استمع إلى الملخص
- السياسات الأمريكية تركز على ملء الفراغات الاقتصادية وتعزيز التوزيع العادل للثروة كحل للأزمة الليبية، مما قد يخفف المعاناة المالية للمواطنين، بينما تدفع روسيا بملف المصالحة الوطنية كأساس للحل، مما قد يقطع الطريق أمام عودة الحروب.
- رغم هيمنة السياسات الأمريكية والروسية على مقدرات ليبيا، تعكس التدوينات على منصات التواصل الاجتماعي انخفاض آمال المواطنين وترحيبهم بأي تغيير يطعمهم من جوع ويأمنهم من خوف القادة المتسلطين.
في خلفيات حراك الصراع الدولي في ليبيا ثمّة قراءة أخرى للمواطن، بعيدة عن قراءات وحسابات الساسة والقادة الذين التهوا بالنظر إلى كراسيهم، واقتصر تفكيرهم على تثبيتها بأي وسيلة، ولو كان الأمر على حساب المواطن. تتابع تلك القراءة البعيدة عن عين السياسي والقائد تفاصيل ومجريات توسّع النفوذ الخارجي، تحديداً الروسي والأميركي، الذي بدأ يتصاعد بشكل واضح. وإن كان الروس في طريقهم إلى المجاهرة بهدفهم الاستراتيجي في بناء قواعد عسكرية في البلاد، والتمدّد من خلالها في الداخل الأفريقي باستغلال كل الفراغات الدولية، وإن كان الأميركيون يسعون إلى إفشال الأهداف الروسية، إلا أن صدامهما قد يخدم مصالح طرف آخر في ليبيا لم يحسب الجميع له وجوداً، أي المواطن الليبي.
تعتزم واشنطن زيادة ثقلها السياسي في ليبيا، فتستعدّ لإعادة فتح سفارتها في طرابلس بسفير بدلاً من قائم بأعمال، والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي، ريتشارد نورلاند، عاد إلى نشاطه وحركته التي لا تتوقف شرقي البلاد وغربها. وهذا كله بالتوازي مع الرؤى والتصورات التي أشارت الدبلوماسية الأميركية ستيفاني خوري ضمناً إلى إمكانية تبنّيها في خططها المقبلة، ومنها اتفاق سياسي جديد، من خلال وظيفتها قائمةً بأعمال رئيس البعثة الأممية في ليبيا.
في الجانب الآخر، تدفع موسكو بملف المصالحة الوطنية أساساً للحل قبل الحديث عن أي تسوية سياسية، وهو الأمر الذي تلقفته بعض القبائل، لا سيما في الجنوب الليبي، بالقبول. وبعيداً عن المصالح البعيدة للدولتين، يبدو أن الاتجاه الأميركي الذي يركز على ملء الفراغات والاختراقات في الشأن الاقتصادي، ويرى في مبدأ التوزيع العادل للثروة الطرق الأمثل لتفكيك الأزمة الليبية والسيطرة عليها، قد يكون له وجه آخر يخفف المعاناة المالية والاقتصادية للمواطن وتزيح عنه خناق سيطرة القادة الليبيين على مصادر المال والاستحواذ عليها. في المقابل، قد يكون لملف المصالحة وحشد الروس الجهود القبلية والاجتماعية له، وجه آخر أيضاً يقطع الطريق أمام عودة شبح الحروب التي لم يتضرّر منها سوى المواطن وبشكل مباشر.
صحيحٌ أن تلك السياسة، الأميركية والروسية، قد تهيمن على مقدّرات البلاد وتنهش جانباً كبيراً من سيادتها، لكن مئات التدوينات على منصات التواصل الاجتماعي منذ أشهر، لا تعكس شيئاً سوى انخفاض آمال المواطن السابقة، التي كانت تسير تحت شعارات الكرامة والحرية ودولة القانون والمؤسسات وبشكل كبير. في السياق، يزداد حجم متابعة مدونين ونشطاء للشأن العام كلما طرأ خبر يشير إلى ممارسة طرف دولي ضغوطه على القادة والسياسة المتمترسين على كراسيهم وإخضاعهم لأمر جديد، في صورة لم تعد تخفي حنق المواطن وترحيبه بسقوط أي قائد أو سياسي من المشهد، فكل أمل المواطن الليبي بات اليوم أن يُطعم من جوع ويأمن من خوف القادة المتسلطين.