لم تعلن سلطة الانتخابات الجزائرية عن نتائج الانتخابات النيابية المبكرة التي جرت السبت، وقررت إرجاء ذلك إلى وقت لاحق قد يمتد حتى يوم الأربعاء القادم، بسبب تعقيدات عملية الفرز هذه المرة، لكن انتظار النتائج لم يعف المشهد الانتخابي من نقاش جدي حول تدني نسبة التصويت واستمرار عزوف الناخبين عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، على الرغم من جملة متغيرات أحاطت بالاستحقاق الانتخابي.
حتى الساعة الخامسة من مساء اليوم الانتخابي الطويل أمس السبت، كانت نسبة التصويت متوقفة عند حدود 14.47 في المائة، أي قبل ثلاث ساعات من إغلاق مكاتب الاقتراع، بزيادة ساعة تمديد قررتها سلطة الانتخابات، وإن لم تعلن الأخيرة عن نسبة المشاركة النهائية في التصويت، إلا أنها لن تتجاوز في أحسن الأحوال تلك المسجلة في الاستفتاء الشعبي الأخير على الدستور في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والتي بلغت 23 في المائة، برغم حديث سلطة الانتخابات عن "معدل نسبة مشاركة" على أساس الولايات بلغ 30 في المائة (نتيجة جمع معدل التصويت في كل الولايات يقسم على عدد الولايات 58)، وهو معدل لا يمثل نسبة التصويت على أساس مجموع المصوتين من مجموع المسجلين في القائمة الانتخابية.
في بلدة أحمر العين بولاية تيبازة قرب العاصمة الجزائرية، هذه البلدة الشعبية الصغيرة، ترشح خمسة شباب للانتخابات من العمق الشعبي في قوائم انتخابية مختلفة، بينهم صحافيون، كان يفترض أن يسهم ذلك في استدراج أكبر عدد ممكن من الناخبين في البلدة إلى صناديق الاقتراع بحكم عوامل الارتباطات الاجتماعية، لكن نسبة التصويت في مجموع مكاتب هذه البلدة لم تتجاوز نسبة 22 في المائة، وهي نفسها تقريبا على مستوى كامل الولاية.
اعتبارات شخصية
يؤكد المرشح المستقل بلال لحول، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك قطاع من الناخبين ذهب إلى الصناديق لاعتبارات شخصية تربطه بالمترشح "غالبية من صوتوا، توجهوا إلى مكاتب الاقتراع في بلديتنا بعد علمهم بترشحي، وآخرون وكأنهم ارتأوا أنهم قاموا بواجبهم نحوي وردوا لي الجميل بعد عملي صحافياً على إيصال صوتهم إلى الوصاية قبل سنوات".
لكن لحول يعتبر أن هذا العزوف المحلي "في الحقيقة يبقى محل تساؤل، ويجد مبرراته من الناحية السوسيوسياسية في وجود تراكمات أدت إلى نقص الإقبال على الانتخاب بسبب الممارسات السياسية السابقة، كاستعمال المال الفاسد ومحاولة التزوير وشراء ذمم بعض الناخبين، وهامش الثقة في العملية الانتخابية مازال هشا، ويحتاج إلى جهد كبير لترميمه".
من حيث الأرقام، يمكن ملاحظة أن مستوى ومؤشرات التصويت في انتخابات السبت الماضي تبدو أدنى بكثير من نسبة التصويت في الانتخابات النيابية التي سبقت الحراك الشعبي، بينما كان يفترض، وفقا للظروف والمتغيرات السياسية الجديدة، وخاصة وجود هيئة مستقلة للانتخابات ومشاركة أحزاب كانت على قطيعة تامة مع المسارات الانتخابية قبل الحراك مثل حزب "جيل جديد"، أن تكون النتائج مختلفة والمشاركة أوسع.
كما تأتي هذه النتيجة على الرغم من فتح باب الترشح واسعا أمام الشباب من العمق الشعبي ودعمهم ماديا من قبل السلطة، ففي انتخابات عام 2007، بلغت نسبة التصويت 35.7 في المائة، وتجمدت في نفس المستوى في آخر انتخابات نيابية شهدتها الجزائر قبل الحراك الشعبي، والتي جرت في مايو 2017، إذ بلغت 35.2 في الانتخابات الماضية.
الناشطون في الحراك الشعبي يعتبرون أن تدني نسبة التصويت، وإن لم تكن تعبر عن موقف سياسي ينحاز لجهة الحراك ورفض المسار الانتخابي، إلا أنها تعبر عن وجود واستمرار المأزق السياسي.
حجم الهوة يزداد
ووصف الناشط البارز في الحراك الشعبي سمير بلعربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هذه الانتخابات "هي فرصة أخرى تضيع على الجزائر من أجل تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي، حجم الهوة بدا واضحاً رغم كل الوعود التي قدمها النظام والتسهيلات التي حصلت عليها الأحزاب والقوائم الحرة، والحملة الإعلامية خلال الحملة الانتخابية، إلا أن غالبية الشعب الجزائري رفضت الذهاب لصناديق الاقتراع، وهذا يؤكد أن حجم الهوة بين الشعب والنظام والأحزاب يزداد اتساعا، وأن فقدان الثقة في مشاريع النظام أصبح واقعا".
بيد أن تدني نسبة المشاركة لا يمكن تجييره بالكامل كإسناد ودعم شعبي لموقف الحراك والأحزاب الرافضة للانتخابات، أو "مقاطعة" تعبر عن موقف سياسي رافض للسلطة، لكون أن جزءاً مهماً منها يدرج في سياق العزوف والتجاهل الشعبي وعدم الاهتمام بالواجب الانتخابي، وهو ما دفع السلطة السياسية إلى عدم إبداء أي تركيز أو اهتمام بنسبة المشاركة في الانتخابات.
وعبر عن ذلك الرئيس عبد المجيد تبون بكل وضوح، إذ قال السبت، بعد إدلائه بصوته، إن ما يهمه هو شرعية ونزاهة الانتخابات أكثر من نسبة التصويت، وقال "قلت وأعيد أن نسبة المشاركة لا تهم، المهم أن يخرج المنتخبون الذين ينتخبهم الشعب في شفافية، ما يهمني أن من يخرجون من الصندوق لديهم الشرعية الكاملة".
3 أسباب لضعف المشاركة
ويقرأ أستاذ في العلوم السياسية توفيق بوقاعدة، ظاهرة العزوف عن الانتخابات النيابية المبكرة ضمن سياق ثلاثة أسباب رئيسة لعبت دورا في ارتفاع نسبة العزوف الانتخابي، "أولها الفشل الحكومي في إدارة الشأن العام وتدبيره وتلبية احتياجات المواطن وإعادته إلى العقود السابقة، حيث بين ذلك أن العمل الانتخابي هو عمل روتيني في خدمة السلطة من دون أن يقدم جديدا للمواطن".
وتأتي في المقام الثاني "الممارسات التي اعتمدتها السلطة منذ انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، وما رافقها من تضييق على الحريات حتى وإن لم تلامس كل المجتمع، إلا أنها أثارت الكثير من الحنق لدى قطاع واسع من الجزائريين، الذين رأوا أن هذه الممارسات سابقة ولا تخدم المناخ السياسي ولا يمكن أن يتأسس عليها أي عمل سياسي من جهة أخرى".
لكن الأستاذ الجامعي يطرح سببا ثالثا بالغ الأهمية "وهو الغياب اللافت لنقاش جدلي بين المشاركين في الانتخابات، حيث إن كل المشاركين كانوا بلون سياسي واحد يجمعهم، وبخطاب واحد وهو نفس الخطاب الذي استنسخته السلطة ووزعته على الجميع وتسرب إلى قلب خطاب الأحزاب السياسية، وهو خطاب الجزائر الجديدة والتغيير والمؤامرات الخارجية وغيرها، من دون أن يتلمس المواطن هذه الشعارات في واقعه واستشعر أن ما يحدث في هذه الانتخابات بلا معنى".
وأشار بوقاعدة في هذا السياق إلى "غياب الرأي الآخر من المشهد جعل هذه الانتخابات، في إدراك الناخب، محطة لا تعكس التنوع السياسي القائم في المجتمع الجزائري".