لبنان: حملة تكبيل "يونيفيل"

15 سبتمبر 2022
تعرضت قوات "اليونيفيل" هذه السنة لـ26 حادثة (حسين بيضون)
+ الخط -

دخل ملف تمديد ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل" لسنة واحدة الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي في 31 أغسطس/آب الماضي بموجب القرار 2650، وما لحقه من تعديلات متصلة بحرية حركة الدوريات من دون الحاجة إلى إذن مسبق من الجيش اللبناني على خطّ عناوين الاشتباك القادرة على إشعال الساحة اللبنانية، والجنوبية خصوصاً، بعد عام حافل بالصدامات بين أهالي بلدات جنوبية وقوة الأمم المتحدة على خلفية تحركاتها وأنشطتها.

ويتزامن الجدل بشأن توسيع تحركات اليونيفيل مع استمرار مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من دون أن تتوصل إلى نتائج نهاية بعد على الرغم من تأكيد الرئيس اللبناني ميشال عون أمس الأربعاء أن الاتصالات لإنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل قطعت شوطاً متقدماً.

وتنضم قضية "يونيفيل" أيضاً إلى الملفات الداخلية الخلافية، في ظل تقاذف مسؤوليات "مرور التعديل" التي طاولت رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وسفيرة لبنان لدى الأمم المتحدة أمل مدللي، وأشدّها لحق بوزير الخارجية عبدالله بو حبيب (من حصّة الرئيس ميشال عون الحكومية). 

وبالتوازي كشف النائب في "حزب الله"، حسن عز الدين لـ"العربي الجديد"، أنه طلب من رئيس لجنة الشؤون الخارجية النيابية (يرأسها النائب فادي علامة، ينتمي إلى حركة أمل برئاسة نبيه بري)، استدعاء بو حبيب للوقوف عند مجريات ما حصل.

يؤكد مصدر مسؤول في "يونيفيل" أن التنسيق كان وسيبقى وثيقاً مع الجيش اللبناني
 

والأبرز كان تحميل قوة الأمم المتحدة ما سيسجل من "مشاكل على مستوى العلاقة بين الناس ويونيفيل أيضاً"، في ظل اعتراض علني صارم من جانب الحزب على التعديل، في خطوة يضعها في خانة "خدمة الاحتلال"، وسط استغرابه كيفية قبول لبنان الرسمي الدبلوماسي وعدم تسجيل اعتراضه.

التعديلات على قرار "يونيفيل"

وصوّت مجلس الأمن بإجماع أعضائه الـ15، في 31 أغسطس/آب الماضي، على تمديد ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان لسنة أخرى، وذلك بناءً على طلب من الحكومة اللبنانية. وأدخل تعديلاً بارزاً على مهام "يونيفيل"، التي باتت لا تحتاج إلى إذن مسبق من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، والسماح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل، داعياً الأطراف إلى ضمان حركة "يونيفيل"، بما في ذلك السماح بتسيير الدوريات المعلنة وغير المعلن عنها.

خطاب تحذيري من "حزب الله"

وقوبل التعديل بخطاب تصعيدي تحذيري من جانب "حزب الله" وحلفائه. وبدأ الأمر من خلال الوكيل الشرعي للمرشد الإيراني علي خامنئي في لبنان، الشيخ محمد يزبك، الذي اعتبر أن إعطاء "يونيفيل" حرية الحركة تطور خطير يحول القوات الى قوات احتلال. 

وسأل يزبك، في تصريح له يوم الجمعة الماضي: "أين المسؤولون عن القرار الذي اتخذه مجلس الأمن بإعطاء القوات الدولية في الجنوب حرية الحركة، وبأنه على الأطراف اللبنانيين التسهيل، وعدم الحاجة إلى إذن من الجيش بحركة دورياتها المعلنة وغير المعلنة؟".

تقارير عربية
التحديثات الحية

وعقب ذلك واصل المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، التصعيد الخطابي بتلويحه للتحرّك بوجه دوريات "يونيفيل". في المقابل صُوِّبَ على "حزب الله"، خصوصاً من قبل معارضيه السياسيين، بالوقوف خلف التحركات التي يقوم بها أهالي بعض القرى ضد "يونيفيل"، في إطار انزعاجه غير الخفي من مهامها، التي اتسعت أصلاً رقعتها بعد "حرب تموز" 2006. وتجعل هذه التطورات الأنظار شاخصة نحو الجنوب، على وقع تهديدات "حزب الله" وقيادييه لقوات الأمم المتحدة.

"يونيفيل" تتعرض لـ26 حادثة

في هذا السياق، يقول مصدر مسؤول في "يونيفيل"، لـ"العربي الجديد"، إن "قوة الأمم المتحدة تعرضت هذه السنة لـ26 حادثة، مُنِعَت فيها من حرية الحركة، و4 حالات طاولت هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة أي UNTSO، وأكثرها كان في بلدتي بليدا ومجدل زون".

ويشدد المصدر نفسه على أن "أنشطة يونيفيل مستمرّة وفق المهام التي أنيطت بها، والتي لن تختلف عمّا كانت في السابق، فالهمّ الأساسي بالنسبة إليها أمن واستقرار الجنوب. كذلك تحرص على سلامة قواتها وتدافع عن حرية حركتهم، ووصولها بلا عوائق أو اعتداءات إلى مناطق عملياتها، تنفيذاً واحتراماً للقرارات الدولية، والموافق عليها من قبل الحكومة اللبنانية". ويؤكد أن التنسيق كان وسيبقى وثيقاً وكبيراً مع الجيش اللبناني.

ومن أبرز مهام "يونيفيل" مرافقة ودعم القوات المسلحة اللبنانية خلال انتشارها في جميع أنحاء جنوب لبنان، بما في ذلك على طول الخط الأزرق، الذي تم تحديده من قبل الأمم المتحدة في العام 2000، بالتعاون مع المسؤولين اللبنانيين والإسرائيليين، وعُرِفَ بخط الانسحاب، ولا يعتبر حدوداً دولية.

ارتباك رسمي لبناني

ورغم الإشادة بالتمديد لـ"يونيفيل" بداية من جانب السلطات اللبنانية، إلا أن الإضاءة على التعديل وشنّ "حزب الله" هجوماً عليه، جعل وزارة الخارجية اللبنانية تصدر توضيحاً، بعد أسبوع على التجديد، تؤكد فيه أن "القرار الذي صدر عن مجلس الأمن، والذي تم بموجبه التجديد ليونيفيل، يتضمن لغة لا تتوافق مع ما ورد في اتفاق الإطار الذي وقّعه لبنان مع الأمم المتحدة، وقد اعترض لبنان على إدخال هذه اللغة".

كذلك، طلب وزير الخارجية لقاء رئيس بعثة "يونيفيل" أرولدو لاثارو للتشديد على أهمية استمرار التعاون والتنسيق الدائم مع الجيش اللبناني لإنجاح مهمة القوات الدولية في لبنان، مشيراً في المقابل، إلى أن لبنان لم يطلب شطب مرجعية القرارين 1559 (اتخذ في سبتمبر/أيلول 2004، ويطالب جميع القوات الأجنبية بالانسحاب من لبنان وذلك إبان الوجود السوري)، و1680 المتصل أيضاً بتعيين الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية مع سورية، في متن قرار التجديد. مع العلم أن "حزب الله" يعارض القرارين، وما يعتبره تدخلاً في العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسورية.

حسن عز الدين: ما حصل سيخلق مشاكل على مستوى العلاقة بين الناس ويونيفيل

وحاول "العربي الجديد" التواصل مع وزير الخارجية أو مكتبه الإعلامي لاستيضاح حقيقة ما حصل، والسبب وراء عدم اعتراض لبنان على التعديل في جلسة مجلس الأمن الدولي، بيد أنهم رفضوا التعليق واكتفوا بإرسال البيان التوضيحي، السابق ذكره، في حين تعذر الحصول أيضاً على تعليق من السفيرة اللبنانية، التي اتهمت من قبل وسائل إعلام محلية بالوقوع في الخطأ، وأن وزارة الخارجية كانت أبلغتها رفض لبنان التعديلات تلقائياً.

واستنكر بيان صادر يوم الإثنين الماضي عن "يونيفيل" المعلومات "المضللة" في وسائل الإعلام حول ولايتها. وأكد أن "يونيفيل لطالما كان لها تفويض للقيام بدوريات في منطقة عملياتها، مع أو من دون القوات المسلحة اللبنانية. ومع ذلك، تستمر أنشطتنا العملياتية، بما في ذلك الدوريات، بالتنسيق مع القوات المسلحة اللبنانية، حتى عندما لا يرافقوننا". وبحسب البيان "تم التأكيد على حرية حركتنا في قرارات مجلس الأمن التي جددت ولاية يونيفيل، بما في ذلك القرار 1701 في عام 2006، واتفاقية وضع القوات ليونيفيل الموقعة في عام 1995".

التعديل مخالف لمهام "يونيفيل" الأساسية

ويرى عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب حسن عز الدين أن "التعديل مخالف للمهام الأساسية التي أتت بالقرار 1701 (متخذ بالإجماع في 11 أغسطس/آب 2006، ودعا لبنان وإسرائيل إلى وقف إطلاق النار) وهو مرفوض ومدان أيضاً، وفيه انحياز للعدو".

ويشير عز الدين، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن "ما حصل سيخلق مشاكل على مستوى العلاقة بين الناس ويونيفيل أيضاً، وستتحمّل يونيفيل مسؤولياته بهذا الإطار. يعني أي تقدير في غير محلّه، أو تصرف خلاف ما كان عليه في السابق سيحمّلها المسؤولية، إلى جانب من اتخذ القرار".

ويقول "للأسف ما حصل نضعه برسم الدبلوماسية اللبنانية الخارجية خاصة، فما هي التعليمات التي أعطيت لمندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة، وكيف اتخذ القرار من دون أن يقابله اعتراض لبناني".

ويضيف: "لأنه بحسب معلوماتي، وأنا عضو في لجنة الشؤون الخارجية النيابية التي تضم مختلف الأطياف اللبنانية، أن العام الماضي وقبله، دائماً ما كان النقاش حول الموضوع، وكان الإجماع اللبناني على مستوى السياسة الخارجية، بأنه لا يحق تعديل مهام يونيفيل، خصوصاً لما من شأن ذلك أن يخلق إشكالية بينها وبين الناس".

ويتابع: "عدا عن أن حرية الحركة بشكل منفرد ومتفلت بلا رقيب تعتبر أيضاً بمثابة خرق للسيادة اللبنانية، بينما كانت الحركة تستوجب تنسيقاً مع الجيش اللبناني. وهنا علامات استفهام عدة تطرح، وما حصل يخفي الكثير من الريبة والشكوك حول الموقف الذي تم اتخاذه".

وكشف عز الدين، لـ"العربي الجديد"، أنه "تقدم من رئيس لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين (يرأسها النائب فادي علامة)، بطلب لاستدعاء وزير الخارجية للوقوف على مجريات ما حدث، وكيف تصرف لبنان إزاء ذلك، ومن المفترض أن يصار إلى استدعائه خلال أيام، أو الأسبوع المقبل، باعتبار أن هناك جلسات نيابية هذا الأسبوع".

وفي وقت أن مسودة التمديد التي قدمتها الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا، مرّت، والتعديل من دون اعتراض الصين وروسيا البلدين اللذين دائماً ما كانا يعترضان عليه ويراهن عليهما "حزب الله"، يكتفي عز الدين بربط موقف الدولتَيْن بالسياسة الخارجية المعتمدة في لبنان. ويقول: "لا أريد أن أدخل في أي تحليل أو قراءة للمواقف الدولية، لكن أضع ما حصل في سياق السياسات المعتمدة من قبل الدولة اللبنانية وما تمارسه وزارة الخارجية".

لبنان غير مؤثر بقرارات مجلس الأمن

من جهته، يقول السفير هشام حمدان، المندوب المناوب السابق للبنان في الأمم المتحدة، لـ"العربي الجديد"، إن "التطورات في المنطقة تدفع الدول المعنية في مجلس الأمن إلى التفكير هذه المرة بطريقة مختلفة".

ويضيف: "من هنا فإن تحميل الحكومة اللبنانية، أو أي جانب آخر المسؤولية، أمر خاطئ، لأن لبنان ليس مؤثراً في القرارات التي يتخذها عادة مجلس الأمن وفقاً لمصالح الدول العظمى"، مشيراً إلى أن قرارات مجلس الأمن موجبة لكافة الدول الأعضاء، ولبنان ملتزم بتنفيذها مع التعديلات.


هشام حمدان: توسيع حركة اليونيفيل له أبعاد متصلة بالصراع الإقليمي القائم

ويتوقف حمدان عند موقف الصين وروسيا المتشدّد من استمرار دعم الجيش اللبناني، باعتبار أن ذلك سيسمح لدول عدة بأن تطلب زيادة النفقات، وذلك في وقت لا تسمح فيه الظروف الاقتصادية الدولية الراهنة بذلك، وكان هناك استجابة وتناغم بين الدول الأعضاء، وتوافق مع مطالب دائمة للولايات المتحدة بتقليص النفقات.

ويوضح أن مجلس الأمن كان طلب من "يونيفيل" اتخاذ تدابير مؤقتة وخاصة لمساعدة القوات المسلحة اللبنانية في الغذاء والوقود والأدوية والدعم اللوجستي لستّة أشهر، مع الإشارة إلى أن موقف الدول الغربية لا يعني أنها ستتوقف عن دعم الجيش، ولا سيما في ظل الظروف التي يمر بها لبنان.

توسيع حركة "يونيفيل" مرتبط بالصراع الإقليمي

من ناحية ثانية، يرى حمدان أن "توسيع حركة يونيفيل له أبعاد متصلة بالصراع الإقليمي القائم. ونحن نسمع كثيراً عن إمكانية حصول حرب في المنطقة، وبالتالي صدام ستكون يونيفيل داخله، وهذه الدول العظمى لا تقبل ولا تريد ولن تسمح بما يمسّ بمصلحة إسرائيل. من هنا سيكون هناك تشدد في التعامل مع انتشار المقاومة في منطقة الجنوب، الأمر الذي قد يدفع إلى إمكانية حصول صدام أولاً مع يونيفيل وثانياً مع الجيش".

ويعتبر حمدان أن "القرار بممارسة يونيفيل دورها من دون إذن يعني أنه يمنحها حق استخدام القوة أيضاً، الأمر الذي قد يتحقق. وفي حال حصوله، ونتج عنه صدام، فإن الدول المعنية ستكون ملزمة بدعم يونيفيل، وسيصبح العالم في مواجهة مع ما يسمى المقاومة".

ويلفت حمدان إلى أن "الحوادث في الجنوب ستأخذ ابعاداً أوسع، بعدما أصبح ليونيفيل غطاء سياسي دولي واضح، من هنا التحذير واضح لحزب الله بأن الصدام مع يونيفيل هو صدام مع المجتمع الدولي ككل". 

ويعتبر أن "هيبة ومصالح الدول الكبرى تفرض اتخاذ مثل هذا الموقف، باعتبار أن هناك قوات دولية منتشرة في أماكن أخرى في العالم. فإذا سمحت الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالاستهانة بهذه القوات في لبنان فسينسحب ذلك على الدول الأخرى".

ويلفت حمدان إلى أن هناك مصالح مشتركة في عدم السماح بالمساس بدور القوات الدولية، من دون أن ننسى أن قوات الطوارئ معظمها من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وعليه فإن هذا الأمر سيأخذ ابعاداً أوسع، وهذا تتم دراسته بشكل عميق لدى كل الأطراف المعنية في الصراع بالمنطقة.