تتسع يوماً بعد يوم، أزمة الثقة بين المجتمع الإسرائيلي وحكومة الاحتلال، في ظل تخبط الأخيرة ومساعي رئيسها بنيامين نتنياهو، لتوظيف خطاب الترهيب من جائحة كورونا والأعداد الكبيرة من المرضى والمصابين، لتمرير خطوات الإغلاق الشامل، خدمة لمصالحه في منع المظاهرات المناهضة له بعد اتهامه المتظاهرين بأنهم "بؤر لنشر المرض"، مقابل محاولاته غضّ النظر عن البيانات الرسمية بشأن ارتفاع نسبة المرض في صفوف الجماعات الحريدية، خوفاً من غضب ممثلي هذه الجماعات في الحكومة والكنيست.
وإلى جانب بدء تململ الجمهور العام إزاء سياسات الإغلاق المشددة التي تطاول مقرات العمل الصغيرة والأسواق، مقابل استمرار تجمهرات كبيرة للحريديم، زاد تصرف مسؤولين في حكومة الاحتلال ومخالفتهم للتعليمات التي طالبوا الجمهور بالالتزام بها.
وبلغت هذه الأزمة أوجها أمس الإثنين وأول من أمس الأحد، عندما تبين أن وزيرة حماية البيئة من "الليكود" غيلا غمليئيل لم تكتف بخرق تعليمات الإغلاق، بل سافرت خلال عشية يوم الغفران اليهودي في الأسبوع الماضي مسافة 150 كيلومتراً من بيتها إلى طبريا، وزادت على ذلك عندما حاولت تضليل مسؤولي وزارة الصحة بشأن مصدر إصابتها بكورونا، عندما ادّعت بداية بأنها أصيبت من سائقها، لكن الشكوك ثارت حول روايتها عندما اتضح أن زوجها وابنها أصيبا بالمرض، على الرغم من عدم مخالطتهما للسائق. واضطرت غمليئيل عندها إلى الاعتراف بأنها شاركت في صلوات الغفران في كنيس في طبريا، وأنها مستعدة لدفع الغرامة المالية (نحو 1500 دولار). لكن الكشف عن هذه المحاولة زاد من الانتقادات الشعبية والإعلامية لسلوك الوزيرة المذكورة، واضطر نتنياهو نفسه إلى التطرق إلى سلوكها وانتقاده، فيما طالب أعضاء كنيست بـ"الليكود" الوزيرة بتقديم استقالتها من الحكومة.
لكن غمليئيل لم تكن الوحيدة في خرق التعليمات، إذ سبقها إلى ذلك صف طويل من القيادات الإسرائيلية الذين طالبوا الجمهور، منذ الموجة الأولى في مارس/آذار الماضي، مثلاً بعدم الاحتفال بعيد الفصح اليهودي مع أفراد العائلة الموسعة، وقاموا عكس ذلك تماماً، بدءاً من رئيس الحكومة، نفسه، الذي استقبل نجله والتقط صوراً معه على الرغم من أنه كان يفترض به أن يكون في الحجر الصحي، مروراً برئيس الدولة رؤوفين ريفلين الذي استقبل في العيد المذكور واستضاف ابنته وزوجها في مقر الرئاسة ليومين، خلافاً للتعليمات في موجة الإغلاق الأولى. ومثلهما فعل وزير الصحة السابق يعقوف ليتسمان، الذي شارك في صلاة جماهيرية، خلافاً للتعليمات، وأخيراً عضو الكنيست ميكي ليفي، العضو في لجنة مكافحة كورونا، الذي أمضى عيد رأس السنة اليهودية في بيت ولده خلافاً للتعليمات المشددة للإغلاق الثاني.
وإذا كان كلّ هذا غير كافٍ، فإن هذه الخروقات، وما تبعها من توظيف نتنياهو للجائحة لمصالحه، سواء من خلال التحريض في الموجة الأولى ضد العرب في الداخل واتهامهم بأنهم مصدر نشر المرض بعد الموجة الأولى بفعل الأعراس والحفلات، والتحريض ضد المتظاهرين في الموجة الثانية مع محاولات التغاضي عما يحدث عند الحريديم، زادت من تراجع ثقة الجمهور الإسرائيلي بالحكومة وتعليماتها، خصوصاً بعدما اتضح أن سياسة الإغلاق الشامل كانت شرطاً من حزب "كاحول لفان" للقبول بفرض قيود على التظاهرات، وهو ما جعل الحكومة تقوم بتوسيع نطاق القيود لتطاول المحال الصغيرة، مما زاد من الركود الاقتصادي وتراجع النشاط الاقتصادي، على الرغم من أن مسؤول كورونا الحكومي البروفيسور روني غامزو وخبراء آخرين أشاروا أكثر من مرة إلى أن الإغلاق الشامل غير مبرّر، وأنه يمكن الاكتفاء بإغلاق عيني للمناطق المصابة بالمرض والتي سُمّيت بالبلدات الحمراء. لكن كون غالبية هذه البلدات من الحريديم، جعل نتنياهو يفرض الإغلاق الشامل كي لا يُغضب القيادات والمرجعيات الدينية للحريديم، بمن فيهم الحاخام حاييم كانيبسكي، الذي تبينت أخيراً إصابته بالمرض، علماً بأنه كان دعا الحريديم إلى عدم الالتزام بالتعليمات وعدم إغلاق الكنس.
عدم الثقة طاول أيضاً سياسيين من الأحزاب العلمانية المعارضة، إذ دعا رئيس حزب "يسرائيل بيتينو" أفيغدور ليبرمان، الجمهور إلى عدم الالتزام بالتعليمات بفعل "الفوضى العارمة" عند الحريديم، وعدم اتخاذ الحكومة والشرطة إجراءات مشددة لتطبيق التعليمات في البلدات الحريدية.
ويستغلّ ليبرمان من جانبه الجائحة، للتأكيد أن نتنياهو يخضع لنزوات الحريديم، وأنهم يسيطرون على قرارات الحكومة، لأن نتنياهو بحاجة إليهم للبقاء في الحكم.
وامتدت دعوات العصيان لتطاول أيضا عضو الكنيست عوفر شيلح من حزب "تيلم ييش عتيد". فقد دعا شيلح أمس المواطنين والمتظاهرين الذين تلقوا ضبوط مخالفات بفعل مشاركتهم في المظاهرات الأخيرة إلى عدم دفع الغرامات والمثول أمام المحاكم لزيادة الضغط عليه.
وقد تبين أمس، بعد نشر صور لمواجهات بين الشرطة الإسرائيلية ومراكز للحريديم ولا سيما في بتيار عيليت وفي بني براك وأحياء حريدية في القدس، وخلال جنازة أحد حاخامات الحريديم من الحركة الحسيدية، الحاخام من بتيرسبورغ التي جرت في أشدود أمس بمشاركة آلاف الحريديم، أن الشرطة الإسرائيلية كانت توصلت أخيراً، بإيعاز من وزير الأمن الداخلي أمير أوحانا، وفق التقارير الصحافية المنشورة اليوم الثلاثاء في "هآرتس"، إلى تفاهمات سرية مع جماعات حريدية صغيرة في القدس، بالسماح لهذه الجماعات بإقامة الاحتفالات الدينية في عيد العرش، ولكن بشرط عدم توثيقها في وسائط التواصل الاجتماعي، وهو ما حاولت الشرطة نفيه وادعت كذب هذه التقارير.