ردّ الرئيس اللبناني ميشال عون اليوم الثلاثاء كرة تعديل المرسوم 6433، المتعلق بتحديد "حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية"، إلى ملعب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب رافضاً التوقيع عليه، ومتسلحاً برأي هيئة التشريع والاستشارات بضرورة أن يتخذ مجلس الوزراء القرار مجتمعاً، ما يعني جولة خلاف جديدة، لم يحل دون وقوعها توقيع وزير الأشغال ميشال نجار، وقد يكون مصيرها رهن زيارة الموفد الأميركي إلى لبنان في الساعات القليلة المقبلة، الذي يلعب دور الوسيط في ملف المفاوضات غير المباشرة والتقنية بشأن ترسيم الحدود البحرية جنوباً، المتوقفة منذ أشهرٍ بين الوفد اللبناني ووفد العدو الإسرائيلي.
ويزور الموفد الأميركي ديفيد هيل لبنان حيث من المتوقع أن يجول على السياسيين ويبحث معهم ملفات داخلية وخارجية، أبرزها الملف الحكومي، ويرجح أن يكون ملف ترسيم الحدود البحرية من ضمنها، استكمالاً لدور الولايات المتحدة كوسيطٍ في التفاوض، وعلى وقع التطور المتمثل بتعديل المرسوم الذي يصحح حدود لبنان البحرية جنوباً، وهو ما لا يصب في صالح العدو.
ويستغرب المؤرخ والباحث في قضايا ترسيم الحدود الدكتور عصام خليفة في حديثه مع "العربي الجديد" تقاذف الملف بهذا الشكل، في حين يجب على المعنيين والمسؤولين التوقيع على تعديل المرسوم من دون وضع شروط، وإخراجه من البازار والاستغلال السياسي.
ويقول: "نحن كمجتمع مدني، مطلبنا يصب في إطار تعديل المرسوم 6433 المتعلق بحدود المنطقة الاقتصادية الخالصة في الجهة البحرية الجنوبية للبنان، تبعاً لمقترح قيادة الجيش، وإيداع الملف مع الوثائق اللازمة لدى الأمم المتحدة، للحفاظ على حقوقنا ومصالحنا الوطنية، لكن يبدو أن هناك سيناريو يُحاك خلف الكواليس، يطرح حوله الكثير من علامات الاستفهام، ما يجعلنا غير مطمئنين، سواء كانت النوايا سليمة أو سيئة، وقد يكون ضمنها انتظار زيارة الدبلوماسي الأميركي ديفيد هيل من بوابة البيع والشراء".
ويلفت خليفة إلى أهمية تعديل المرسوم المذكور في تصحيح حدود لبنان البحرية جنوباً من الخط 23 إلى 29، حيث "سيحفظ حقوق بلادنا الكاملة في حقل الغاز والنفط الذي نأمل ونتمنى أن يصار إلى تسميته بحقل قانا، وسيعطينا الحق بالتفاوض على نسبة من حقوقنا في حقل كاريش، ما يُمكِّن بالتالي شركة "توتال" الفرنسية من التنقيب عن النفط في حقل قانا، من دون أن يكون منازعاً من أحد، وذلك بمجرد إرسال مرسوم تعديل الإحداثيات إلى الأمم المتحدة، وكذلك إلى كل الدول الصديقة والكبرى.
ويشدد خليفة على أن إسرائيل رغم التهديدات وتلويحها بوقف المفاوضات؛ فإن دخول التعديل حيّز التنفيذ، وممارسة الدبلوماسية اللبنانية دورها من خلال التفاوض مع اليونان، حملاها على منع شركة إنرجيان اليونانية من الحفر في حقل كاريش، الذي سيصبح حكماً وتبعاً للقانون الدولي منطقة متنازع عليها، وهنا نقطة قوّة لبنان، وما سيحمل العدو على استئناف المفاوضات.
ويضع خليفة ما يُحكى عن عدم نيّة رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري عند تشكيل الحكومة تعديل المرسوم أو وجود نوايا سياسية بعدم التوقيع، في خانة "الخيانة العظمى"، وفي حال أراد أي مسؤول التآمر على حقوقنا لمصالح خاصة، أو تنفيذاً لسياسات وأجندات خارجية، فالتاريخ لن يرحمه وكذلك الشعب اللبناني.
ووجّهت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية اللبنانية اليوم كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء يفيد بأن مشروع المرسوم الوارد من رئاسة مجلس الوزراء لتعديل المرسوم 6433، يحتاج إلى قرار يتخذه مجلس الوزراء مجتمعاً وفقاً لرأي هيئة التشريع والاستشارات، حتى في ظلّ حكومة تصريف الأعمال نظراً لأهميته والنتائج المترتبة عليه، خصوصاً وأنّ الوزراء الموقعين ربطوا توقيعهم بإقرار المرسوم في مجلس الوزراء.
وأعلمت المديرية أنّ المرسوم المذكور المرفق بطلب الموافقة الاستثنائية يستند في بنائه إلى موافقة مجلس الوزراء، الأمر الذي لم يحصل على ما يجب عليه أن يكون الوضع القانوني السليم، وفقاً لرأي هيئة التشريع والاستشارات.
يجب على المعنيين والمسؤولين التوقيع على تعديل المرسوم من دون وضع شروط، وإخراجه من البازار والاستغلال السياسي
وأشارت المديرية الى أنّ الرئيس ميشال عون له أن يحدد ما يراه الأفضل لحفظ الوطن، وهو مؤتمنٌ على ذلك بالدستور والقسم.
وأحالت الأمانة العامة لمجلس الوزراء الإثنين إلى رئاسة الجمهورية اقتراح دياب وموافقته على مشروع المرسوم، بعد أن وقع عليه كل من وزيري الدفاع زينة عكر والأشغال العامة والنقل ميشال نجار، وذلك لأخذ الموافقة الاستثنائية عليه من رئيس الجمهورية لإصداره وفقاً للأصول، على أن يصار إلى عرض الموضوع لاحقاً على مجلس الوزراء على سبيل التسوية". بحسب بيان مجلس الوزراء.
ويقول الأستاذ في القانون الدولي المحامي أنطوان صفير لـ"العربي الجديد" أن هناك نوعين من المراسيم، الأول يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء، وفيها موجب إلزام التوقيع من قبل الجميع، وتصبح نافذة بعد 15 يوماً حتى في حال صدرت ولم يوقعها رئيس الجمهورية. في حين هناك المراسيم التي تحتاج إلى توقيع الوزراء المختصين ورئيسي الجمهورية والحكومة، وهي تلك التي ترتبط بحالات الضرورة ونظراً لأهميتها مثل الحال الراهنة.
ويلفت صفير إلى أنّ رئيس الجمهورية يقول بأنه لن يوقع إلا بعد موافقة مجلس الوزراء، وبالتالي لن يكون نافذاً إلا في هذه الحال، وإن كانت حكومة تصريف الأعمال هي التي تجتمع، علماً أنّ المجلس ينبغي أن يجتمع ولو كان بحكم تصريف الأعمال في المسائل الطارئة والجوهرية والمرتبطة بالنظام، منها ملف التدقيق الجنائي، والموازنة، وترسيم الحدود، وغيرها.
وفي وقتٍ ما تزال المفاوضات غير المباشرة جنوباً بين لبنان والعدو الإسرائيلي متوقفة؛ تتابع الدولة اللبنانية وبإيعاز من رئيس الجمهورية ملف ترسيم الحدود البحرية شمالاً مع سورية بعد التهديد الصريح الذي شكله النظام السوري على الحقوق اللبنانية النفطية، وما قوبل بداية بصمت رسمي قبل أن يتصل الرئيس اللبناني بنظيره السوري للبحث في الملف، ويصدر موقف لبناني رسمي في القضية.
وسلّم وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة اليوم سفير النظام السوري لدى لبنان علي عبد الكريم علي مذكرة تتضمّن تأكيد الموقف اللبناني من ترسيم مياهه الإقليمية ودعوة السلطات السورية للتفاوض حول الترسيم، من منطلق "العلاقات الأخوية على أساس قانون البحار الدولي".
وقال سفير النظام السوري إنه سينقل "رغبة الوزير وهبة والقيادة في لبنان بما يخص التفاوض في كل الملفات، من ضمنها الحدود البحرية شمالاً، يعني التكامل والتنسيق والتفهم"، مضيفاً: "سورية ترحب دائماً بأي تنسيق وهي حريصة على ذلك، وإن شاء الله ترفع العقوبات عنها وعن لبنان، والتي أصابت المصارف والاقتصاد والتنمية وتقتضي رؤية تكاملية بين البلدين باتجاه الخليج والشرق والغرب معاً وباتجاه العالم".
وعلى صعيدٍ آخر، لم يبرز تقدم على المستوى الحكومي، بحيث لم يؤدِّ الحراك الخارجي حتى الساعة إلى إحداث أي خرقٍ يُذكر، في حين يستعدّ الرئيس المكلف سعد الحريري للقيام بجولة جديدة وجهتها هذه المرّة روسيا، تبدأ غداً الأربعاء تلبية لدعوة رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين، ومن المتوقع أن يلتقي الحريري عدداً من المسؤولين الروس لبحث الملف اللبناني وسبل الخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة، وسيعرض الرئيس المكلف أبرز العوائق التي تحول دون تشكيل الحكومة.