لبنان ينتظر الصيغة النهائية من اقتراح هوكشتاين بشأن "ترسيم الحدود البحرية" مع إسرائيل
يُرتقب أن تصل إلى بيروت، في الساعات القليلة المقبلة، نسخة جديدة من الاقتراح المتعلق بترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي بصيغته النهائية، عن طريق الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين.
ومن شأن هذه النسخة من الاقتراح أن تكون حاسمة في ملفٍّ يُجمع المسؤولون اللبنانيون على أن أكثرية العراقيل التي حاوطته أزيلت، وما تبقّى لن يكون هدّاماً.
وأكد الرئيس اللبناني ميشال عون، اليوم الإثنين، أنه "يأمل في إنجاز كل الترتيبات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية الجنوبية خلال الأيام القليلة المقبلة، وذلك بعدما قطعت المفاوضات غير المباشرة التي يتولاها الوسيط الأميركي شوطاً متقدماً، وتقلّصت الفجوات التي تم التفاوض في شأنها خلال الأسبوع الماضي".
واعتبر عون، بحسب ما نقلت عنه الرئاسة اللبنانية، في بيان، أنّ "الوصول إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية يعني انطلاق عملية التنقيب عن النفط والغاز في الحقول اللبنانية الواقعة ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة، الأمر الذي سوف يحقق بداية دفع جديد لعملية النهوض الاقتصادي".
الرئيس عون خلال استقباله بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرين ميناسيان: نأمل في انجاز كل الترتيبات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية الجنوبية خلال أيام بعدما قطعت المفاوضات غير المباشرة شوطاً متقدماً pic.twitter.com/Y4s4c8iMg7
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) October 10, 2022
ويتمسّك المفاوضون اللبنانيون بالأجواء الإيجابية التي يصرّون على "تتويجها" في الناقورة جنوباً، حيث انطلقت المفاوضات التقنية غير المباشرة عام 2020، واستمرّت لخمس جولات، قبل أن تتوقف في مايو/أيار عام 2021، وذلك "انطلاقاً من الحرص الأميركي على إتمام الاتفاق اللبناني الإسرائيلي"، الأمر الذي يُكرّره نائب رئيس البرلمان إلياس بو صعب، المكلَّف رئاسياً بالملف.
وقد زاد من التفاؤل عدم تسجيل أي ردّة فعل على تحركات شركة إنيرجين على مستوى حقل كاريش، الذي اعتبر "حزب الله" عبر وسائل إعلامه، أنه "حرص إسرائيلي على إظهار أنهم ما زالوا يعملون تحت سقف حماية ثروة لبنان النفطية، التي حددتها المقاومة".
وأعلنت الرئاسة اللبنانية، مساء أمس الأحد، في بيان، أنّ "الرئيس ميشال عون تلقّى أمس اتصالاً هاتفياً من الوسيط الأميركي، أطلعه خلاله على نتائج الجولات الأخيرة للاتصالات مع الجانب اللبناني من جهة، والجانب الإسرائيلي من جهة أخرى، والتي تم خلالها دراسة الملاحظات المقدمة من الطرفين، وقد أوضح هوكشتاين أن جولات النقاش خُتِمَت وتم تحديد الملاحظات التي سيرسلها الأخير خلال الساعات القليلة المقبلة، في نسخة تتضمن الصيغة النهائية للاقتراح".
وأضاف بيان الرئاسة اللبنانية أنّ "هوكشتاين شكر عون وفريق عمله على الإدارة الحكيمة لملف المفاوضات، والطريقة التي تم بها التعاطي مع النقاط التي كانت موضع بحث، ما سهَّل استكمال التفاوض من خلال عمل مرهق في الأيام الماضية"، مشيراً إلى أن "الجانب اللبناني سيدرس الصيغة النهائية بشكل دقيق تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب".
ويقول مصدرٌ مسؤولٌ مقرّب من الرئيس عون، لـ"العربي الجديد"، إنّ "لبنان لا يسعى من خلال التعديلات والملاحظات، التي وضعها ورفضتها إسرائيل تبعاً لتسريبات وسائل إعلامها، إلى زرع العراقيل أو تخريب مسار الملف، بل يريد التمسّك بحقوقه وحدوده وثرواته، التي لا يريد أن يشاركها مع أحد، وهو يحرص على أن تكون الخواتيم سعيدة، من هنا سيدرس الصيغة النهائية مع تفاؤل بأن تنال الموافقة، خصوصاً أن الوسيط الأميركي بات يعلم المطالب اللبنانية والأساسيات التي لن يتزحزح عنها، وكثفت الاتصالات معه في الأيام القليلة الماضية من خلال بو صعب (نائب رئيس مجلس النواب اللبناني)، وكان فحواها للحظة مُبشِّرا".
ويلفت المصدر إلى أن "لبنان ينتظر الصيغة الأخيرة المنقّحة من جانب هوكشتاين، وسيتباحث فيها الرؤساء الثلاثة واللجنة التقنية المكلفة بالملف، قبل إصدار الموقف الذي سيكون سريعاً وإيجابياً، في حال تم الاعتراف بحق لبنان في نيل حصته كاملة من حقل قانا، من دون أن يشاركها مع الجانب الإسرائيلي، وفصل المحادثات التي تحصل بين الإسرائيليين وشركة توتال الفرنسية عن لبنان".
ويتمسّك فريق رئيس الجمهورية بالدرجة الأولى بضرورة إتمام الاتفاق في الأيام القليلة المقبلة، وذلك قبل انتهاء ولاية عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لوضعه ضمن خانة "إنجازات العهد"، وذلك بعد ست سنوات شهدت أقسى الأزمات، أبرزها الاقتصادية والنقدية، عدا عن جريمة انفجار مرفأ بيروت، الذي كان يعلم المسؤولون، ومنهم عون (باعترافهم الشخصي)، "بوجود النيترات"، ولم يتحركوا بالجدية المطلوبة لإزالة الخطر.
في المقابل، برزت معارضة مدنية لموقف لبنان الرسمي في المفاوضات غير المباشرة، التي تنازل خلالها عن الخط رقم 29، إذ تشكلت جمعية "الدفاع عن حقوق لبنان البرية والبحرية"، التي أنذرت بالتحرك قضائياً محلياً وخارجياً، لحماية الثروات اللبنانية وحقوقه البحرية والبرية.
وقال المحامي في الجمعية، علي عباس، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجمعية وجّهت 3 إخطارات أو إنذارات إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، تضمّنت الأخطاء الفنية والقانونية الناتجة عن اعتماد لبنان الخط 23 كخط ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وضرورة تعديل المرسوم 6433، الذي لم يوقّعه الرئيس عون بعد، وإيداع نسخة منه لدى الدوائر المختصة لدى الأمم المتحدة، والتمسّك تالياً بالخط 29، الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة، المعتمد من قبل مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني، فهو الخط القانوني والعلمي الوحيد بعكس الخط 23".
ويلفت عباس إلى "خطورة الخط 23 الذي يفاوض عليه المسؤولون اللبنانيون اليوم، فهو من شأنه أن يلحِق بلبنان خسائر على صعيد الثروة النفطية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، وآلاف الكيلومترات في المياه الإقليمية اللبنانية، عدا عن البرّ اللبناني ومناطق متنازع عليها برّاً".
ويشير عباس إلى أنهم أمهلوا الرؤساء الثلاثة للردّ على الإخطارات وتعديل المرسوم بشكل سريع، وإلا سنتقدّم بشكوى جزائية في لبنان والخارج، لحماية ما يمكن حمايته من حقوق لبنان وحدوده وثرواته النفطية والبحرية، و"لن نقف مكتوفي الأيدي أمام التنازل الفاضح عن حقوق لبنان والشعب اللبناني، والصفقات التي تجرى على حسابه".
وشددت دراسة للباحث والمختص في ملف ترسيم الحدود، عصام خليفة، وهو من أعضاء الجمعية، على أن "موقف الرؤساء الثلاثة بالتزامهم بالخط 23 بدل الخط 29 ينطبق عليه المادة 302 من قانون العقوبات اللبناني، التي تنص على أن من حاول أن يسلخ عن سيادة الدولة جزءاً من الأرض اللبنانية، عوقب بالاعتقال المؤقت أو بالإبعاد".
كذلك المادة 277 من القانون نفسه، التي تنص على أنه "يُعاقب بالاعتقال المؤقت خمس سنوات، على الأقل، كل لبناني حاول بأعمال أو خطب أو كتابات أو بغير ذلك أن يقتطع جزءاً من الأرض اللبنانية ليضمه إلى دولة أجنبية، أو أن يملكها حقاً أو امتيازاً خاصاً بالدولة اللبنانية".
ويؤكد خليفة أنّ "الرؤساء الثلاثة يتخلون عن ثروة تقدّر بمئات مليارات الدولارات (مساحة 1430 كلم2) لإسرائيل، من خلال تخليهم عن الخط 29 على نحو غير قانوني وغير علمي وغير وطني، وذلك لصالح الخط 23 الذي تبين الوثائق الدامغة أنه اختراع إسرائيلي".
وتذكر الجمعية أنّ "لبنان خسر مع قبرص أكثر من 2300 كلم2، ومع سورية 750 كلم2، وهذا كله نتيجة سوء إدارة المسؤولين اللبنانيين للملف النفطي".