تجدّدت الاحتجاجات الشعبية في لبنان، اليوم الجمعة، بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس النواب في قصر الأونيسكو في بيروت، وسط تحذيرات من "هدايا مفخخة" تأتي على شكل "رشاوى مالية" للعسكريين وبعض العاملين في قطاعات الدولة.
وتأتي احتجاجات اليوم استكمالاً للتحركات الشعبية الغاضبة من تفاقم الأزمات المعيشية والاقتصادية، في ظلّ استمرار المسؤولين بسلك مسارات تزيد من معاناة الناس وتوسّع دائرة الانهيار الذي حذّرت دول أجنبية، أمس، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، من تداعياته الكارثية على اللبنانيين، ورفعت حدّة هجومها بوجه الطبقة السياسية.
في غضون ذلك، عقد مجلس النواب جلسةً عامة، برئاسة نبيه بري، في مقرّه المؤقت، قاطعها "حزب القوات اللبنانية" (يتزعمه سمير جعجع)، في حين ترك "تكتل لبنان القوي"، برئاسة النائب جبران باسيل، الحرية لنوابه بالمشاركة.
وأقرّ المجلس، في جلسته العامة، مشروع القانون المتعلق بإبرام اتفاقية قرض مع البنك الدولي، للإنشاء والتعمير لدعم الابتكار في مشاريع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، ومشروع القانون المتضمن طلب الموافقة على إبرام اتفاقية القرض مع البنك الدولي، لدعم شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة لجائحة كوفيد 19، والأزمة الاقتصادية في لبنان.
كذلك أقرّ اقتراح رفع السقوف مع مصرف الإسكان من قرض البنك العربي، الذي تقدّم به رئيس لجنة المال والموازنة النيابية، النائب إبراهيم كنعان.
من جهة ثانية، تتصدّر المشهد سلفتان ماليتان، الأولى طلبها النائب علي حسن خليل للضباط والعسكريين بعد رفع قائد الجيش الصوت عالياً من بوابة الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها السلبية على المؤسسة، وُضِعَت في إطار "الهدية المفخخة والرشوة المالية".
أما الثانية فقد طالب بها وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر، ومن خلفه "تكتل لبنان القوي"، لمنح مؤسسة كهرباء لبنان مساهمة مالية لشراء الفيول، بعدما دقّ ناقوس الخطر بأنّ البلاد ذاهبة إلى عتمةٍ شاملةٍ، في خطوةٍ عرّضته لهجوم كبير، باتهامه وفريقه السياسي بـ"احتكار وزارة الطاقة على مدى سنين، التي تحوّلت إلى وكر للفساد والهدر، من خلال صفقات زادت العجز والدين العام، من دون أن تساهم في حلّ أزمة الكهرباء".
وتعتبر الباحثة في الاقتصاد النقدي الدكتورة ليال منصور أن اقتراح القانون المُعجَّل المُكرَّر بإعطاء دفعة مالية شهرية للضباط وعناصر القوى العسكرية والأمنية لمدة ستّة أشهرٍ هو بمثابة "هدية مفخخة، وقنبلة موقوتة ستنفجر بالشعب اللبناني، وتدخل في إطار ما يُسمّى بـ"وهم المال"".
وتشدّد منصور، في حديثها مع "العربي الجديد"، على أنّ "هناك جرائم موصوفة عن سابق تصوّر وتصميم، ترتكب بحق اللبنانيين، من بوابة سلفات هي أشبه بالرشاوى، إذ إنّ هناك من يقدم اقتراحات تكلّف الخزينة العامة الكثير، ويسعى إلى طبع أموالٍ، بحجة تقديم مساعدة مالية لفئة من الشعب، في تكرار لكارثة سلسلة الرتب والرواتب التي دمّرت الاقتصاد اللبناني، وهي من شأنها أن تزيد من الخسائر، وترفع التضخّم، وتضاعف الانهيار، وترفع سعر صرف الدولار الذي تجاوز اليوم الـ11 ألف ليرة لبنانية".
وتجد منصور أنّ كل الاقتراحات المقدَمة التي يضعها المسؤولون في خانة الحلول المؤقتة هي "فاشلة جداً، ولا يمكن السير بها إلّا إذا كان البلد منتجاً ويتمتع بنمو اقتصادي، وقد طرأت عليه أزمة مؤقتة مثل كورونا، فرضت عليه السير بهذه القروض، ولكن لبنان ليس كدول العالم، فهو يعيش انهياراً اقتصادياً خطيراً، وانخفاضاً في القدرة الشرائية، وتدهوراً في عملته الوطنية، وسمعة قطاعه المصرفي دمِّرت بالكامل، وليس مجرّد تراجع أو تقلّص طبيعي وظرفي، نتيجة كارثة صحية، وبالتالي، هناك تشخيص خاطئ للمرض الذي يعاني منه لبنان، وحالة نكران من جانب الطبقة السياسية التي تستمرّ في التحكم بمصير وأرواح اللبنانيين، وتذهب بهم إلى الهاوية".
في غضون ذلك، نفذ الأساتذة المتعاقدون في التعليم الأساسي اعتصاماً أمام وزارة التربية في اليونيسكو، للمطالبة بالاعتمادات التي رصدت للعام الدراسي بـ30 أسبوعاً، وإقرار العقود، مؤكدين ألا تراجع عن الإضراب المفتوح.
كذلك، نفذ موظفو الإدارات العامة إضراباً، اليوم، للمطالبة بأن تشملهم المنحة المالية التي تقدّم بها النائب علي حسن خليل (ينتمي إلى كتلة التنمية والتحرير التي يتزعّمها رئيس البرلمان نبيه بري)، وذلك أسوةً بالعسكريين.
وحذّر خبراء اقتصاديين من هذه الخطوة، وقالوا إنّ "فتح الباب أمام منح سلفة للضباط وعناصر الجيش والقوى الأمنية من شأنه أن يحرّك كلّ موظفي المؤسسات العامة الذين سيطالبون بالزيادة نفسها، كونهم ضحية أيضاً للأزمة المعيشية والاقتصادية، ويضعنا بالتالي أمام تكرار لسلسلة الرتب والرواتب، التي رفعت الغلاء أكثر، والتضخّم، وألحقت أضراراً كبيرة بمن ليسوا مشمولين بها، في حين أن المستفيدين لم يسلموا بدورهم من تكاليف السلسلة، وارتفاع الأسعار".
بدورها، نفّذت الجمعية اللبنانية لأولياء الطلاب في الخارج وقفة للمطالبة بتنفيذ قانون الدولار الطالبي الذي كان قد أقرّه البرلمان اللبناني في وقتٍ سابقٍ، ولا يزال حتى الساعة بلا تطبيق.
كذلك، كان لأهالي السجناء تحرّك للمطالبة بإقرار قانون العفو العام، وهو غير مدرج على جدول أعمال الجلسة.
وانطلقت مسيرة حاشدة بعد الظهر من أمام وزارة الداخلية في بيروت، مروراً بمصرف لبنان وجمعية المصارف ووزارة الاقتصاد وصولاً إلى مجلس النواب، دعماً لمطالب الناس، ولحكومة انتقالية مستقلّة، مؤلفة من اختصاصيين غير حزبيين، واستعادة الاموال المنهوبة.
وقد أبدت مجموعات ناشطة غضبها من تصريحات المسؤولين الأخيرة، وعجزهم عن إدارة الأزمة، إذ حذر رئيس البلاد، ميشال عون، من الذهاب إلى "جهنّم"، وعقد اجتماعاً للجم ارتفاع سعر صرف الدولار، فكانت النتيجة ارتفاعاً متواصلاً، بينما أحدث وزير الداخلية قلقاً في صفوف الناس وأعلن صراحةً بأنّ لبنان بات مكشوفاً أمنياً ومفتوحاً على كل الاحتمالات.
في حين لوّح وزير الطاقة بالعتمة، وطلب من الناس تخيّل الحياة كيف هي بلا كهرباء. كذلك أعلن وزير التربية الإضراب العام وتوقيف الدروس، بينما هدّد رئيس حكومة بالاعتكاف، عدا عن التنبيه من كوارث مالية، وصحية، وغيرها، مقابل عدم القيام بأي خطوة جدية للخروج من مشهد الفوضى العارمة.