نشاط ليبي باتجاه الانتخابات الوطنية... لماذا تراجع الحديث عن "سلطة جديدة"؟

29 ديسمبر 2020
تأثير إقليمي متسارع في الملف الليبي (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

سيطر على المشهد الليبي الحديث عن فترة الانتخابات الوطنية، وسط تراجع عن الحديث عن سلطة تنفيذية جديدة، تقود فترة تمهيدية تفضي للانتخابات، من المقرر أن يفرزها ملتقى الحوار السياسي، الذي لا يزال الاختلاف يسيطر على أعضائه بشأن آليات اختيار هذه السلطة. 

وأعلنت البعثة الأممية، ليلة أمس، عن انعقاد الاجتماع الثاني للجنة القانونية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي، عبر تقنية الفيديو، لبحث القواعد التشريعية والقانونية اللازمة لإجراء الانتخابات نهاية العام المقبل. وبحسب بيان البعثة، فقد شارك في الاجتماع بليبيا رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح، الذي قدم عدة تقارير عن قدرات المفوضية لتنفيذ الاستحقاق الانتخابي العام المقبل. 

وبدأت اللجنة القانونية التي تضم 18 عضوا من أعضاء الملتقى، الأسبوع الماضي، أول اجتماعاتها بهدف الوصول إلى ترتيبات قانونية ودستورية مناسبة للانتخابات التي قرر ملتقى الحوار السياسي انعقادها، في ديسمبر/كانون الأول من العام المقبل، تمر من خلال فترة تمهيدية عمرها 18 شهرا. 

ورغم تعثر جولات الحوار بين أعضاء الملتقى، إلا أن مصادر مقربة منه أكدت أن البعثة الأممية أبلغت الأعضاء عزمها استئناف جولات الحوار بشكل مباشر في السابع من الشهر المقبل، لـ"حسم" الرؤية الخاصة بالمرحلة التمهيدية والأجسام السياسية التي ستقودها. 

ورجحت المصادر التي تحدث لـ"العربي الجديد" أن تستمر الجولة المقبلة لأكثر من يوم، لكنها نقلت عن عدد من أعضاء الحوار استشعارهم تصميما من البعثة على أن تكون الجولة المقبلة هي النهائية، وسط عدة خيارات مطروحة، من بينها خيار الإبقاء على الهياكل السياسية الحالية مع إعادة ترميمها، وهو خيار يراه عضو مجلس النواب محمد عبد الحفيظ "خياراً فرضه الأمر الواقع". 

وانطلقت أعمال ملتقى الحوار السياسي في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، واستمرت تسعة أيام تمكن أعضاؤه من التوافق على تحديد ديسمبر من العام المقبل موعدا لبدء انتخابات وطنية تمر عبر مرحلة تمهيدية عمرها 18 شهرا، وتقودها سلطة تنفيذية جديدة.

 لكن الخلافات سادت أجواء الجولة الأولى بشأن آليات اختيار شاغلي السلطة، لتتحول الجولات اللاحقة عبر تقنية الفيديو، والتي لم تتوصل هي الأخرى إلى أي توافق بشأن نقاط الخلاف حول تلك الآليات، رغم التصويت على مقترحين منها يقضيان بتقليص أعضاء المجلس الرئاسي وإنشاء حكومة موحدة منفصلة عنه. 

الخلافات سادت أجواء الجولة الأولى بشأن آليات اختيار شاغلي السلطة

وأفرز الاتفاق السياسي، الموقع في الصخيرات المغربية نهاية 2015، ثلاثة هياكل سياسية تقود البلاد، المجلس الرئاسي بصفته رئاسة للوزراء ومجلس النواب كهيئة تشريعية والمجلس الأعلى للدولة كهيئة استشارية، لكن سيادة أجواء التجاذبات السياسية حولتها إلى أطراف متنافسة وأحيانا متصارعة. 

ومؤخرا وخلال عدة بيانات وتصريحات، تراجع الحديث بشكل كبير عن الرغبة في تكوين سلطة جديدة تحل محل الأجسام السياسية الثلاثة، فلم يكرر رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، خلال كلمته التي وجهها لليبيين بمناسبة ذكرى استقلال البلاد الخميس الماضي، مطالباته السابقة بشأن ضرورة تسليم الحكم لسلطة جديدة، ومن بينها بيانه، في سبتمبر/أيلول الماضي، الذي أعلن فيه رغبته في الاستقالة من منصبه، داعيا الأطراف الليبية إلى التوافق على سلطة جديدة، قبل أن يتراجع عنه نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي. 

ورغم نفي المتحدث الرسمي باسم السراج غالب الزقلعي، في تصريحات صحافية، ما سربته وسائل إعلام ايطالية الأسبوع الماضي، بشأن حمل رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي رسالة من السراج لحفتر، خلال لقائه بالأخير في بنغازي، الخميس قبل الماضي، بشأن اقتراح السراج اختيار حفتر شخصية موالية له رئيسا للحكومة الجديدة، إلا أن وسائل إعلام ليبية أكدت عبر مصادرها صحة التسريب، واستشهدت بتأكيد السراج، خلال كلمته بمناسبة استقلال البلاد، قدرة مجلسه الرئاسي على "تنظيم الانتخابات في 24 ديسمبر من العام المقبل"، من دون الالتفات إلى رغبة الأمم المتحدة وسعيها لأن تكون مهمة الإشراف على الانتخابات المقبلة مهمة أساسية للسلطة التنفيذية الجديدة.

ومقابل دعوة السراج، خلال ذات الكلمة، لاجتماع المجلس الرئاسي "مجتمعا"، و"الالتئام بالعمل معا من أجل استقرار وأمن ليبيا"، شدد على ضرورة تشكيل حكومة موحدة معتبرا أن استمرار تدفق إيرادات النفط مرهون بتشكيلها.

وحتى ليل أمس، لم يتضمن بيانا للمجلس الأعلى للدولة أي حديث عن السلطة التنفيذية الجديدة، بل أشار إلى أن رئيس المجلس خالد المشري ناقش مع السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند ضرورة أن يؤدي مسار الحوار، الذي تقوده الأمم المتحدة، في النهاية إلى حالة استقرار دائم وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية. 

عودة الحرب؟

ويرى عضو مجلس النواب محمد عبد الحفيظ أن التصعيد العسكري مؤخرا كانت تقف وراءه شخصيات سياسية متنفذة في مفاصل الحكم، سواء في طرابلس أو شرق البلاد، بهدف فرض أمر واقع يوجب على المجتمع الدولي التعامل معه، والبديل هو عودة الحرب. 

وتعد عرقلة عدم قدرة النواب الليبيين على توحيد المجلس واختيار رئاسة جديدة، بعد لقاءات في طنجة المغربية وغدامس الليبية، أول العراقيل التي قد تقف أمام قدرة ملتقى الحوار السياسي للتوصل إلى تكوين قيادة سياسية جديدة وموحدة، بحسب عبد الحفيظ، الذي يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "المجلس موحدا وبرئاسة محايدة تناط به المصادقة على أي مخرجات للملتقى، وهو ما لن يكون في ظل أوضاع المجلس الحالية وتزايد حدة الانقسامات داخله"، لافتا إلى أن خيار البعثة نقل صلاحيات المصادقة إلى ملتقى الحوار السياسي لا يبدو هو الآخر ممكن في ظل الخلافات التي وصلت إلى الملتقى نفسه، وسط التجاذبات الحادة التي أفرزها التصعيد العسكري. 

وغير ذلك، يرى الصحافي الليبي سالم الورفلي أن مسارات الحل الليبي سواء السياسية أو العسكرية واجهتها كتلة من التعقيدات، سواء على مستوى التصعيد أو في كواليس الملتقى، من خلال سعي شخصيات ليبية للبقاء في المشهد عبر أنصارها داخل الملتقى وأيضا توتر الأوضاع في شرق المتوسط بين عدة أطراف إقليمية كلها متصلة بالملف الليبي وأزماته. 

ويوافق الورفلي على إشارة كلمة السراج إلى سيناريو بقاء المجلس الرئاسي في المشهد المقبل، لافتا إلى أن رهن السراج استمرار تدفق إيرادات النفط بالحكومة الجديدة يعني وجود صفقات تحت الطاولة مع معسكر شرق ليبيا، الذي يتحكم بمصير استمرار تدفق النفط وبالتالي استمرار تدفق إيراداته المالية، ما يعني برأي الورفلي صحة تسريبات الصحافة الإيطالية. 

وسبق أن أعلن نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق عن اتفاق بشأن استئناف تدفق النفط مع شخصيات مقربة من حفتر، في سبتمبر الماضي، أشار معيتيق خلالها إلى أن السراج بارك الخطوة. 

الأطراف الإقليمية التي تتقاسم الإمساك بزمام الملف الليبي لن تسمح بمغادرة حلفاءها القابعين في السلطة

وإضافة لذلك، يعتقد الورفلي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الأطراف الإقليمية التي تتقاسم الإمساك بزمام الملف الليبي لن تسمح بمغادرة حلفائها القابعين في السلطة، فهي لن تضمن ولاء أي وجوه سياسية جديدة، وبالتالي فالإبقاء على الوضع السياسي الحالي مناصفة بين المجلس الرئاسي الحالي لطرف وحكومة جديدة لطرف آخر ممكن جدا لقيادة المرحلة التمهيدية. 

وفي أولى جولات ملتقى الحوار السياسي، سادت الأوساط الليبية خلافات واسعة بين الشخصيات المرشحة لتولي مناصب في السلطة الجديدة، لكن حظوظها فيما يبدو تراجعت، من بينها الخلاف الكبير حول شخصية عقيلة صالح، الذي يحاول الحفاظ على منصبه رئيسا لمجلس النواب بعد حديث متزايد عن إمكانية شغله عضوية المجلس الرئاسي الجديد، وشخصية فتحي باشاغا وزير الداخلية بحكومة الوفاق كرئيس للحكومة المنتظرة، قبل أن يرجع للنشاط بشكل كثيف في منصبه من خلال فرض خطط أمنية، بعد سعي كثيف في عواصم إقليمية ودولية ذات ثقل كالقاهرة وباريس. 

تقارير عربية
التحديثات الحية

تأثير إقليمي متسارع

لكن الورفلي يلفت إلى أن التأثير الإقليمي المتسارع في الملف الليبي قد يشكل ضاغطا جديدا على مستجدات الحوار السياسي، موضحا أن وصول الاوضاع إلى أن تكون طرابلس نقطة تماس في التنافس بين القاهرة وأنقرة "أمر في غاية الخطورة قد يفضي إلى انهيار الأوضاع كلها في البلاد". 

وأضاف أن "خيار الحرب والحل العسكري أصبح بعيدا جدا، فسعي القاهرة لفتح سفارتها وسط طرابلس يعني أمرا مباشرا لحفتر بالتوقف عن التفكير في استهداف طرابلس"، مشيرا إلى أن القاهرة تسير في سياسية جديدة ملخصها المواجهة المباشرة مع تركيا وداخل طرابلس، لكن بأسلوب جديد يعتمد على بناء تحالفات مع قادتها. 

ورغم التهديدات المباشرة التي وجهتها تركيا لمليشيات حفتر، إلا أن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو أكد، خلال تصريحات صحافية أمس الاثنين، ضرورة الحل السياسي، كاشفا عن "تقدم مهم في الحوار بين الأطراف الليبية"، بل وشدد على أن بلاده ترى أن حل الأزمة الليبية سياسي وليس عسكريا. 

وتابع الورفلي بالقول إن "أجواء التفاؤل التي سادت طرابلس بعد زيارة الوفد المصري، رغم الصمت الرسمي لدى الأخير، تشير إلى قوة تأثير الجانب المصري في الملف الليبي"، مرجحا أن تنهج القاهرة نهج التقارب التدريجي مع أنقرة في الملف الليبي، كما يلفت الورفلي إلى تقارب كبير حدث بين موسكو وطرابلس، تبدو أكبر مؤشراته في إطلاق سراح معتقلين روسيين من جانب طرابلس وسط ترحيب روسي. 

سيناريو الإبقاء على السياسيين الحاليين "بات شبه مؤكد في الكواليس الليبية"

ويرى الصحافي الليبي أن سيناريو الإبقاء على السياسيين الحاليين "بات شبه مؤكد في الكواليس الليبية، ومظاهره واضحة في مواقف القادة الذين أدركوا منذ اللحظة الأولى أن حلفاءهم الإقليميين لن يتخلوا عنهم، حيث البديل السياسي لن يوفر للحلفاء الإقليميين أي ضمان لاستمرار مكاسبهم". 

وإثر تعثر تطبيق اتفاق الصخيرات، الموقع نهاية 2015، قرر مجلسا النواب والدولة إجراء تعديل على المجلس الرئاسي بتقليص عدد أعضائه إلى ثلاثة أعضاء بدلا من تسعة، وإعادة تشكيل الحكومة الحالية واستبدالها بحكومة مصغرة خدمية، لكن المساعي اصطدمت بخلافاتهم، وتحول المشهد إلى مساعي البعثة الأممية التي انتهت إلى تشكيل مسارات الحل الثلاثة السياسية والعسكرية والاقتصادية.

المساهمون