لبنان: التحقيقات بمقتل الجندي الأيرلندي مستمرة.. وحزب الله يصوّب على "انتهاكات" يونيفيل

20 ديسمبر 2022
مراسم إعادة الجندي الأيرلندي شون روني في مطار بيروت، 18 ديسمبر 2022 (فرانس برس)
+ الخط -


تتواصل التحقيقات "السرية" بمصرع جندي حفظ السلام الأيرلندي شون روني، الذي قتل ليل الأربعاء الخميس، في حادث وقع في العاقبية، جنوبي لبنان، في وقت تحدثت مصادر "حزب الله" عن جريح لبناني تعرّض للدعس قبل إطلاق النار على الحافلة المدرّعة التابعة لـ"يونيفيل".

وقُتل جندي حفظ السلام شون روني (24 عاماً)، في وقتٍ متأخر من ليل الأربعاء، وأصيب ثلاثة آخرون في حادث وقع في العاقبية، خارج منطقة عمليات اليونيفيل في الجنوب، ولا تزال تفاصيل الحادث متضاربة، بينما تتولى التحقيقات الجهات الأمنية اللبنانية والأيرلندية ويونيفيل، ولم تسجل أية توقيفات في القضية حتى الساعة، بحسب ما أكد مصدرٌ مسؤولٌ في مخابرات الجيش اللبناني لـ"العربي الجديد".

تحقيقات سرّية مستمرة

لفت الناطق الرسمي باسم اليونيفيل أندريا تيننتي لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التحقيق مستمرّ في حادث العاقبية ونحتاج لحماية التحقيقات، ولا يمكننا استباق النتائج، وحتى الآن ليس لدينا أي معلومات أخرى يمكننا تقديمها إلى وسائل الإعلام".

وأشار تيننتي إلى أن "حالة الجرحى من جنود حفظ السلام مستقرّة، وأنشطتنا على الأرض مستمرّة كما كانت من قبل"، لافتاً، إلى أن "الوضع في الجنوب هادئ، ونحن نواصل أعمالنا اليومية على مدار الساعة بالتنسيق مع الجيش اللبناني".

بدوره، قال مصدر مسؤول في مخابرات الجيش اللبناني لـ"العربي الجديد"، إن "التحقيقات مستمرّة وسرية، ولا تطوّر بارز فيها حتى اللحظة، ولم يُصر بعد إلى توقيف أي شخص لاتصاله بالحادثة أو تُحدَّد الجهة الفاعلة"، لافتاً، إلى أن "التنسيق مع اليونيفيل مستمر، والدوريات تسير جنوباً حفاظاً على الأمن والاستقرار".

وأشار المصدر إلى أن "الإشكالات تتكرر في الفترة الأخيرة بين قوات اليونيفيل وأهالي مناطق جنوبية، بيد أن هذه الحادثة هي الأخطر، كونها أدت إلى مصرع أحد جنود حفظ السلام، وسط استنكارات دولية واسعة، من هنا التحقيقات دقيقة جداً ومتعدّدة الجهات، ليس فقط الجانب اللبناني هو من يتولّاها، وأقوال الشهود استُمع إليها، وكل معتد سيُحاسَب".

وتعرضت "يونيفيل" خلال هذه السنة لأكثر من 26 حادثة، قيدت حركتها، وهناك 4 أخرى تعرّضت لها هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة، "يونتسو"، وفق ما أكده مصدر بقوات حفظ السلام في لبنان لـ"العربي الجديد"، ووقعت تلك الحوادث في مناطق جنوبية، تعد معاقل لـ"حزب الله" أو محسوبة عليه.

وزادت الأنظار الموجهة إلى الجنوب، خصوصاً، بعد تجديد مجلس الأمن، في 31 أغسطس/آب الماضي، تفويض قوات اليونيفيل لمدة سنة واحدة، مع منحها حرية الحركة للاضطلاع بمهامها من دون تنسيق مسبق مع الجيش اللبناني، الأمر الذي رفع من امتعاض "حزب الله" وتنديده بالتعديلات التي أدرجت.

حزب الله يصوّب على "يونيفيل": تخرق المعايير

بدوره، قال عضو كتلة "حزب الله" البرلمانية "الوفاء للمقاومة" حسين جشي، لـ"العربي الجديد"، إن "الثابت حتى الساعة هو أن مواطناً تعرّض للدعس (أصيب بكسور وجروح)، قبل أن يصار إلى إطلاق النار على الآلية ويُقتل الجندي الأيرلندي، وبالتالي، فإن ردة فعل حصلت بناءً على فعلٍ، بغض النظر عما إذا كانت الخطوة الثانية مقبولة أم لا، وهي بالنسبة إلينا غير متناسبة أبداً وغير مقبولة".

وأشار جشي إلى أن "الحادثة حتماً تحتاج إلى تحقيق شفاف وجدي يظهر المسؤولين ويحاسبهم، وحزب الله لا دخل له بما حصل، ولا يتدخل في التحقيقات أو يؤمن حماية لأحد بانتظار النتائج وكشف جميع الملابسات".

من ناحية ثانية، لفت جشي إلى أن "اليونيفيل كانت خارج منطقة عملياتها ويفترض بها استلام طريق الأوتوستراد، وهناك حساسيات موجودة من جانب الأهالي، خصوصاً أن القوات الدولية تقوم أيضاً بالتصوير، وبغض النظر عمّا إذا كانت خطوتها بريئة أم لا، فإن ذلك أيضاً يولّد ردة فعل، عدا عن أن هناك مشكلة أخرى تكمن في حركتها التي تحصل من دون وجود الجيش اللبناني، وهذه معايير لا تراعى من جانب اليونيفيل".

ويشير النائب عن الجنوب، إلى أن "عناصر اليونيفيل بالآلاف، وحركتهم يومية وكبيرة، ولا نسمع بمشاكل يومية، لكن طبيعي عندما تدخل القوات الدولية أحياء داخلية وخارج نطاقها، أن تخلق توترات وصدامات مع الأهالي".

من جهته، يقول النائب فراس حمدان، من تكتل التغييريين، لـ"العربي الجديد"، إن "حماية جنوب لبنان واجب وطني، ويجب احترام جميع الاتفاقات الدولية، ومن واجب الدولة اللبنانية والحكومة حماية عمل اليونيفيل، التي تقوم بجهود للحفاظ على الاستقرار في منطقة عملياتها على امتداد عقودٍ، وكذلك أمن السكان والأهالي".

ويشير حمدان، النائب عن الجنوب، إلى أن "رهاننا اليوم على الجيش والأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة لحماية الجنوب وعمل قوات حفظ السلام وطواقمها، ونأمل أن يكون التحقيق شفافاً وجدياً لكشف ملابسات الحادثة، ومحاسبة المرتكبين والمسؤولين عمّا حدث".

في السياق، يقول الناشط السياسي علي خليفة لـ"العربي الجديد"، إنه في حال كان الحادث مقصوداً ومفتعلاً، فهذا أمرٌ مريبٌ، لأنه يظهر أن هناك مساحة جغرافية خارجة بالكامل عن سلطة الأجهزة الأمنية وأدوار الدولة بالدفاع والأمن، ويهدد وجود لبنان ضمن النظام العالمي بخروجه عن المواثيق الدولية التي يلتزم بها، وفي حال كان غير مقصودٍ وأتى نتيجة ردة فعل، فهذا مستهجنٌ أيضاً، كونه يظهر تفلّت السلاح الكبير، وتخلي الدولة كذلك عن أدوارها.

ويشير خليفة إلى أن أخطر ما حدث في هذه الحادثة مقارنة مع الحوادث الأخرى، هو وفاة الجندي الأيرلندي، ما يخلق امتعاضاً دولياً، ويوجه الأنظار إلى الجهات الدولية التي ما عادت تنظر بعين الرضا للذي يحصل في لبنان.

وبغض النظر عن جميع السيناريوهات، يقول خليفة، إن ما يجري يعكس بمكانٍ ما إرادة للتصعيد عند حزب الله والبيئة التي يعمل فيها، والتي له مساحة كبيرة من التماهي فيها على صعيد المجتمع الأهلي، وذلك بوجه الوظائف المستجدة لليونيفيل، لافتاً إلى أنه قد لا تحصل ردات فعل آنية من جانب الجهات الدولية، لكن قد نرى تغييرات أو تحوّلات في مرحلة لاحقة، عندما نصل إلى استحقاق التجديد لـ"اليونيفيل".

البطريرك الماروني: سلاح غير شرعي

ومن خارج دائرة الاستنكارات السياسية، فإن التعليق الأبرز على الحادثة، أتى على لسان البطريرك الماروني بشارة الراعي، بقوله في عظة الأحد، إن "الأوان، قد حان، لا بل حلّ من زمان، لأن تضع الدولة يدها على كل سلاح متفلت وغير شرعي، وتطبق القرار 1701، لأن تطبيقه حتى الآن هو انتقائيّ واعتباطيّ ومُقيّد بقرار قوى الأمر الواقع، فيما الدولة تعضُّ على جُرحها، وعلى تقييد قدراتها لصالح غيرها".

ومما ينص عليه القرار 1701، الصادر عن مجلس الأمن في عام 2006، إيجاد منطقة خالية من السلاح بين حدود لبنان الجنوبية مع إسرائيل (الخط الأزرق) ونهر الليطاني باستثناء التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات اليونيفيل. ويدعو للتطبيق الكامل لبنود اتفاق الطائف، والقرارين 1559 و1680، بما فيها تجريد كل الجماعات اللبنانية من سلاحها، وعدم وجود قوات أجنبية إلا بموافقة الحكومة.

وفي مقابل تعهدات المسؤولين اللبنانيين بإجراء تحقيقات شفافة وعادلة، لمحاسبة المرتكبين، هناك تشكيك شعبي واسع بـ"جلاء الحقيقة"، تبعاً لتجارب التحقيقات الكثيرة المليئة بالعيوب، المتصلة بجميع الجرائم والحوادث ذات الطابع أو الحساسية السياسية، التي تبقى بلا مساءلة وعقاب.

المساهمون