"نيويورك تايمز": كيف ساهمت شبكات تجسس أنشأها مدنيون في استعادة مدينة خيرسون الأوكرانية؟

26 ديسمبر 2022
استثمر بوتين الكثير من المال والقوة في خيرسون (Getty)
+ الخط -

منذ الأيام الأولى للحرب في أوكرانيا، تم الاستيلاء على مدينة خيرسون، حيث أعلن المسؤولون الروس أن المدينة الواقعة على مصب نهر دنيبرو بالقرب من البحر الأسود، أصبحت جزءاً أبدياً من روسيا. لم يمض إلا وقت قليل، قبل أن تقوم الحكومة الجديدة في المحافظة بقيادة المسؤولين العسكريين الروس، بإنزال الأعلام الأوكرانية وبدء التداول بالعملة الروسية، التي سيتم نقل صناديق محملة بها إلى المدينة الجديدة. ووصل الأمر إلى نقل عائلات روسية وتأهيلها في المكان.

كما يقول تقرير مطول نشرته صحيفة نيويورك تايمز، فإن الزعيم الروسي فلاديمير بوتين استثمر الكثير من المال والقوة في خيرسون كما لم يفعل ربما في أي مكان آخر في أوكرانيا، من أجل إخضاع المدينة لسلطته وشراء ولاء سكانها، غير أن سياساته، كما يقترح التقرير، لم تنجح. لقد شكل المواطنون العاديون مجموعات تجسس فريدة من نوعها، شملت المتقاعدين والطلاب والميكانيكيين والجدات، وحتى زوجين ثريين علقا في المدينة بينما كانا يقومان بإصلاح اليخت الخاص بهما. لقد كان المشهد، كما تصفه "ذا تايمز"، كأنه مأخوذ من فيلم تجسس.

قام هؤلاء بتصوير مقاطع فيديو سرية للقوات الروسية وأرسلوها إلى القوات الأوكرانية مع إحداثيات المواقع، كما استخدموا أسماء مشفرة وكلمات مرور لتوزيع الأسلحة والمتفجرات، حتى أن البعض منهم شكلوا فرق هجوم صغيرة لاستهداف الجنود الروس في الليل، وهو ما نشر الخوف والشك في أوساطهم.

القصة من أولها

في 24 فبراير/شباط، اليوم الأول للغزو، تدفق آلاف الجنود الروس إلى خيرسون التي كان عدد سكانها حوالي 300 ألف قبل الحرب. كما هو الحال في العديد من المدن الأوكرانية الأخرى، تجمع السكان المحليون، وبعضهم من ذوي الخبرة العسكرية، ليشكلوا معاً مجموعة تُعرف باسم قوة الدفاع الإقليمية لمحاولة صد جيش موسكو.

كان لديهم القليل من الأسلحة، معظمهم كانت لديهم فقط بعض بنادق الصيد القديمة. والأسوأ من ذلك، يروي التقرير، فقد كان الجيش الأوكراني قد اتخذ قراراً استراتيجياً بالانسحاب من خيرسون، تاركاً المقاتلين المحليين بمفردهم. وبعد أيام، حاولت المجموعة نصب كمين لطابور روسي لكنها فشلت فشلاً ذريعاً، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 18 من أفراد المجموعة. بعد ذلك، غيرت مقاومة خيرسون تكتيكاتها، وتوجهت نحو العمل السري. 

بدأ أفراد من المجموعة ومدنيون آخرون بالتجسس على القوات الروسية في المدينة. شجعت خدمات الأمن الأوكرانية على ذلك. وفي غضون أيام من اندلاع الحرب، أنشأت قنوات خاصة على "تليغرام" وتطبيقات المراسلة الأخرى، لتوجيه النصائح الاستراتيجية.

كما يقول بعض هؤلاء السكان لمعدي التقرير، فإن القوات الأوكرانية تلقت بشكل يومي العشرات من مقاطع الفيديو والملفات الصوتية والنصوص التي تتعقب مواقع القوات الروسية التي تتحرك عبر المدينة، بما في ذلك معلومات عن عددها ونوع المركبات التي كانوا يستخدمونها واتجاه سفرهم. ومع أن هذا الدور كان خطيراً للغاية، فإن عدداً كبيراً من الناس كانوا على استعداد للقيام به.

حسب الشهادات نفسها، فإن الأمور تطورت في الأسابيع القليلة التالية، حيث طلب القادة العسكريون الأوكرانيون وعملاء المخابرات المتمركزون خارج المدينة من المدنيين الذين يثقون بهم أن يفعلوا المزيد.

كانت الحياة تزداد صعوبة في المدينة، حيث بدأ الطعام ينفد. تم إغلاق المتاجر، وخسر العديدون أعمالهم، وتم تداول قصص عديدة عن مدنيين يُجرون إلى غرف التعذيب ويتعرضون للصعق بالصدمات الكهربائية والضرب المبرح. لكن السكان، كما تروي الصحيفة، ظلوا يجدون سبلاً للمقاومة.

انخرط آخرون بدور أكبر. لقد بدأوا بتلقي رسائل مشفرة حول الأسلحة. كانت الرسائل مشفرة، تتكون من رموز ومواقع وكلمة مرور. كانت وظيفة هؤلاء نقل البنادق والرصاص والقنابل اليدوية من مكان إلى آخر. وحسب المقابلات التي أجرتها الصحيفة، فقد انتقلت الأسلحة من مدني إلى مدني. في نهاية المطاف، تم تسليمها إلى أفراد الأمن الأوكرانيين السريين الذين تسللوا بهدوء إلى خيرسون أو إلى أفراد قوة الدفاع الإقليمية السرية.

يقول أولكسندر سامويلينكو، رئيس المجلس الإقليمي لخيرسون، الذي ساعد في تنسيق النشاط الحربي من خارج المدينة: "تم بناء النظام مثل حلقات في سلسلة"، "لم يعرف أي شخص الحلقة التالية، لذلك إذا تم إلقاء القبض على شخص ما، فلن يؤثر ذلك على العملية برمتها".

وعندما انسحب الجيش الروسي بشكل سريع في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، تحولت المدينة من منطقة منكوبة إلى واحدة من القصص التي أحرجت الجيش الروسي، كما صارت رمزاً للأمل بالنسبة للأوكرانيين الذين يواجهون البؤس والموت. فالآن، وبعدما اختفت القوات الروسية، صار الناس يشعرون بالحرية للتحدث عما فعلوه وربما التباهي به قليلاً.