كيف يجري تهريب الذهب من غزة إلى مصر؟

26 أكتوبر 2020
أحد أهم العوائق يبقى نشاط القوات الفلسطينية (سعيد خطيب/فرانس برس)
+ الخط -

كثرت في الآونة الأخيرة محاولات تهريب الذهب من قطاع غزة إلى مصر، عبر الحدود الفاصلة بين رفح الفلسطينية والمصرية، إذ نجح الأمن الفلسطيني في ضبط بعض المحاولات. وفي ظلّ تهجير الجيش المصري كل سكان مدينة رفح، الملاصقة للحدود مع غزة، كان سبيل المهربين لنجاح عملياتهم الاعتماد على عمال الجدار الحدودي الجديد الذي بدأت مصر في إقامته قبل عام تقريباً، وكذلك بعض العاملين على الحدود، مقابل مبالغ مالية، نظراً إلى الأرباح التي يجنيها المهرّبون من وراء هذه التجارة.
وفي ظل إغلاق معبر رفح البري بين مصر وغزة، بسبب ظروف جائحة كورونا منذ مارس/آذار الماضي، وتشغيله مرات قليلة، اضطر المهربون إلى سلوك طريق التهريب عبر الحدود، بالإضافة إلى توقف تصدير الذهب من قطاع غزة إلى الضفة الغربية أو الأردن بسبب إغلاق معبر بيت حانون (إيرز)، الذي يفصل بين قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي. ووصل الفارق بين سعر الذهب في كل من غزة ومصر في الكيلو الواحد إلى 10 آلاف دولار أميركي على الأقل، أي ما يعادل أكثر من 150000 جنيه مصري. مع الإشارة إلى أن تهريب الذهب من غزة إلى مصر وبالعكس تجارة رائجة منذ سنوات طويلة. وتبعاً لأسعار الذهب بين البلدين يكون اتجاه التهريب.

تهريب الذهب من غزة إلى مصر وبالعكس تجارة رائجة منذ سنوات طويلة

وكان جهاز مباحث مدينة رفح الفلسطينية قد أعلن، قبل أسابيع، إحباط تهريب 2343 غراماً من الذهب عبر الحدود المصرية. وجاء في بيان أن دائرة مباحث التموين – قسم مباحث الذهب في محافظة رفح جنوب قطاع غزة أحبطت، بالاشتراك مع قوات الأمن الوطني، عملية تهريب كمية من الذهب، بلغت 2343 غراماً، يُقدّر ثمنها بـ106 آلاف دولار أميركي. وأوضح قسم مباحث الذهب بمحافظة رفح أن عناصره تمكّنوا من ضبط أحد المهربين (29 سنة) من سكان محافظة رفح لدى محاولته تهريب الذهب عبر الحدود المصرية. وبيّن أنه خلال التحقيقات معه اعترف بأنه حصل عليه من مهرب آخر من سكان مدينة رفح، لافتاً إلى متابعة التحقيقات وصولاً إلى التاجر الأساسي من سكان محافظة غزة. وأشار إلى إحالة ملف القضية والمشتبه فيهما إلى مفتش التحقيق لاستكمال الإجراءات القانونية اللازمة بحقهما.

وفي 13 أغسطس/ آب الماضي، أعلنت وزارة الاقتصاد الوطني في غزة، في بيان، أنها قامت بضبط 3.5 كيلوغرامات من الذهب في معبر رفح البري مع أحد المسافرين، بالتعاون والتنسيق مع دائرة الجمارك في المعبر. وقال المدير العام لمديرية دمغ ومراقبة المعادن الثمينة بالوزارة جمال مطر إن إدارة معبر رفح البري أبلغت المديرية بوجود كميات كبيرة من الذهب مع أحد المسافرين، مبيناً أنه تم ضبط 3.5 كيلوغرامات من الذهب، وتحويل الكميات لدائرة المختبرات بالمديرية لإجراء الفحوص اللازمة والتأكد من أن الكميات مدموغة بالدمغة الرسمية، ومن أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة. وأشار إلى أن الكميات المسموح إخراجها للمسافرين من الذهب عبر معبر رفح البري هي 200 غرام فقط، وأن أي كميات أكثر من الكمية المذكورة تعتبر عملية تهريب.

ويمثل هذا التصريح المنسوب للأمن في غزة الإعلان الأول عن تهريب ذهب عبر الحدود بين القطاع وسيناء. وكانت قد سبقه تصريحات فلسطينية أخرى حول إحباط محاولات تهريب ذهب عبر معبر رفح البري، وكذلك تصريحات مصرية بذات الخصوص من الجانب الآخر للمعبر، خلال الفترة الماضية. وفي تفاصيل عمليات التهريب، قالت مصادر قبلية من سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن التهريب على الحدود لم يتوقف، سواء كان عبر المدنيين أو العسكريين، وفي كل فترة نسمع عن إحباط محاولات تهريب من الجانبين. وأوضحت أنه في الوقت الحالي لا يمكن لأي شخص مهما كان دخول رفح، أو الوصول إلى الحدود مع غزة، سوى قوات حرس الحدود، وبعض الجهات الأمنية الأخرى، والفرق الهندسية والعمال في مشروع الجدار الجديد الذي يجرى تشييده على الحدود، وعددهم بالمئات.

التهريب على الحدود لم يتوقف، سواء كان عبر المدنيين أو العسكريين

وأوضحت المصادر أنه في الفترة الأخيرة شهدت الحدود البرية والبحرية بين قطاع غزة وسيناء عمليات تهريب كبيرة للذهب، نظراً إلى فارق السعر بين البلدين. وكانت أبرز وجوه التهريب عبر البر من خلال الحدود الفاصلة، ومعبر رفح، ومن خلال البحر عبر مهربين متخصصين في هذا المجال. إلا أنه ومع إغلاق معبر رفح غالبية الوقت، منذ مارس/ آذار الماضي، لجأ المهربون إلى طريق الحدود البرية عبر الجدار، والبحرية، وفي كلا الحالتين يحتاج المهربون إلى تسهيلات من الجهات الأمنية، سواء حرس الحدود أو البحرية المصرية لاستلام الذهب من المهرب الفلسطيني إلى المصري، خصوصاً في ظل التشديدات الأخيرة على الحدود، من قبيل إنشاء جدار إسمنتي وآخر حديدي، مع شبكات إنارة كبيرة، ووضع كاميرات مراقبة، وأجهزة استشعار، ما يبقي الثغرة الوحيدة في هذه التشديدات بيد عمال الجدار نفسه، أو ضباط وجنود حرس الحدود الذين هم على احتكاك مباشر مع الحدود الفلسطينية.

وبعد أيام من البحث والتواصل، تمكّن مراسل "العربي الجديد" من الحديث إلى أحد مهربي الذهب في الجانب الفلسطيني من الحدود، والذي أشار إلى أن التهريب يتم لسبائك الذهب، بدون مصنعية، وهي أفضل للتجار في الجانبين، من حيث البيع والشراء وإعادة التصنيع. وقد بلغ أكبر فارق للسعر بين الجانبين 14000 دولار أميركي، أي ما يقارب 221000 جنيه، في حين أن أقل عملية تهريب تشمل ما لا يقل عن 10 كيلوغرامات من الذهب، أي ما يفوق 2 مليون جنيه. وأشار إلى أن طرق التهريب تتم عبر سائقي شاحنات توريد البضائع لغزة، أو من خلال عمال الجدار الحدودي، أو النقل عبر البحر، وكل هذا يتم بتنسيق دقيق بين المهربين في الجانبين. وأوضح أن عمليات التهريب تتم لكميات كبيرة، نظراً إلى الخطورة التي تكتنف العملية، وحاجتها إلى إجراء تنسيق على مدار اللحظة، وكذلك اختيار أوقات معينة لإيجاد تغطية من بعض الجهات الأمنية العاملة على الحدود، وساعات العمل طبقاً للحالة الجوية التي قد تكون مساعدة على التهريب.

ورغم أن المهرب لم يفصح عن خبايا عمليات التهريب، إلا أنه أشار إلى تحين فرص تتعلق بالظروف الجوية، أو الأمنية، أو الفنية، التي قد تشهدها الحدود، وفي حال عدم توافر هذه الفرصة يتم صناعتها من خلال التواصل من الجانب المصري مع عدد من العاملين على الحدود، سواء في الجهات الأمنية أو المدنية. وأوضح أن أحد أهم العوائق يبقى النشاط الأمني البارز للقوات العسكرية الفلسطينية على الحدود، والتي لديها تعليمات صارمة بمنع أي تحرك لأفراد داخل المنطقة الفاصلة في الحدود بين سيناء وغزة، باعتبارها منطقة عسكرية مغلقة. وكان قد جرى تشديد الإجراءات قبل ثلاث سنوات، وفق تفاهمات جرت بين المخابرات المصرية، وقيادة حركة "حماس"، والأجهزة الأمنية بغزة، بعد زيارة لقائدها اللواء توفيق أبو نعيم الذي مكث في القاهرة عدة أسابيع قبل الشروع في تحسين بيئة الحدود من ناحية التدقيق والمتابعة على عكس السنوات السابقة لتلك التفاهمات.

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون