خلت العاصمة وغالبية المدن الجزائرية من مسيرات الحراك الشعبي، الجمعة، إذ أبقت السلطات على انتشار للتعزيزات الأمنية في العاصمة، بعد قرار وزارة الداخلية منع المسيرات غير المرخصة، الذي صدر في 9 مايو/أيار الماضي، لكن مدن منطقة القبائل استمرت في احتضان مظاهرات الحراك الشعبي.
ولم تخرج مظاهرات الحراك للأسبوع السادس على التوالي في العاصمة، بسبب استمرار السلطات في فرض تشديد أمني لافت على أكبر شوارع وساحات العاصمة الجزائرية، كساحة البريد المركزي وساحة أودان، إذ ما زال الانتشار الأمني مركزاً ويشمل المساجد الكبرى وحي باب الواد الشعبي.
وتحسبت السلطات الجزائرية لإمكانية أن تباغت بمظاهرات جديدة، خاصة في أول جمعة تعقب الانتخابات النيابية المبكرة، التي جرت السبت الماضي، ونتائجها المثيرة للجدل، بعدما نجحت أحزاب الموالاة التي ثار ضدها الحراك الشعبي منذ فبراير/شباط 2019، في العودة إلى المشهد عبر هذه الانتخابات، وهو ما فسر على أنه تحدٍ للحراك ومكوناته وإحباط لمطلب التغيير السياسي.
ولجأ الناشطون في بعض المدن إلى تنظيم وقفات رمزية للتأكيد على استمرار الحراك الشعبي، على غرار وقفة للناشطين في ولاية ميلة شرقي الجزائر، وتيارت غربي الجزائر.
وبخلاف العاصمة ومجموع المدن الجزائرية، استمرت مدن منطقة القبائل (ذات الغالبية من السكان الأمازيغ)، التي مُنع فيها السكان المحليون من إجراء الانتخابات السبت الماضي، وخرجت مظاهرة حاشدة وسط مدينة تيزي وزو، تجنبت الشرطة التدخل لفضها، رغم قرار وزارة الداخلية منع المظاهرات، وردد المتظاهرون خلالها شعارات سياسية مناوئة للسلطة، ورُفعت فيها صور الناشطين المعتقلين، ولافتات تطالب بالإفراج الفوري عنهم، واعتبر المتظاهرون أن النواب الذين أعلن انتخابهم في البرلمان الجديد لا يمثلون السكان والولاية.
وفي مدينة بجاية جابت مسيرة شعبية شوارع المدينة، شارك فيها الآلاف، رُفعت فيها شعارات تطالب بدولة مدنية وتغيير ديمقراطي حقيقي في الجزائر، ورُفعت خلال المظاهرات لافتات تشدد على رفض الاعتراف بالسلطة السياسية وبشرعية الرئيس عبد المجيد تبون وبالدستور الجديد، وكذا بشرعية البرلمان الجديد، وتمت المطالبة برفع التضييق على الحريات وتحرير العدالة والصحافة والإعلام من القيود المفروضة عليها.
ويطرح استمرار المظاهرات فقط في مدن منطقة القبائل، أسئلة حول الدوافع التي تقف وراء تجنب السلطة التدخل لمنع المظاهرات في مدن المنطقة، أسوة بباقي المدن، وما إذا كانت السلطة بصدد تجنب الصدام والمواجهة مع سكان المنطقة، أخذاً بعين الاعتبار الخصوصيات المجتمعية للمنطقة من جهة، وطبيعتها كمنطقة متمردة تاريخياً وسياسياً على السلطة.
ويفسر بعض المتابعين والفاعلين استمرار مظاهرات الحراك حصراً في منطقة القبائل، بوجود حالة حذر لافت لدى السلطة من انفجار الوضع وإمكانية التحاق الولايات الأخرى بالاحتجاج، في حالة حدوث مواجهات مباشرة إذا حاولت توقيف الحراك في بجاية وتيزي بالقوة، وقال الناشط السياسي بلال كوردي لـ"العربي الجديد": "أظن أننا أمام ظاهرة استثنائية، إصرار منطقة القبائل على حراك الميادين موقف يحمل كل صروف التناسق مع تراكمية تاريخية من المدافعة السياسية، والوعي الجمعي. وانسجام تام مع الظاهرة الحراكية وتفاعل صحي بمواقف ثابتة، لذلك فإن استمرار المظاهرات في هذه المنطقة تحصيل حاصل وهي تفصيل صغير لكنه مهم ضمن موقف كلي ثابت ضمن نضالات المنطقة".