لقاح كورونا في مصر: التداول التجاري مصير أغلب الكميات

26 يناير 2021
لا وجود لجدول زمني معروف لتوزيع اللقاحات (فضل داود/Getty)
+ الخط -

انطلق أول من أمس، الأحد، رسمياً البرنامج الحكومي الذي بدأته وزارة الصحة المصرية بالتعاون مع صندوق "تحيا مصر" وهيئة الشراء الموحد، والقوات المسلحة ممثلة في المستشفيات العسكرية، وكذلك مستشفيات الشرطة، لتلقيح المواطنين ضدّ فيروس كورونا، مصحوباً بالعديد من علامات الاستفهام والعقبات التي تحول دون استفادة جميع المصريين منه من دون تمييز. فقد أعلنت وزيرة الصحة هالة زايد، أول من أمس، بعبارات متلعثمة تخفي أسراراً أكثر مما تظهر من معلومات، أنّ القادرين على شراء اللقاحات سيتكفلون هم بدفع ثمنها، وأنّ الدولة ستوزعها مجاناً فقط على الأطقم الطبية وغير القادرين، وفقاً لما تكشفه قاعدة بيانات المواطنين الذين يتقاضون من الدولة معاش "تكافل وكرامة" الخاص بمحدودي الدخل.

ويتقاضى هذا المعاش حالياً ثلاثة ملايين وستمائة ألف مصري فقط، وهو ما يقل كثيراً عن العدد الإجمالي المستهدف بالتلقيح، وفقاً لما سبق وأعلنه رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي نفسه بأنّ الدولة تستهدف بشكل عام الحصول على مائة مليون جرعة لقاح ستكفي خمسين مليون مصري.

الغالبية العظمى من اللقاحات ستوزع مقابل مبلغ مالي يختلف حسب نوعها

وكشفت مصادر حكومية في مجلس الوزراء ووزارة الصحة المصرية، لـ"العربي الجديد"، أنّ المنظومة الإلكترونية التي ستوضع لتسجيل المواطنين الراغبين في الحصول على اللقاح، لن تعمل على أساس ترشيح الأعداد لاستثناء القادرين على الدفع، بل على العكس ستقوم على ترشيحها لاستثناء غير القادرين، ما يعني أن الغالبية العظمى من اللقاحات ستوزع مقابل مبلغ مالي يختلف حسب نوعها، وربما يختلف أيضاً حسب مقدم الخدمة ذاتها، لناحية ما إذا كان المواطن سيحصل عليها في المراكز العامة الخاصة باللقاح أو المستشفيات أو بمعرفته الشخصية.

وقالت المصادر قبل ساعات من بدء التلقيح للأطقم الطبية بمستشفيات عزل مصابي كورونا، من مستشفى أبو خليفة بالإسماعيلية، إنّ الكمية الأكبر من اللقاحات التي ستستوردها هيئة الشراء الموحد -التي تسيطر عليها الرئاسة والجيش وفقاً لتنظيمها الجديد الذي وضعه السيسي في فترة الجائحة- ستخصص للتداول التجاري، بحيث ستوزعها الهيئة على أماكن مختلفة للبيع والتلقيح.

وأضافت المصادر أنّ مرحلة التداول التجاري ستبدأ الشهر المقبل، وربما تسبق إتمام مرحلة وصول اللقاحات المجانية إلى جميع الفئات المستهدفة الأولى بالرعاية وعلى رأسها الأطقم الطبية، فالكميات المتوافرة حالياً لا تكفي لجميع الأطباء والممرضين والعاملين الفنيين والإداريين بالمستشفيات، سواء العزل أو العامة بمختلف المحافظات. ومن المفترض أن يتواصل على مدار الأسبوعين المقبلين، وصول شحنات إضافية من لقاحي "سينوفارم" الصيني و"أسترازينيكا-أوكسفورد" الذي طورته مجموعة أسترازينيكا مع جامعة أكسفورد، لتلبية احتياجات الأطقم الطبية، لكن هذه العملية قد تمتد إلى ما بعد وصول الكميات المخصصة للتداول التجاري.

وأشارت المصادر إلى أنّ تنوع مصادر اللقاحات، وعدم وجود جداول زمنية محددة لوصول الشحنات، حتى التي تم التعاقد عليها بالفعل، والتي تمثل عشرين بالمائة من إجمالي الكميات المستهدفة، أمر يمثل عقبة أخرى في طريق سرعة عملية التلقيح على المستوى الوطني. إذ تنتشر بين الأطباء والممرضين مخاوف عديدة من عدم كفاءة اللقاح الصيني المتاح حالياً، والذي بدأ التلقيح به بالفعل، ويفضل كثيرون منهم انتظار لقاح "أسترازينيكا"، أو على أمل السماح بالتداول التجاري للقاح "فايزر" الذي تبدو حتى الآن فرص إقدام الدولة على شرائه مركزياً "بعيدة".

مرحلة التداول التجاري ستبدأ الشهر المقبل

وبالتالي، ربما تؤدي هذه المعطيات إلى تأخر التلقيح لنسبة كبيرة من الأطقم الطبية، خصوصاً أن نسبة الموافقة على أخذ اللقاح الصيني حتى الآن في خمسة مستشفيات عزل عرض الأمر على أطقمها، لا تتجاوز خمسين بالمائة، بحسب المصادر المطلعة، التي أوضحت أيضاً أنّ التوزيع في كل مستشفى، سيتم على مراحل تخوفاً من الآثار الجانبية للقاح. كما سيتم التوزيع بصفة عامة على مراحل متتابعة، تحسباً لاحتياج المستشفيات مساعدة لسدّ العجز في أطقمها حال حدوث أي مشاكل.

لكن الأمر يختلف في مستشفيات الجيش والشرطة التي تسلّمت بالفعل حصتها من اللقاحات خلال الساعات القليلة الماضية، حيث سيؤخذ اللقاح إجبارياً من قبل فئات معينة من الأطباء والممرضين والعاملين الأقرب في التعامل مع حالات كورونا، بينما سيكون اختيارياً لفئات أخرى.

وكشفت المصادر أنّ مجلس الوزراء تلقى مقترحات من بعض رجال الأعمال، ومنهم أشخاص تبرعوا للدولة لمساعدتها في شراء اللقاحات، بفتح باب الاستيراد المباشر للقاحات بعد إجازتها من هيئة الدواء المصرية، بحيث يستطيعون تحقيق ربح يغطي جزءاً من المبالغ التي تبرعوا بها. وهي الفكرة التي يتحمّس لها عدد من قيادات وزارة الصحة ومستشاري السيسي، لكن الجيش، باعتباره المتحكم في هيئة الشراء الموحد، يرى -حتى الآن- أنّ السماح بدخول لقاحات من دون المرور بهذه القناة الرسمية، ربما يؤدي إلى خسائر اقتصادية للهيئة. ولذلك يوصي بتأخير الإقدام على هذه الخطوة لحين وصول أول شحنات التداول التجاري لتحديد الأسعار، أو صرف النظر عنها نهائياً على أن تتيح الهيئة لرجال الأعمال والمجموعات الاستثمارية العاملة في مجال الصحة شراء اللقاحات منها بأسعار منخفضة، تمكنهم من تحقيق هامش ربح.

ويجادل المستثمرون الطامحون للمشاركة في عملية الاستيراد بأن بإمكانهم الحصول على كميات كبيرة من لقاح "فايزر" مع استيراد سلاسل تبريد خاصة به، ربما ترفع سعره لأضعاف الأسعار التي ستحدد لباقي اللقاحات التي من الممكن توزيعها مجاناً في البرنامج الوطني، وهو ما سيزيد بالطبع عن الإمكانيات المادية المتاحة لهيئة الشراء الموحد.

تنتشر بين الأطباء والممرضين مخاوف عديدة من عدم كفاءة اللقاح الصيني

ويثير اللقاح الصيني قلق المختصين المصريين، إذ كانت وزيرة الصحة قد أعلنت عند استقبالها الشحنة الوحيدة التي وصلت من لقاح "سينوفارم" إلى الآن في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أنه أثبت فاعلية بنسبة 86 في المائة في الوقاية من فيروس كورونا، و99 في المائة في إنتاج الأجسام المضادة للفيروس، و100 في المائة في الوقاية من الوصول للحالات المتوسطة والشديدة. لكن الشركة نفسها أعلنت خلال الشهر الحالي أنها سجلت فاعلية لا تزيد على 79 في المائة في الوقاية العامة من الفيروس. علماً أنّ هيئة الدواء المصرية، وهي الجهة التي من المفترض أن تختص وحدها باختبار اللقاحات وإعلان تقارير بشأنها، لم تصدر أي بيان عن لقاحات وعلاجات كورونا منذ بدء الجائحة، والأمر الوحيد الذي صرحت به كان بشأن الشحنة الأولى من لقاح "سينوفارم" من دون إعلان نتيجة أي اختبار بشأنه، ولا حتى نتيجة التجارب التي أجريت في مصر عليه خلال الصيف الماضي. 

ولم تعلن مصر حتى الآن عن تفاصيل برنامجها لاستيراد اللقاحات، لكن رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية للشراء الموحد اللواء بهاء الدين زيدان أعلن، السبت الماضي فقط، بعد نحو أسبوعين من التصريحات المتفائلة، التعاقد مع شركة "R-pharma" وشركة "Serum Institute" المصنعين للقاح فيروس كورونا "أسترازينيكا-أوكسفورد"، للحصول على 20 مليون جرعة من اللقاح، من دون إعلان موعد وصولها.

لم تعلن مصر حتى الآن عن تفاصيل برنامجها لاستيراد اللقاحات

ووفقاً لمصادر "العربي الجديد" في وزارة الصحة، فإنّ المشكلة الرئيسية الآن التي تصعب حصول مصر على اللقاحات هي عدم توافر الأموال اللازمة لاستيراد الكميات التي من الممكن أن تساهم في سد العجز المبدئي في تلقيح الفئات الأولى بالرعاية.

وفي العشرين من الشهر الماضي، أطلقت وزارة الصحة موقعاً إلكترونياً لتسجيل المواطنين وتوزيعهم على الفئات الأولى بالرعاية لتحديد ترتيب الحصول على اللقاح، لكن الموقع لم يفتح لأكثر من خمس ساعات فقط، وتم إغلاقه بعدها بحجة عدم اكتمال جاهزيته التقنية. لكن الحقيقة، وفقاً لمصادر "العربي الجديد"، هي أنّ السبب يعود لعدم وجود جدول زمني معروف لتوزيع اللقاحات من الأساس، وأن إطلاق الموقع كان على سبيل التجريب التقني فقط، لكن رابطه تسرب لوسائل الإعلام بصورة غير رسمية عبر بعض العاملين بالوزارة، ليزيد ذلك من الغموض والتعتيم.

المساهمون