بدأ الموفد الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين، صباح اليوم الثلاثاء، استهلها بلقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي بحث خلاله الأزمة الرئاسية والأوضاع المحلية الاقتصادية في البلاد، قبل أن ينتقل إلى عين التينة في بيروت، مقرّ الرئاسة الثانية، للقاء رئيس البرلمان نبيه بري.
ويعود لودريان إلى بيروت، للمرة الثالثة، مكلفاً من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للمساعدة في إيجاد حلّ للأزمة الرئاسية التي اقتربت من عامها الأول، من دون أي مؤشرات جدية على قرب حصول أي خرق إيجابي لوضع حدٍّ للشغور، خصوصاً أن لا تقارب سُجِّل بعد على خطّي حزب الله وحلفه السياسي من جهة، ومعارضيه من ناحية ثانية، علماً أن اسم قائد الجيش العماد جوزاف عون بدأ يتردّد بين الأوساط السياسية كمرشح ثالث، سيُطرح اسمه على طاولة البحث والمفاوضات.
ويتمسّك حزب الله وحلفه السياسي حتى اللحظة بمرشحه للرئاسة، رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، الرجل المقرّب جدّاً للنظام السوري، فيما يصرّ الفريق المعارض على رفض أي مرشح محسوب على الطرف الأول، كما لم يتجاوب مع دعوة بري الأخيرة للحوار، معتبراً إياها غير دستورية، وحركة تُراد من خلالها المناورة بهدف فرض فرنجية رئيساً للجمهورية، علماً أن المعارضة التي رشحت وزير المال السابق، جهاد أزعور، منفتحة على أسماء أخرى، تتوافر فيها "المواصفات الإصلاحية، السيادية، الرافضة للسلاح غير الشرعي في البلاد"، وفق تعبيرها.
وقالت رئاسة الحكومة اللبنانية، في بيان، إن "لودريان أكّد لرئيس الحكومة أنه آتٍ إلى لبنان لإكمال مهمته ولن يبدي رأيه قبل استكمال الاتصالات واللقاءات التي سيقوم بها، وأمل أن تكون المبادرة التي أعلن عنها رئيس البرلمان نبيه بري، بداية مسار الحلّ".
استقبل رئيس الحكومة #نجيب_ميقاتي موفد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الوزير السابق جان ايف لودريان قبل ظهر اليوم في السرايا.
— رئاسة مجلس الوزراء 🇱🇧 (@grandserail) September 12, 2023
شارك في الاجتماع سفير #فرنسا في #لبنان هيرفيه ماغرو ومستشارا الرئيس ميقاتي الوزير السابق نقولا نحاس، والسفير بطرس عساكر.
في خلال الاجتماع جدد الرئيس… pic.twitter.com/8rTMCRDXID
وقال ميقاتي، خلال الاجتماع مع لودريان إن "بداية الحلّ للأزمة الراهنة في لبنان تكون بانتخاب رئيس جديدٍ وإتمام الإصلاحات الاقتصادية، ولا سيما المشاريع الموجودة في مجلس النواب، لوضع البلد على سكة التعافي".
وقال مصدرٌ مقرّبٌ من ميقاتي لـ"العربي الجديد"، إن "اللقاء كان إيجابياً، وعرض خلاله رئيس الحكومة آخر المستجدات على الساحة المحلية اللبنانية، الأمنية والسياسية والاقتصادية، وأكّد للموفد الفرنسي، أن حكومة تصريف الأعمال تبذل جهداً في التعاطي مع الاستحقاقات ضمن صلاحياتها، وتؤدي دورها، لكن معظم القرارات التي تصدر عنها لا يمكن أن تنفذ قبل إقرارها من جانب مجلس النواب المعطّل بدوره، بفعل الخلاف السياسي، والدستوري، الناجم عن الشغور في سدة الرئاسة الأولى، من هنا تأتي أهمية انتخاب رئيس سريعاً، لتسلك القوانين والخطة الإصلاحية طريقها، والتي ينتظرها صندوق النقد الدولي، ما يدفع نحو النهوض الاقتصادي المطلوب".
وأشار المصدر إلى أن "ميقاتي أيّد أمام لودريان دعوة بري الأفرقاء السياسيين للحوار لمدة سبعة أيام كحدٍّ أقصى في سبتمبر/أيلول قبل الدعوة إلى جلسات متتالية لانتخاب رئيس، إذ يرى أن الحوار شرط أساسي لحلّ الأزمة الرئاسية، وهناك حاجة ملحّة له، ولتقارب الأحزاب والكتل النيابية والتوافق في ما بينها، بيد أنه لم ينل بعد تأييد جميع القوى".
من جهته، قال رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري إن "وجهات النظر متطابقة مع لودريان بأن لا سبيل إلا الحوار ثم الحوار ثم الحوار للخروج من الأزمة الراهنة وإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وهذا ما هو متاحٌ حالياً لمن يريد مصلحة لبنان".
وقال بيان صادر عن مكتب بري الإعلامي إن "اللقاء مع لودريان عرض للأوضاع العامة والمستجدات السياسية ولا سيما الاستحقاق الرئاسي".
وكان مصدرٌ مقرّبٌ من رئيس البرلمان نبيه بري، قال لـ"العربي الجديد"، إن "مبادرة بري مستمرّة، وهي تتلاقى مع المبادرة الفرنسية، وتهدفان معاً لحلّ الأزمة الرئاسية عبر حوار وجلسات متتالية لانتخاب رئيس في أسرع وقتٍ ممكن".
وأشار المصدر إلى أن "بري سيعرض أمام لودريان مواقف الكتل النيابية والأحزاب السياسية من مبادرته، والجهات التي ترفضها، والتي تتحمّل مسؤولية التعطيل، خصوصاً أن بلداً مثل لبنان لا يمكن أن يُحكَم إلا بالحوار والتوافق بين مكوّناته، كما أن بري متفائل من تأييد الموفد الرئاسي الفرنسي لخطوته ودعمها باعتبارها فرصة مهمة لخرق الجمود في الملف الرئاسي".
وفي وقت لاحق، وزّعت السفارة الفرنسية في بيروت بياناً حول زيارة لودريان إلى لبنان والتي تستمرّ حتى 15 سبتمبر/ أيلول الجاري، في إطار "مهمته المتمثلة في المساعي الحميدة التي استهلت في شهر يوليو/ تموز الماضي، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر"، على حدّ تعبيرها.
وقالت إن "لودريان سيقيم محادثات جديدة تندرج في سياق المبادلات التي أجراها خلال مهمتيه السابقتين، مع جميع الجهات الفاعلة السياسية الممثلة في البرلمان، والتي انتخبها اللبنانيون وتتحمل مسؤولية انتخاب رئيس الجمهورية".
وأشارت إلى أنه "سيتطرق في ظل ضرورة الخروج من الأفق السياسي المسدود حالياً، مع جميع الجهات الفاعلة، إلى المشاريع ذات الأولوية التي ينبغي لرئيس الجمهورية الجديد أن يعالجها بغية تيسير بلورة حل توافقي في البرلمان وسد الفراغ المؤسسي".
وبحسب البيان "تعتزم فرنسا، كما ذكّر رئيس الجمهورية الفرنسية (إيمانويل ماكرون) ووزيرة أوروبا والشؤون الخارجية (كاثرين كولونا) خلال مؤتمر السفراء، العمل من أجل سيادة لبنان واستقراره، كما يمثل انتخاب رئيس للجمهورية اليوم ضرورة ملحة وخطوة أولى في سبيل إعادة تحريك المؤسسات السياسية".
وختم البيان منبهاً إلى أن "الوضع الراهن لا يزال يتدهور ومؤسسات الدولة تتضعضع على نحو مقلق، وذلك أيضاً في سياق غياب حاكم لمصرف لبنان حالياً، وتوترات أمنية، وبرلمان لم يعد يجتمع بغية التصويت على قوانين ضرورية، من أجل إنعاش البلاد وازدهار اللبنانيين، وتضخم جامح، واقتصاد يعتمد على السيولة، ويقوض سيادة لبنان، ويدفع القوات النابضة إلى مغادرته".
وعلى صعيد لقاءاته اليوم الثلاثاء، أكد لودريان استمرار بلاده في دعم الجيش اللبناني لتعزيز قدراته على تنفيذ مختلف المهمات، وذلك خلال اجتماعه مع قائد الجيش، العماد جوزاف عون، والذي أطلعه فيه على الوضع الأمني وما يواجهه الجيش من تحديات، خصوصاً اللجوء السوري والوضع الفلسطيني.
وقال لودريان، في يوليو/تموز، الماضي، إنه عائدٌ إلى بيروت للمرة الثالثة، بعدما اقترح على جميع الجهات الفاعلة التي تشارك في عملية انتخاب رئيس دعوتها من أجل عقد لقاء في سبتمبر/أيلول الجاري، يرمي إلى بلورة توافق بشأن التحديات التي تجب على رئيس الجمهورية المستقبلي مواجهتها والمشاريع ذات الأولوية التي يجب عليه الاضطلاع بها، وبالنتيجة المواصفات الضرورية من أجل تحقيق ذلك.
ويصبو هذا اللقاء، بحسب لودريان، إلى توفير مناخ من الثقة وإتاحة اجتماع البرلمان في أعقاب ذلك وضمن ظروف مؤاتية لإجراء انتخابات مفتوحة تتيح الخروج من هذه الأزمة سريعاً.
وترفض القوى المعارضة لـ"حزب الله" وفريقه السياسي، الحوار الذي دعا إليه بري، أو يمكن أن يدعو إليه لودريان في الإطار نفسه، مبدية انفتاحها في المقابل على المباحثات واللقاءات الثنائية. وتعتبر أيضاً أن شكل التفاوض الوحيد المقبول وضمن مهلة زمنية محدودة هو الذي يجريه رئيس الجمهورية المقبل بعيد انتخابه، ويتمحور حول مصير السلاح غير الشرعي، وحصر حفظ الأمنين الخارجي والداخلي للدولة بالجيش والأجهزة الأمنية، طالبة من رئيس البرلمان الدعوة إلى جلسات متتالية لانتخاب رئيس وفق الآلية الدستورية الديمقراطية من دون اشتراط حوار مسبق.