يدرس أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت خطواتهم عقب سفر رئيس الوزراء السابق حسان دياب إلى الولايات المتحدة الأميركية قبيل موعد جلسة استجوابه الاثنين المقبل كمدعى عليه بتهمة الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وجرح مئات الأشخاص.
ويضع عددٌ من الأهالي، في حديثهم مع "العربي الجديد"، تصرّف دياب في إطار الهروب ربما للإفلات من العقاب أو خوفاً من الإدلاء بمعلوماتٍ من شأنها أن تفيد التحقيق وفي الوقت نفسه تكشف خفايا كثيرة وتورّط أشخاص يتستّر عليهم رئيس الحكومة الأسبق.
ويؤكد هؤلاء أن "دياب قد لا يكون هو من فجّر مرفأ بيروت ولا يتحمّل وحده مسؤولية ما حصل في الرابع من أغسطس/آب 2020 ولكن بحوزته معلومات عليه أن يكشف عنها، نحن نريد أن نعرف من اتصل به ومنعه من زيارة المرفأ ونقل نيترات الأمونيوم إلى مكانٍ آخر، فهذا الشخص إما هو من أدخل المواد أو فجّر المرفأ والجواب عند دياب، وقد تكون الجهة نفسها نصحته بالسفر خارج البلاد مع اقتراب موعد جلسته وفي ظلّ إصدار مذكرة إحضار ثانية بحقه وضغوط شعبية تمارس عليه للمثول أمام المحقق العدلي القاضي طارق البيطار".
من الناحية القانونية، يقول المحامي فاروق المغربي المتابع للقضية، لـ"العربي الجديد"، إن "النيابة العامة التي تنفذ عبرها مذكرة الإحضار لم تعممها وبالتالي فإن دياب وقبل سفره لم يكن مبلغاً بها أصولاً وبهذه الحالة لا يمكن للقاضي البيطار أن يصدر بحقه مذكرة توقيف يوم الاثنين وبالتالي سيُصار إلى تعيين موعد جلسة جديد وإبلاغه بها بالأطر القانونية سواء عبر التبليغ العادي أو الاستثنائي وعندها في حال لم يحضر فللمحقق العدلي أن يصدر مذكرة توقيف غيابية بحقه".
دياب تمكّن من السفر خارج البلاد باعتبار أن لا قرار منع سفر أو حكما صادرا بحقه أو مذكرة توقيف
ويوضح المغربي أن "دياب طبعاً علم بالمذكرة عبر الإعلام حيث عممتها النيابة العامة ولكنه لم يبلّغ بها قانوناً، إذ إن النيابة لم تعممها على الفصيلة بهدف تنفيذها، وكذلك تواصل النيابة عدم القيام بدورها وهي لم تقدم حتى الساعة مطالعتها بالدفوع الشكلية التي تقدم بها وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس عبر وكيليه، ما يعني تأجيلا جديدا للجلسة المقررة يوم غدٍ الخميس".
في السياق، يقول مدعي عام التمييز السابق القاضي حاتم ماضي، لـ"العربي الجديد"، إن "دياب تمكّن من السفر خارج البلاد باعتبار أن لا قرار منع سفر أو حكما صادرا بحقه أو مذكرة توقيف، علماً أنه لو سافر يوم الأحد على سبيل المثال لكان يمكن توقيفه وإحضاره عند المحقق العدلي باعتبار أن تنفيذ المذكرة أمنياً يكون قبل أربع وعشرين ساعة من موعد جلسة الاستجواب".
ويوضح ماضي أن "أمام المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار إما دعوته مرة جديدة للحضور أو دعوته بعد تغريمه، وله فقط أن يصدر مذكرة توقيف غيابية بحقه في حال لم يحضر الجلسة وتبيّن أنه تبلّغ فعلاً ورسمياً الموعد من دون أن يكون هناك خطأ في التبليغ".
ويميّز ماضي بين مذكرة التوقيف الغيابية المحلية التي تطبّق على كامل الأراضي اللبنانية وتتيح في حال قرر القاضي البيطار إصدارها توقيف دياب فور عودته ووصوله إلى مطار بيروت وتحويله إلى المحقق العدلي، وبين مذكرة التوقيف الدولية التي للقاضي أن يلجأ اليها أيضاً بعد إرسالها لمدعي عام التمييز حتى يتولى "إنتربول" دول العالم تنفيذها.
بهذه الحالة يقول مدعي عام التمييز السابق إن على الدولة التي يكون دياب على أراضيها أن توقفه وتنتظر من لبنان أن يرسل بعثة أمنية تحمل ملفه كاملاً إليها حتى تتسلّمه وتحضره.
وتشيع أوساط رئيس الحكومة السابق أن دياب غادر إلى أميركا للقاء أولاده الذين يعيشون هناك ولن يعود قبل أربعة أسابيع، وتزعم أنه لا صحة لما يذكر بأنه سافر بعد إصدار مذكرة جلب بحقه، وترتيبات السفر حصلت منذ الجمعة الماضي فور تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي. وشددت على أن دياب سبق أن ادلى بإفادته أمام القضاء ولا جديد يدلي به كما أن المرجع الصالح في القضية هو فقط المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
دياب علم بالمذكرة عبر الإعلام حيث عممتها النيابة العامة ولكنه لم يبلّغ بها قانوناً
وقال المدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية"، المحامي نزار صاغية، "ما كان دياب ليفر من جلسة استجوابه في أكبر الجرائم لولا التطبيع مع التنمر والاستكبار على العدالة والفرار منها. هذا التطبيع صنعه النظام طوال 3 عقود وتغذيه القوى المهيمنة كلما تورط أحد أعيانها لقناعة منها أن إخضاع العدالة لمصالحها دعامة أخرى لقوتها وأن القوة هي أساس الملك".
ما كان دياب ليفر من جلسة استجوابه في أكبر الجرائم لولا التطبيع مع التنمير والاستكبار على العدالة والفرار منها. هذا التطبيع صنعه النظام طوال 3 عقود وتغذيه القوى المهيمنة كلما تورط أحد أعيانها لقناعة منها أن إخضاع العدالة لمصالحها دعامة أخرى لقوتها وأن القوة هي أساس الملك.
— Nizar SAGHIEH (@nsaghieh) September 15, 2021
وأضاف صاغية، "أكبر الخدع تصوير ملاحقة دياب على أنه استضعاف لشخصه. هذه الخدعة تقوم على الإضاءة على شخصه مع حجب كل منظومة الاستكبار المحيطة به والتي سهلت فراره وشجعته عليه. ملاحقة دياب ليست استضعافاً بل عمل عدالة في وجه هذه المنظومة برمتها، فراره استضعاف لنا جميعاً".
واستكمل المحقق العدلي القاضي طارق البيطار الجلسات اليوم، إذ استجوب العميد السابق في مخابرات الجيش غسان غرز الدين لأكثر من أربع ساعاتٍ قرّر بعدها تركه رهن التحقيق إلى حين استكمال التحقيقات وارجأ الجلسة إلى 27 سبتمبر/أيلول.
وقرّر المحقق العدلي سابقاً ترك قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي رهن التحقيق على أن يستكمل استجوابه في 28 سبتمبر، وكذلك ترك المدير السابق للمخابرات العميد كميل ضاهر رهن التحقيق على أن يستكمل استجوابه في 27 سبتمبر، في حين أصدر مذكرتي توقيف وجاهيتين بحق كل من عضو المجلس الأعلى للجمارك هاني الحاج شحادة والمدير السابق للعمليات في مرفأ بيروت سامي حسين.
وحتى الساعة، لم يقدم النائب العام التمييزي غسان الخوري مطالعته حول الدفوع الشكلية التي تقدّم بها وكيلا وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس والتي تعد شرطاً أساسياً لتمكين القاضي البيطار من استجوابه في الجلسة التي حددها يوم غدٍ الخميس، وهو ما يعتبره محامون مطلعون على ملف التحقيقات مماطلة مقصودة من جانب النيابة العامة التي تقدمت نقابة المحامين بدعوى ارتياب مشروع بحقها، وكذلك تهرّبا مستمرّا من جانب فنيانوس ما يشبه تماماً هروب دياب وتسلّحهم جميعاً بالحصانة السياسية.
وكان المحقق العدلي أصدر أمس الثلاثاء مذكرة إحضار ثانية بحق دياب بعد تصحيح أو تعديل مكان إقامته الذي كان محدداً بالسراي الحكومي وتغيّر حكماً بعد تشكيل حكومة جديدة قبل أن يحيلها النائب العام التمييزي على المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي للتنفيذ.