لبنان على الخطّ السوري: الترسيم البحري يُؤجَّل وإعادة اللاجئين تسلك طريقها

25 أكتوبر 2022
يسابق عون الوقت لإنهاء ملفات يضعها في خانة إنجازات العهد (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

فيما يسابق الرئيس اللبناني ميشال عون الوقت لإنهاء ملفات يضعها في خانة إنجازات العهد المزدحم بالأزمات قبل انتهاء ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أتت الضربة سورياً، برفض استقبال الوفد اللبناني المكلف بحث الترسيم البحري الشمالي في دمشق غداً الأربعاء، بذريعة "الارتباطات المسبقة"، مع غمزٍ من قناة أن الجانب اللبناني تفرَّد بتحديد توقيت الزيارة وإعلانها.

وعلى خطّ الزيارة المرجأة إلى أجلٍ غير مسمّى، يُنشّط لبنان حدوده مع سورية، بهدف تنفيذ خطة إعادة اللاجئين السوريين "طوعاً"، رغم التحذيرات الدولية، رافعاً سقف هجومه على المنظمات المعنية، رافضاً ما يعتبرها ضغوطاً خارجية تمارس عليه لإبقائهم في أرضه.

واستقبل الرئيس عون، اليوم الثلاثاء، سفير النظام السوري لدى لبنان، علي عبد الكريم علي، في زيارةٍ وضعتها الرئاسة اللبنانية في خانة "الوداع لمناسبة انتهاء مهام علي الدبلوماسية في لبنان، كما ومنحه وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط أكبر، تقديراً لجهوده في تعزيز العلاقات اللبنانية – السورية وتطويرها في المجالات كافة".

ورداً على الكتاب الرسمي السوري الذي وصل إلى الخارجية اللبنانية أمس الاثنين، بتأجيل زيارة وفد لبنان برئاسة نائب رئيس البرلمان إلياس بو صعب لدمشق الأربعاء، لبحث ملف ترسيم الحدود البحرية الشمالية بين البلدين، قال علي عبد الكريم علي بعد لقائه عون: "اتصل الرئيس عون بالرئيس بشار الأسد قبل 4 أيام، واتُّصل بي، يومها كان هناك لبس في الاتصال، وتبلغت لاحقاً من بو صعب أن هناك تفكيراً بزيارة وفد يتشكل برئاسته دمشق بعد اتصال الرئيسين".

وأضاف: "قلت له: أرسلوا لنا كتاباً لأخاطب في وزارة الخارجية، وأنا سأتصل وأبلغهم أنكم سترسلون هذا الكتاب، تبلغت بالكتاب مساء الأحد، وذلك بشكل متأخر لأنه قيل بداية يوم الخميس، ثم عدل الموعد ليكون الأربعاء، فقلت لهم مع ذلك إننا نريد أن يكون هناك خطاب رسمي لكي يحدد الوزراء والمسؤولون في سورية المواعيد وفق برنامج مواعيدهم وارتباطاتهم، وبعدما وصل الكتاب متأخراً، ولم يكن قد تحدد أو نوقش الموعد، أعلن من لبنان أن الوفد سيتوجه الأربعاء، وبالتالي جاء الرد".

وأكد سفير النظام السوري أن "الموعد لم يلغَ، إنما قيل إنه يتفق عليه لاحقاً، لأنه بعدما ضرب الموعد يوم الأربعاء، كان البرنامج في سورية ممتلئاً والارتباطات مسبقة".

وسارعت أوساط الرئيس عون، أمس الاثنين، للتعليق على الكتاب السوري من بوابة وجود محاولات داخلية لبنانية لعرقلة الزيارة وإتمام الملف، موجهة أصابع الاتهام إلى أجهزة أمنية من دون أن تسمّيها، ما وضع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في خانة "المستهدفين"، بعد تسريب معلومات عن أنه رفض الذهاب مع الوفد اللبناني.

كذلك أُدخل الدائرة الاتهامية أيضاً قائد الجيش العماد جوزاف عون، وقد لوحِظ أن المؤسسة العسكرية لم تكن ممثلة في عداد الفريق المكلف، مع الإشارة إلى أن دور الجيش أُطيح في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل، بعدما كان متمسكاً بالخط 29، وتعديل المرسوم 6433 الذي يصحح حدود لبنان، ويمنحه مساحات بحرية إضافية، أكثر من تلك التي سينالها من خلال الاتفاق الذي تم أخيراً وفق الصيغة الأميركية.

ويُعدّ الاتفاق مع سورية وقبرص، بعد توقيع الاتفاقية الخميس مع إسرائيل في الناقورة جنوباً، مهماً جداً للبنان، لتصحيح خطأ ارتكبه المسؤولون اللبنانيون عام 2007، كلّف البلاد خسارة مساحات بحرية، وحكماً ثروات نفطية، ويُعتبر خطوة أساسية لإنهاء نزاع على البلوكات المتداخلة، ما يعبّد الطريق أمام الشركات الأجنبية لبدء نشاطاتها البترولية في لبنان.

ويقول الخبير النفطي ربيع ياغي لـ"العربي الجديد"، إن "ما يحصل اليوم ليس ترسيماً للحدود، بل تصحيح لخطأ وقع فيه المفاوض اللبناني عام 2007، عندما رسّم خط الفصل البحري بين لبنان وقبرص، وجرى التراجع جنوباً من الخط 23 إلى 1، وشمالاً من النقطة 7 إلى 6، ما خلق مناطق عازلة، أي "بافر زون"، حيث إن الإسرائيلي تمدد بالنقطة رقم 1، فعانى لبنان كثيراً لحين حصول الاتفاق أخيراً على الخط 23".

ويشير ياغي إلى أن "حدود لبنان يجب أن تنتهي بالنقطة رقم 7، لكن للأسف تراجع إلى النقطة رقم 6 بناءً على التوصيات القبرصية، ما خلق مساحة بحدود 750 كيلومتراً مربعاً، ودفع السوريين إلى ترسيم البلوكات انطلاقاً من النقطة التي اعتمدها لبنان، أي 6، من هنا ضرورة تصحيح الخطأ الذي يتحمله الجانب اللبناني نتيجة قلة الخبرة وسوء الإدارة".

تجدر الإشارة إلى أن سورية، التي رفضت الترسيم الذي أودعه لبنان الأمم المتحدة عام 2011، وتقدمت بشكوى ضده عام 2014، وقّعت عقداً قبل أكثر من عام مع شركة كابيتال الروسية للتنقيب عن النفط والغاز، قبل حلّ النزاع، ورغم وجود تداخل على مستوى البلوكات، من دون أن يتحرك الجانب اللبناني.

لبنان ينفذ خطة إعادة اللاجئين السوريين طوعاً ويهاجم المنظمات الدولية

على الخطّ اللبناني السوري أيضاً، يبدأ لبنان تنفيذ خطة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، التي وضعتها منظمات دولية في خانة الترحيل القسري غير الآمن، وقد أعلن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم اليوم، أن "العدد الرسمي للاجئين السوريين في لبنان هو مليونان و80 ألف لاجئ، كذلك أُعيد 540 ألف لاجئ ضمن العودة الطوعية التي انطلقت عام 2017"، مشيراً إلى أن "42 في المائة من مجموع السجناء في لبنان هم من الجنسيات السورية، ما يشكل ضغطاً إضافياً على لبنان".

وشنّ اللواء إبراهيم هجوماً على المنظمات الدولية التي وصف بعضها بـ"اللاإنسانية"، ملمحاً إلى وجود ضغوطات دولية لإبقاء اللاجئين في لبنان، وهو ما لن يُرضَخ له، مؤكداً أننا نتعامل مع الملف على أنه واجب وطني وقومي بالدرجة الأولى.

وقال اللواء إبراهيم إن "لبنان يرفض طريقة التعاطي التي تتم معه من قبل الكثيرين، وعلى رأسهم منظمات إنسانية، وهناك منظمات تدّعي الإنسانية، تحاول أن تملي علينا إرادتها وكيفية التعاطي مع الملف وعودة الأخوة السوريين إلى سورية، ولا أعتقد أن هناك منظمة أحرص منا وأكثر إنسانية منا في التعاطي مع الملف".

وانتقد اللواء إبراهيم بيانات صادرة عن منظمات دولية تعنى باللاجئين، التي تتحدث عن إجبار لبنان اللاجئين على العودة، واضعاً الكلام في إطار "إنشائي عربي غير مفهوم"، مشيراً إلى أن "العودة الطوعية تعني أن يقرر النازح بنفسه ساعة وتوقيت العودة، والدليل أن هناك 17 مركز تسجيل للعودة الطوعية يمكن اللجوء إليها للراغبين في العودة"، لافتاً إلى أنه لو أراد لبنان إجبار اللاجئين على العودة، لما اقتصر عدد العائدين على 540 ألفاً، بينما هناك أكثر من مليوني لاجئ على الأراضي اللبنانية.

وتوقف اللواء إبراهيم عند التقارير الدولية التي تحدثت عن تعرض لاجئين سوريين لدى عودتهم للاعتقال والسجن والتعذيب، مشيراً إلى أننا طلبنا الحصول على أسماء لنعالج ملفات هؤلاء بعد الحديث مع الجهات السورية ولم نحصل عليها، مشدداً على أننا مستمرون بالخطة، ولن نرضخ للضغوط.

طريق تشكيل الحكومة الجديدة لا تزال غير سالكة

على الصعيد الحكومي، عقد الرئيس عون اليوم لقاءً مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بحث فيه الأوضاع العامة ومسألة تشكيل الحكومة، ولوِّح إلى أنه قد يكون الاجتماع الأخير، في ظل عدم التوافق حتى الساعة على التشكيلة الوزارية، علماً أن اللواء إبراهيم أشار، خلال مؤتمره الصحافي، إلى أن المساعي مستمرة حتى اللحظة الأخيرة لمحاولة تشكيل حكومة قبل انتهاء ولاية عون.

وعزز "السيناريو السلبي"، إجابة ميقاتي عن السؤال: "هل ما زال ينوي المبيت في قصر بعبدا حتى تشكيل الحكومة؟"، بالقول: "نقلوا كل شيء إلى الرابية (مقر إقامة عون بعد انتهاء عهده). ما في محل نام"، في موقف فُسِّر وكأنه اللقاء الأخير بين الرئيسين، مع الإشارة إلى أن فريق عون السياسي، يتقدمهم صهره النائب جبران باسيل، يرفض تسليم صلاحيات رئاسة الجمهورية لحكومة تصريف الأعمال، ويلوّح باللجوء إلى وسائل عدة لقطع الطريق عليها.

في المقابل، أشار الرئيس اللبناني في دردشة مع الإعلاميين إلى أن "تطبيق معايير واحدة في تشكيل الحكومة، هو المدخل الصحيح لإنتاج حكومة فاعلة وقادرة على إدارة شؤون البلاد".

وقال إن "ما يجري حالياً في تشكيل الحكومة يناقض مبدأ وحدة المعايير، فالجهات المشاركة في الحكومة تسمّي هي وزراءها، وعندما يأتي دور التيار الوطني الحر (يرأسه باسيل)، في عملية التسمية، يصار إلى التمسك بالتدخل واختيار الوزراء وليس الجهة السياسية المعنية، وهذا أمر غير طبيعي ولا يمكن القبول به. فعندما يريد كل فريق أن يختار وزراءه، على الآخرين أن يقبلوا باعتماد معيار واحد للجميع وعدم الاعتراض".

وعن صلاحيات الحكومة الحالية إذا حصل شغور رئاسي، أوضح رئيس الجمهورية أن "الحكومة ستكون منتقصة الصلاحيات، وبالتالي لا يمكن أن تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة".

وقال إن "حل الأمور بسيط جداً، وقد طلبنا من الرئيس ميقاتي اليوم أن يساوي الجميع في عملية التشكيل، وأن يعود مساء إلى قصر بعبدا لإصدار المراسيم".