث، لكن الواقع يبدو غير ذلك.

في خضم الاستعداد للانتخابات البلدية المفترض أن تتم في 27 أغسطس/ آب المقبل ما لم تؤجل مرة جديدة، تثار العديد من الأسئلة التي قد تكشف حقيقة قادة الصراع السياسي في البلاد. أهم هذه الأسئلة من سيؤمن هذه الانتخابات في ظل الانقسام الحكومي القائم، والذي لطالما شكّل العقبة الرئيسية أمام عدم توافق المتصارعين على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بحجة عدم وجود حكومة واحدة لتشرف على إجرائها. فالبلديات الستون المستهدفة بالانتخابات البلدية تقع تحت سلطة الحكومتين الحاليتين بالتساوي تقريباً، فهل توحيد الحكومة أو تشكيل حكومة جديدة مطلب حقيقي للمتصارعين السياسيين، أم إنهم جميعاً يعرقلون إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ومطلب حكومة موحدة ليس إلا محاولة تصفية بعضهم البعض تحت ذريعة إجراء الاستحقاق الانتخابية؟

في مقابل عدم الاكتراث المزعوم من قبل المتصارعين على السلطة، تنشط العديد من القوى السياسية المدنية والحزبية في الأوساط المحلية في إطلاق حملات توعوية بأهمية الانتخابات البلدية لدفع أكبر قدر من المواطنين للتسجيل في المنظومة الانتخابية، فالإقبال ضعيف إلى حد تمديد مفوضية الانتخابية مدة التسجيل لمرتين، آخرها حتى نهاية يوليو/ تموز الحالي. ووصل عدد المسجلين حتى مساء الثلاثاء إلى 164203 ناخبين، بواقع أزيد من 120 ألف ناخب من الرجال، وأزيد من 43 ألفاً من النساء.
ويبدو أن وعي النشطاء في القوى المدنية والحزبية بأهمية هذه الانتخابات له أسبابه وعمقه، فالانتخابات البلدية تمثل تجربة انتخابية مصغّرة يمكن أن تكشف حقيقة معرقلي إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وتضعهم أمام اختيار حقيقي لصحة ادعاءاتهم بشأن حقيقة العراقيل التي يصدرونها في المشهد الانتخابي.

والحقيقة أن الانتخابات البلدية مهمة بدرجة كبيرة بالنسبة لأقطاب الصراع، على عكس ما يدّعون من عدم الاكتراث بها، فقد دخلت حيز التجاذبات بشكل مسبق. وتحسباً لاستغلال حكومة الوحدة الوطنية للانتخابات البلدية وتعيين أنصارها على رأس قيادة البلدات والمرور من خلالها للمناطق التي لا تخضع لسلطتها، عمد مجلس النواب، المناط به إصدار التشريعات القانونية لأي انتخابات، منذ أشهر إلى إصدار قرار لنقل اختصاصات الإشراف على الانتخابات البلدية من وزارة الحكم المحلي بالحكومات إلى المفوضية العليا للانتخابات، ولم يُبقِ هذا القرار للحكومة سوى اختصاص دعمها بالموازنة المالية المناسبة. لكن هذا القرار يبدو أنه كان بمثابة الفلتة غير المحسوبة، فقد ذهب إلى اتجاه لن يحقق مقصده.

سيضع هذا القرار مجلس النواب أمام مأزق كبير، فحكومته لا تمتلك مصادر التمويل الشرعية لتمويل الانتخابات البلدية، وبالقطع لن يطالب مجلس النواب الحكومة في طرابلس بتمويل إجراء هذه الانتخابات لأن هذا يعد بمثابة اعتراف بها. والأهم من سيؤمن هذه الانتخابات؟ فلو حدث وجرت الانتخابات في ظل وجود حكومتين عندها سيضع نجاح هذه الانتخابات الجميع في موقف حرج للغاية، وسيُطرح سؤال رئيسي: ما المانع إذاً أن تُجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية كذلك؟

يبدو أن الإقبال الضعيف من الليبيين على التسجيل في منظومة الانتخابات البلدية، رسالة مسبقة تحمل وعياً بأن أقطاب الصراع، سواء مجلسي النواب والدولة والحكومتين، وخليفة حفتر الذي سبق أن أقفل 10 مراكز انتخابات في شرق البلاد، لن يسمحوا بإجراء انتخابات بلدية، ولديهم القدرة على الزج بالعديد من العراقيل أمام تنظيمها.