لماذا تعمل إدارة بايدن على استعجال تطبيع سعودي - إسرائيلي؟

30 يوليو 2023
تقود الولايات المتحدة وساطة التطبيع بين السعودية وإسرائيل (Getty)
+ الخط -

منذ وصول جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جو بايدن، إلى جدّة الخميس الماضي، والحديث يتزايد في واشنطن عن تطبيع سعودي- اسرائيلي قريب. ثم أخذ هذا الحديث دفعة من الجدّية عندما كشف الرئيس بايدن، الجمعة، خلال جولة انتخابية، أن "ثمة تقارب على الطريق" بينهما، ما أكّد أن زيارة سوليفان إلى المملكة كانت لهذا الغرض إضافة إلى "قضايا أخرى" جرى بحثها.

الاعتقاد السائد في واشنطن، ومنذ "اتفاقيات أبراهام"، أن التطبيع مع المملكة ما زالت شروطه غير متوفرة "ولم يحن أوانه بعد". فما الذي حصل للقيام بهذه الزيارة وفي هذا الوقت بالذات؟ وهل الكلام عن قرب نضوج الطبخة يمهد فعلاً لخطوة وشيكة في هذا الخصوص؟ ثم لماذا يتحرك البيت الأبيض الآن وبهذه العجلة لتقديم خدمة لنتنياهو الغارق في أزمة داخلية تسببت بتأزم ونفور مع بايدن نفسه؟ ولماذا تتوسّط الإدارة الأميركية مع الرياض في مسألة من هذا العيار وعلاقاتها معها فاترة في أحسن الأحوال؟

اللافت أن زيارة سوليفان ولقاءه مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أحيطا بالغموض في البداية، ولم يعلن عنهما إلا بعد وصوله إلى جدة. وفي إشارته إلى المواضيع التي تناولتها المباحثات، اكتفى البيان الرسمي بالعموميات المتعلقة "بالعمل على دفع السياسة الخارجية نحو أهدافها في جعل المنطقة اكثر استقراراً وسلاماً وازدهاراً"، لكن المهمة كانت أكثر تحديداً حسب ما سرّبه البيت الأبيض للصحافي في "نيويورك تايمز" توماس فريدمان، كانت للتداول في "احتمالات" التطبيع.

المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جو بيار لم تنف وقالت: "ليس لدي ما أقوله" حول ما ذكرته الصحيفة. وبعد عودة سوليفان، تعمّد الرئيس بايدن "بق البحصة" في إشارته إلى "التقارب".

التقديرات المستندة إلى تلميحات الرئيس التي أبرزها فريدمان تشي بأن إدارة بايدن مستعجلة في هذه المهمة لإنقاذ إسرائيل من توجهات نتنياهو وردعه عبر رشوته بهدية التطبيع.

بايدن لم يقو على حمل نتنياهو على التغيير، كما لا يقوى على ترجمة تحذيره "بعدم المضي في العلاقات المميزة مع إسرائيل لو تمسك رئيس حكومتها بمشروعه". فهذا الأخير لم يأبه بالتحذير ومرر الشق الأول من مشروعه.

تحدّيه للرئيس بايدن دفع بهذا إلى ورقة التطبيع علها تفي بالغرض، ولوضعها في حيز التنفيذ.

تخلّت إدارة بايدن عن عدم تجاوبها -بضغط من الكونغرس أساساً- مع مطالب سعودية تسليحية ودفاعية مهمة سبق أن أكدتها المملكة. أهمها تزويدها بمشروع نووي للأغراض المدنية. وكان الخلاف أن واشنطن رفضت شرط الرياض بأن يجرى التخصيب في المملكة. فهل جرى التوصل إلى صيغة مقبولة حول هذه العقدة؟ ومن المطالب التي ذُكر أن السعودية تصرّ عليها، تزويدها بمنظومة صواريخ "ثاد" المضادة للصواريخ الباليستية وعقد "اتفاقية دفاع متبادل" مع واشنطن.

إشارة الرئيس بايدن جرى تفسيرها بأن هناك حلحلة حصلت ولو مشروطة مثل ربط هذه الاتفاقية بالتطبيع مع اسرائيل، أو أقله أعطيت وعود جدّية للنظر في هذه المطالب.

ويصب في هذا المجرى تقدير آخر، مفاده أن تفاؤل الإدارة الأميركية قد يكون مبنياً في جزء منه على الأقل، على "شيء من الإحباط" السعودي من بطء الترجمة لاتفاق بكين مع إيران. وربما كان ذلك مدخلاً للبحث في التعجيل بالتطبيع، الذي يبدو من ملاحظة الرئيس بايدن أنه ما زال مرهوناً بتأمين صيغة تلبي المطلب السعودي الذي ربط أي تطبيع "بخطوات" عملية تقوم بها إسرائيل باتجاه حل الدولتين.

ويُذكر في هذا الصدد أن البعض وضع مثل هذه الخطوات في حدود التعهد بوقف الاستيطان وبعدم القيام بأية عمليات ضم للأراضي، مع أنه حتى مثل هذه الالتزامات الصورية غير واردة في ظل الحكومة الحالية التي لا يتقبل رئيسها مجرد انتقاد خجول من جانب ولي نعمته. بل يبدو أنه استنفر مفاتيحه في واشنطن للرد على البيت الأبيض ومطالبته "بالسكوت"، على حد تعبير روبرت ساتلوف، رئيس مركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وترك إسرائيل "تتدبر أمورها بنفسها". ما يستوقف أن بايدن يسعى لتوسيع التطبيع مع إسرائيل، وأنصارها في واشنطن يطالبونه بعدم التدخل في شؤونها. مشهد محيّر.. وربما مفخخ.

المساهمون