لبنان والخليج.. المرض أعمق

05 نوفمبر 2021
تسببت تصريحات الوزير اللبناني جورج قرداحي بالأزمة (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

تختزل "الأزمة" اللبنانية مع بعض الدول الخليجية، تحديداً السعودية، مأزقاً عربياً أوسع وأعمق. المسألة لا تتعلق برد الأمر إلى تصريحات في خانة "حرية التعبير"، والتي يمكن أن تشعل دواليب بيروت إذا ما مسّ برنامج ساخر مُقدس زعامة فيها. المأزق يتعمق أكثر بمقاربة الظاهر منه، خصوصاً في سطحية الفهم الذاتي للمشرق العربي، وأدوار الآخرين فيه، ككيانات تقرأ وتُقرأ من ثقوب قوالب نمطية، باجترار مُدخلات مهترئة تنتج مشهداً سياسياً منفصماً عن "الأخوة العربية".

عرب المشرق الذين حاولوا لسنوات، وبينهم اللبنانيون منذ انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 2019، الإجابة عن أسئلة المصير والتحرر من التسلطية "العقائدية"، سواء الحائرة بين أيديولوجيات "قومية اجتماعية" و"بعثية"، أو الباحثة عن بدائل "دينية" مكرسة لمتاريس الطائفية ـ السياسية، يواجهون إرثاً عميقاً من مآزق هوية الكيانات والتلاعب فيها، ووصولها إلى مرض يتيح التصارع عليها.

لعل معالجة الخلل تبدأ في الإجابة عن أسباب الصمت على انكماش الدول لمصلحة سيطرة جماعات وأنظمة ونخب تعيش على الخطاب التنميطي والشعبوي. فاعتبار الناس "نفايات بشرية" و"أشباه رجال" و"متآمرين" و"تنابل" (كسالى) و"بدو"، وطرح سؤال: "هل يوجد عرب هنا؟" (عراق بعد عام 2003) وصولاً إلى حدّ اتهام "إخوة الوطن" بـ"العمالة"، ليس هو المرض بل أعراضه. ولضعف مفاهيم "الوطن" أسباب كثيرة، من بينها فساد النخب، وهو ما شكّل أساس حالة الاعتلال الطائفي إلى ما فوق الدول في منطقتنا، والسماح بتدخل قوى إقليمية تحت حجج "نصرة المظلومين". فتدخلات طهران في الشؤون العربية، وإطلاق العنان لغطرسة خطابات "سلاطين البحار" والسيطرة وانتشار جيوش على الأرض العربية، لم تعد تكهنات، وهي تنعكس اليوم على معظم الحالة العربية.

لكن في مقابل ذلك، هناك حاجة لمراجعة السياسات العربية في مجملها، تحديداً ما جنته "الثورات المضادة" ضد إرادة الناس في تغيير واقعها. في هذا السياق، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قدمت الثورة السورية الكثير من الفرص للوضع العربي، والخليجي تحديداً، المنكفئ مقابل انتهازية واستفادة طهران وجماعاتها. وأخطر ما في تلك السياسات أنها استندت إلى زرع ألغام طائفية، بمليشيات عابرة للحدود والجنسيات.

في المحصلة، إن السياسات التي تقوم على تسويات تنحي الشعوب جانباً، وعلى أوهام فصل أنظمة وأحزاب عن فلك طهران، وإعلاء غرور قوة السلاح والتسلط على سيادة وحرية الدول، لن تحصد في نهاية المطاف سوى تأجيل تفتيت وإعادة تركيب مجتمعات المشرق العربي، خدمة لمصالح قومية خاصة، وبما ينعكس على مجمل الواقع والمصالح العربية المشتركة، الغائبة عملياً عن أية تسويات أو مشتركات.

المساهمون