لماذا "جبهة الخلاص" التونسية في صدارة الملاحقات من سلطة قيس سعيّد؟

28 فبراير 2023
الرئيس التونسي يحاول إضعاف الشابي والغنوشي (حسن مراد/ Getty)
+ الخط -

تصدر القياديون في "جبهة الخلاص الوطني"، التكتل الأبرز لأحزاب المعارضة في تونس، قائمة المستهدفين في حملة الاعتقالات الواسعة التي تشنها السلطات التونسية منذ 11 فبراير/ شباط الجاري، وشملت سياسيين ونقابيين وإعلاميين ومحامين وقضاة وناشطين ورجال أعمال وأعضاء بمجلس النواب المنحل.

ويصف معارضو الرئيس التونسي، قيس سعيّد، حملة الاعتقالات بأنها "ممنهجة وتهدف لإضعاف المعارضة وضربها"، فيما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة" التي تتعلق برجل الأعمال والناشط السياسي خيام التركي ولقاءاته وتنسيقه مع بقية المتهمين في القضية.

وأوقفت الوحدات الأمنية، أمس الاثنين، القيادي بحزب "النهضة" سيد الفرجاني، كما جرى إيقاف وزير البيئة السابق والقيادي بحزب "تحيا تونس" رياض المؤخر اليوم الثلاثاء.

وتقرر رسمياً نهاية الأسبوع الماضي إيداع قيادات "جبهة الخلاص" جوهر بن مبارك وشيماء عيسى ورضا بلحاج المتهمين في القضية بالسجن، بالإضافة إلى قيادات حزب "النهضة" الذي يعد أبرز مكون في "الجبهة"، بإيقاف وزير العدل السابق نورالدين البحيري، ورئيس الحكومة الأسبق علي العريض، اللذين يشغلان منصب نائبي رئيس الحزب راشد الغنوشي، ومدير مكتب الغنوشي فوزي كمون، وسيد الفرجاني الذي يعد من المقربين من الغنوشي، بالإضافة إلى إيقاف كل من أمين عام "الحزب الجمهوري" عصام الشابي، وأمين عام حزب "التيار" سابقاً غازي الشواشي.

ويرى مراقبون أن الرئيس التونسي يسعى لإضعاف "جبهة الخلاص" المعارضة، من خلال إيقاف قيادات الصف الأول، وتحجيم قدرتها على الفعل وحشد الشارع.

ويأتي استهداف خيام التركي بسبب مساعيه لتجميع العائلات السياسية، وكذلك عصام الشابي الذي أعلن استعداده للتنسيق مع كل القوى لتجميع المعارضة، بالإضافة إلى غازي الشواشي الذي استقال من منصبه في الأمانة العامة لحزبه، ليكون أكثر حرية في التحرك والعمل على مبادرة سياسية كان تحدث عنها سابقاً لـ"العربي الجديد".

واعتبر القيادي في "جبهة الخلاص" وعضو حزب "النهضة"، العجمي الوريمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "جبهة الخلاص ربما هي الطرف الذي يدفع الكلفة الأكبر ضريبة للنضال والتصدي للانقلاب، جراء مواقفها الواضحة وغير المهادنة"، مشيراً إلى أن "قيادات الجبهة تعلم مسبقاً أن طريق النضال ليست مفروشة بالورود".

ولفت الوريمي إلى أن "القيادات والرموز السياسية المعارضة لقيس سعيّد تحال اليوم على القضاء بملفات فارغة وملفقة، وهو ما يعكس إرادة قيس سعيّد في التخلص من خصومه السياسيين وإجهاض مبادرات المعارضة في التقارب والتوحد، وإنتاج بديل ديمقراطي وطني لا يقصي أي طرف".

غلق قوس الانقلاب

وشدد الوريمي على أنه "رغم أن الاعتقالات تبدو عشوائية في الظاهر، فهي من جهة أخرى انتقائية، فيها من ناحية قصد الانتقام والتشفي مثلما هو الحال بالنسبة لنائبي رئيس حركة النهضة (البحيري والعريض)، ومن ناحية أخرى فإنه لا تخفى نية السلطة إحداث فراغ حول زعيمي النهضة وجبهة الخلاص الوطني، أي راشد الغنوشي وأحمد نجيب الشابي".

وبيّن المتحدث أن "سلطة الانقلاب تعتمد خطة اتصالية تقوم على استبلاد الرأي العام وترويج سردية قائمة على نظرية المؤامرة على شخص قيس سعيّد وعلى مساره السياسي، وعلى قوت الشعب التونسي، للتغطية على الفشل السياسي والتخبط في إدارة الدولة".

وأضاف الوريمي أن الخطة "تتعمد التلبيس باعتقال مناضلين سياسيين مع شخصيات مثيرة للجدل أو أسماء ذات سمعة غير ناصعة"، مشيراً إلى أن "هذا المزج المكيافيلي بين الكمبلوتيزم (التآمر) والخيانة الوطنية هو لعبة الثورة المضادة، ولكن لن يجدي المنقلب أي نفع على المدى المتوسط والبعيد، لأنه لن يثني المعارضة عن مواصلة النضال ولن يحل مشاكل المواطن".

وأكد الوريمي أن "مسار 25 يوليو (تموز) فشل، وسقط مشروع البناء القاعدي، وانهارت شعبية قيس سعيّد وفقد الشرعية والمشروعية وصار مصدراً لكل المخاطر. وفي مقابل تعاظم عزلته وورطته ومسانديه تبرز جبهة الخلاص طرفاً أساسياً ومسؤولاً قادراً على قيادة شارع ديمقراطي مصمم على غلق قوس الانقلاب".

وبين أن "معركة قيس سعيّد الآن هي بالأساس الحفاظ على البقاء في السلطة والتشبث بالكرسي بأي ثمن، وهذا ما يفسر الانعطافة القمعية لمسار 25 يوليو الانقلابي بعد الانعطافة الاستبدادية المتمثلة في الأمر 117 (أصدره الرئيس التونسي ومكنه من التفرد بجميع السلطات) وما تلاه من إجراءات، وبدا وكأن قطار الانقلاب لا يتوقف، وهو بذلك خلف انطباعاً بأنه قوي في مواجهة معارضيه، ولكنه يسير بالبلاد نحو الهاوية، وبالدولة نحو التفكك والإفلاس والانهيار".

وأشار إلى أن "قيس سعيّد سدد ضربات قاصمة للسلطة القضائية وللإعلام وللحريات وحقوق الإنسان، وحوّل البلاد إلى سجن كبير، لكنه اليوم أضعف من أي وقت مضى، فهو يفقد قاعدته الاجتماعية ويفقد ثقة الداخل والخارج، ويورط داعميه، ويكشف عن عجز إدارة الدولة وإيجاد الحلول".

في المقابل، أوضح الوريمي أن المعارضة رغم القمع الذي تتعرّض له "لا تزال متماسكة وتكبر حاضنتها السياسية والاجتماعية ويزداد داعموها، وهذا ما كشفت عنه الاعتقالات الأخيرة، بما يجعل قيس سعيّد في طريق مسدود"، مشدداً بالقول: "إذا كان هدف سعيّد تشتيت صف المعارضة وإضعافها، فإن هجمة منظومته على الحريات قد كشفت وجهاً قمعياً واستبداداً كان يخفيه ويتظاهر بخلافه، وهو الخاسر الأكبر من سياسة التنكيل والترهيب والتحريض والتخوين".

حرب على الجميع

من جهته، قال القيادي في حزب "ائتلاف الكرامة"، زياد الهاشمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "حرب قيس سعيّد على الجميع كانت واضحة من ليلة الانقلاب، وقد قلنا هذا أمام باب البرلمان في حينها، لأن كل الانقلابات لها "كتلوغ" واحد، وهو ضرب الأقرب ثم الأبعد ثم الداعمين، وللتاريخ هذا ما فعله (عبد الفتاح) السيسي في مصر، ومن هنا جاء استشرافنا لخطوات قيس سعيّد القادمة".

وبيّن الهاشمي أن "ضربة البداية كانت بائتلاف الكرامة، لما كشفه عن مخططاته داخل البرلمان، وللتاريخ فإن ائتلاف الكرامة هو الحزب الوحيد المعارض علناً لقيس سعيّد داخل البرلمان، والطرف الوحيد الذي صوّت بلا على ميزانية رئاسة الجمهورية، في حين صوت الجميع بنعم اتقاء شره كما قالوا لنا".

وشدد الهاشمي على أن "حرب سعيّد ضد النهضة جاءت لإرضاء جمهوره الجديد الذي يتنافس عليه مع عبير موسى (زعيمة حزب الدستوري الحر)، الناخب الرافض للإسلام السياسي وممثليه، فهو الشريحة المتبقية لقيس سعيّد وليس له غيرها، وللمفارقة هي من صوّتت ضده في الرئاسيات".

وفسر استهداف "جبهة الخلاص" بأنه جاء "بعدما اتضح لقيس سعيّد، وللرأي العام، أن الفصيل المعارض الوحيد القادر على التعبئة والتنظيم هو جبهة الخلاص الوطني، لهذا أصبح العدو رقم واحد لنظام سعيّد"، مشيراً إلى أنه "فيما يخص الشواشي وخيام التركي فإنهما يعاقبان من أجل محاولة توحيد الصف المعارض لنظامه، وهذا ما أشار إليه في أكثر من مناسبة".

وأكد الهاشمي أن "قيس سعيّد وحّد اليوم المعارضة من حيث لا يعلم، والأيام القادمة ستكشف الكثير في هذا السياق".