فرنسا ترحّب بمبادرة الحريري بشأن الحكومة اللبنانية... ولا موعد محدداً بين عون وأديب
رحّبت فرنسا بقرار رئيس الوزراء اللبناني السابق (يتزعم تيار المستقبل)، سعد الحريري، أمس الثلاثاء، مساعدة الرئيس المكلف مصطفى أديب، على إيجاد مخرجٍ لتشكيل الحكومة بتسمية وزير مالية مستقلّ من الطائفة الشيعية يختاره هو، شأنه شأن سائر الوزراء على قاعدة الكفاءة والنزاهة وعدم الانتماء الحزبي. وفيما يجري "الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل يتزعمها رئيس مجلس الواب نبيه بري) اجتماعات مكثّفة للرد على مبادرة الحريري، نفض رؤساء الحكومة السابقون يدهم منها قائلين بأنها "شخصية وغير ملزمة لهم".
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية فون دير مول، اليوم الأربعاء، إنّ بيان الحريري "يبدي إحساساً بالمسؤولية والمصلحة الوطنية للبنان، ويمثل انفتاحاً وعلى الجميع أن يقدّره بهدف تشكيل حكومة مهمّات في أسرعِ وقتٍ ممكنٍ".
وأشارت في الوقت ذاته إلى أنّ فرنسا "تدعو جميع القادة السياسيين إلى احترام الالتزامات التي قطعوها على أنفسهم في الأوّل من سبتمبر/ أيلول الماضي، من أجل توفير الاحتياجات الملحّة للبنان".
وأكدت أنّ "فرنسا ستواصل الوقوف إلى جانب اللبنانيين بالتنسيق مع شركائها الأوروبيين والدوليين، وستضمن احترام شروط الدعم الدولي للبنان في كل مرحلة، وهي تشجّع الرئيس المكلف مصطفى أديب على تشكيل حكومة مهمات بأسرع وقتٍ تتألف من شخصيات مستقلة ومختصة يختارها بنفسه".
وفي الشأن، يقول مصدر دبلوماسي فرنسي، لـ"العربي الجديد"، إنّ فرنسا مصمّمة على مساعدة الشعب اللبناني بالدرجة الأولى، وهي أكدت لجميع القادة السياسيين الذين تواصلت معهم أخيراً، من أجل تقريب وجهات النظر وحلّ الخلافات العالقة، أنّ الدعم الدولي للبنان سيكون سريعاً وعاجلاً باعتبار أنّ أزمة لبنان لا تحتمل أي تأخير أو مماطلة في إرسال المساعدات، كنوعٍ من التحفيز على التحرّك بشكل جدي والبدء بالإصلاحات المطلوبة. علماً أنّ قسماً كبيراً من اللبنانيين كانوا قد طالبوا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدم تقديم يد العون للطبقة السياسية الحاكمة فهي مسؤولة عن انفجار مرفأ بيروت، وعن الأزمة الاقتصادية التي وصلت إليها البلاد، وأنّ كلّ مساعدة فرنسية تقدّم إلى المنظومة نفسها هي بمثابة اعتراف بوجودها وشرعيتها وبقائها، وهذا ما ردّت عليه فرنسا بإشارتها إلى نتائج الانتخابات النيابية وصناديق الاقتراع التي أوصلت الحكام إلى مناصبهم.
وتعد خطوة الحريري بمثابة تنازل عن شرط المداورة في الحقائب الوزارية، بعدما رفض سابقاً حصر وزارة بطائفة أو حزب، علماً أنّ "الثنائي الشيعي"، يصران ليس فقط على وزير المال بل على تسمية وزراء الطائفة الشيعية، ما يطرح علامات استفهام حول إقدام الثنائي على ملاقاة الحريري في تنازله والتخلي عن شرطهما.
إلى ذلك، أشار مصدرٌ في قصر بعبدا الجمهوري، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ جدول مواعيد الرئيس ميشال عون، اليوم الأربعاء، يخلو حتى الساعة من أي لقاء محدّد مع رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب.
في حين أكدت أوساط أديب، لـ"العربي الجديد"، أنّ الرئيس المكلف لن يزور بعبدا قبل الحصول على تصوّر شبه نهائي وحاسم في موضوع وزارة المالية، وهو لا يحبّذ فكرة الزيارات التي لا تحمل نتائج ملموسة وجديدة.
الكرة في الملعب الشيعي
في المقلب الآخر، علم "العربي الجديد"، أنّ اجتماعات مستمرّة، منذ أمس الثلاثاء، بين ممثلين عن "حركة أمل" و"حزب الله"، لاتخاذ الموقف المناسب من مبادرة الحريري، وهناك اتصالات مكثّفة تجري لعرض الوقائع كاملة، قبل الخروج بقرار رسميّ، لا سيما أنّ "الثنائي الشيعي"، لا يزال يصرّ على تسمية الوزراء الشيعة بنفسه، فيما أشار الحريري إلى أنّ الاسم يختاره أديب، وهنا الخلاف لا يزال قائماً، ومن المتوقع أن تحمل الساعات القليلة المقبلة تطوّراً بهذا الاتجاه بعدما رمى رئيس "تيار المستقبل" الكرة في ملعب الثنائي.
وأخرت عقدة وزارة المالية، التي يتمسك بها "الثنائي الشيعي"، تشكيل أديب للحكومة، وأدت إلى تمديد المهلة الزمنية التي وضعتها فرنسا، أي 15 يوماً، ضمن المبادرة التي أعلن عنها ماكرون خلال زيارته إلى لبنان، مطلع سبتمبر/ أيلول، للمساعدة في إعادة إعمار بيروت بعيد انفجار المرفأ، في 4 أغسطس/ آب، ومساعدة البلاد على تخطي أزمة اقتصادية حادة.
وهو الأمر الذي أكده الرئيس اللبناني أيضاً بقوله، الإثنين، إنّ عدم تشكيل حكومة في الظرف الراهن يذهب "بلبنان إلى الجحيم"، وعلى أساس ذلك، خرق عون مشهد الجمود، باقتراح تقدّم به، للقيام بالخطوة الأولى في اتجاه مدنية الدولة، عبر إلغاء التوزيع الطائفي للوزارات التي سميت بـ"السيادية"، وعدم تخصيصها لطوائف محددة، بل جعلها متاحة لكل الطوائف، ورفع سقف الموقف تجاه "الثنائي الشيعي"، ومن ضمنهم حليفه الأساسي "حزب الله"، لكنه أكد في المقابل أنّ تفاهم "مار مخايل" بين حزبه "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، لم يفك، و"لكن هذا لا يمنع أن يبديَ كلّ فريق رأيه عندما لا يكون هناك تفاهم حول موضوع ما".
مبادرة شخصية
ولم يتأخر ردّ رؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام على خطوة الحريري، مشددين على أنها "مبادرة شخصية".
وقال الرؤساء السابقون، في بيان، إنّ "الدستور اللبناني شديد الوضوح في أنه ليس هناك من حقيبة وزارية يمكن أن تكون حكراً لـ أو حقاً حصرياً على وزراء ممن ينتمون إلى طائفة أو مذهب معين بذاته، كما أنه لا شيء يحول، وحسب الدستور، دون أن يتولى أي لبناني، وإلى أي فئة طائفية أو مذهبية ينتمي إليها، أي حقيبة وزارية في لبنان". وأعلنوا "أنه وبعد الضجة المفتعلة التي أثيرت بشأن حقيبة وزارة المالية، فإننا نعتبر أنفسنا غير ملزمين بهذه المبادرة".
وشددوا على أنه "تبقى القضية الأساس بالنسبة لنا، كما هي بالنسبة لسائر اللبنانيين، في أهمية الالتزام بالاحترام الكامل والثبات على مبدأ الحفاظ على الدستور وصونه من أي مخالفة قد يتخذها البعض، خطوة باتجاه إرساء ممارسة أو عرف مخالف لنص الدستور".