لبنان: الحراك الحكومي يتجدّد مع بدء العد التنازلي لانتهاء ولاية الرئيس

18 أكتوبر 2022
تعويل على أن تحمل الأيام المقبلة انفراجة ما على الصعيد الحكومي (حسين بيضون)
+ الخط -

عاد المشهد الحكومي في لبنان إلى الواجهة من جديد، بعدما كانت الساحة السياسية منشغلة بملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وسط تعويلٍ على أن تحمل الأيام المقبلة انفراجة، خصوصاً مع بقاء أقلّ من أسبوعين على انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، في مهلة يرتبط حلولها بإقفال الباب نهائياً أمام تشكيل حكومة جديدة.

ومردّ الأجواء الإيجابية "الحذرة" لتأليف حكومة جديدة بالدرجة الأولى إلى ضغطٍ يمارسه "حزب الله" عبر قنواته السياسية ومفاوضيه باتجاه التشكيل، وتقريب المسافات بين رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية)، ورئيس الوزراء المكلَّف نجيب ميقاتي، فخلافاتهما وصراعهما على شكل الحكومة والتغييرات التي يجب أن تطاولها، وكيفية توزيع الحقائب الوزارية، من العوامل الأساسية المعرقلة، على حدِّ تعبير مصدر مقرّب من رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان (ضمن محور حزب الله وحلفائه) لـ"العربي الجديد".

ويشير المصدر إلى أن "المقعد الدرزي في الحكومة ليس السبب وراء عرقلة تشكيل الحكومة، رغم تمسك أرسلان بتسمية وزير المهجرين، فأصل الخلاف هو بين ميقاتي وباسيل، خصوصاً في ظل إصرار الرئيس المُكلَّف على منح حكومته الثقة من قبل كتلة باسيل النيابية، في وقتٍ يرفض الأخير حتى الساعة هذه الخطوة"، مضيفاً، أن "الخلاف أيضاً يندرج في إطار عدد الوزراء المراد تغييرهم على صعيد الحقائب والطوائف، في وقتٍ كان ميقاتي يفضّل إجراء تعديلات طفيفة على حكومته الحالية، ولكن عادت المطالب إما لتوسعة الحكومة أو تكبير دائرة الوزراء الموجودين في حكومة تصريف الأعمال المنوي تغييرهم".

ويلفت المصدر نفسه إلى أن "هناك جولة مشاورات سياسية على أعلى المستويات ستتم هذا الأسبوع، لإزالة العراقيل والسعي لتشكيل حكومة جديدة قبل انتهاء ولاية الرئيس عون، لتفادي فراغ شامل في ظل تحذيرات باسيل المتكررة من فوضى دستورية، ورفضه المطلق تسلّم حكومة نجيب ميقاتي التي هي بحال تصريف أعمال، صلاحيات رئيس الجمهورية".

وفي إطار المشاورات السياسية الحكومية، عُقد لقاء أمس الإثنين جمع بين أرسلان والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، كما جرى عرض للمستجدات الراهنة محلياً وإقليمياً، ومن المعروف دور اللواء إبراهيم، على صعيد الاستحقاقات الكبرى، في تقريب المسافات بين القوى المتباعدة، ومحاولة نقل المطالب، والبحث عن حلول ترضي الجميع، وتساهم في حل مقبول لدى الأطراف المعنية كلها.

ويُتّهم باسيل بتمسكه باختيار أسماء الوزراء ضمن حصّة فريقه السياسي، ومنهم حزبيون، وتوسعة تمثيله في الحكومة الجديدة ليكون من أصحاب القرار في المرحلة المقبلة خلال فترة الفراغ الرئاسي، مع العلم أن هناك تعويلاً على تليين مواقفه هذا الأسبوع، وتخفيض سقف شروطه، باعتبار أن بقاء الحكومة الراهنة بوزرائها الحاليين لا يصبّ في صالحه، رغم تلويح أوساطه بمواجهة ستحصل في حال انتهاء ولاية عون من دون تشكيل حكومة جديدة، قد تكون باستقالة وزرائه، وسيناريوهات أخرى قيد البحث، في الساعات القليلة الفاصلة عن 31 أكتوبر.

ماذا يقول الدستور؟

دستورياً، يقول الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدستوري وسام اللحام، لـ"العربي الجديد" إن حكومة تصريف الأعمال يمكن أن تتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية في حال عدم انتخاب خلف لعون، عملاً بمبدأ استمرارية المرافق العامة، ولكن لن يكون بيدها الكثير من المهام، سوى إصدار المراسيم بدلاً من رئيس الجمهورية، ولها أن تجتمع أيضاً، علماً أن عدم اجتماع حكومة تصريف الأعمال منطق ابتدعه السياسيون.

ويلفت اللحام إلى أن هناك مهلة حتى آخر الشهر لتأليف حكومة جديدة، وإلا تستلم حكومة تصريف الأعمال مهام رئيس الجمهورية، وفي حال تشكيلها، يمكن لمجلس النواب إعطاؤها الثقة، بعد أن تكون قد قدّمت بيانها الوزاري خلال شهر من تشكيلها.

ويشير اللحام إلى أن باسيل غير قادر على الوقوف بوجه حكومة تصريف الأعمال أو منعها من استلام صلاحيات رئيس الجمهورية، لكن يمكنه تسجيل اعتراضه من خلال استقالة وزرائه، إذ في حال استقال ما يزيد عن ثلث أعضائها (الحكومة الحالية مؤلفة من 24 وزيراً)، نكون بهذه الحالة أمام فراغ مطلق، وتفقد الحكومة إمكانية الاجتماع.

وكُلّف ميقاتي في 23 يونيو/حزيران الماضي بتشكيل حكومة جديدة، وقدّم تشكيلته الوزارية في 29 يونيو، والتي تمسك بها لفترة طويلة مع إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليها، في وقتٍ يكرر تأكيده مواصلة العمل بغض النظر عن شكل الحكومة، في رسالة لفريق باسيل السياسي.

هذا ويضغط المجتمع الدولي أيضاً باتجاه تشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات، حفاظاً على استمرارية المؤسسات، خصوصاً في حال الفراغ الرئاسي نظراً للملفات المنتظر استكمالها، على رأسها إتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، علماً أن الدعوات تصبّ بالدرجة الأولى في انتخاب رئيس للبلاد ضمن المهلة الدستورية.

وضمن مواقف له اليوم الثلاثاء، قال ميقاتي "إننا صامدون في خياراتنا للعبور بمواطنينا إلى ضفة الأمان، والنهوض معهم من الأزمات الحادّة التي تعصف ببلدنا الحبيب"، آملاً أن "يحمل الآتي من الأيام بوادر أمل للبنان وللبنانيين بالخروج من الأزمات الخانقة التي نمر بها، والانطلاق في عملية النهوض الذي يستحقه وطننا وشعبنا".

ويتحضّر مجلس النواب لجلسة ثالثة لانتخاب رئيس جديد للبلاد بعد غدٍ الخميس، وسط توقعات بتسجيل فشل آخر، خصوصاً في ظل غياب التوافق السياسي المسبق حول شخصية تتولى رئاسة الجمهورية، باعتبار أن المنصب محكوم تبعاً للنظام القائم بالتوافق، لا بنتائج اللعبة الديمقراطية.

المساهمون