كشفت مصادر ليبية مطلعة على الاتصالات التي تجريها مصر مع الأطراف الليبية المختلفة، عن أن سيف الإسلام القذافي، نجل العقيد الراحل معمر القذافي، زار مصر قبل إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية الليبية في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والتقى خلال زيارته غير المعلنة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس المخابرات العامة اللواء عباس كامل.
وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن الزيارة التي قام بها نجل القذافي إلى مصر، جاءت بتنسيق من أحمد قذاف الدم، منسق العلاقات الليبية المصرية السابق، وابن عم معمر القذافي، والذي كان يُصنف ضمن دائرة كبار المسؤولين الأمنيين في النظام الليبي، وأحد أهم "رجال الخيمة"، وهو التعبير الذي يُقصد به الحلقة الضيقة من المسؤولين الذين يحظون بثقة القذافي، والذي يعيش في القاهرة منذ سنوات تحت رعاية النظام المصري.
من الأسباب التي حسمت اختيار القاهرة للقذافي هو وصول العلاقات مع حفتر إلى طريق مسدود
وأكدت المصادر أن لقاء سيف الإسلام القذافي بالمسؤولين المصريين "حسم اختيار القاهرة لمرشحها في الانتخابات الرئاسية المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول الحالي، وكان له دور كبير في إعادته للسباق الانتخابي بعد قرار استبعاده"، مضيفة أن "مصر وجدت أخيراً ضالتها في سيف الإسلام القذافي، كشخصية يتفق عليها النظام الحاكم ويرتاح لها، كما يتفق عليها حلفاء آخرون، خصوصاً روسيا". وتابعت أن من ضمن الأسباب التي حسمت اختيار القاهرة لنجل القذافي هو "وصول العلاقات مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى طريق مسدود، لا يمكن إعادته"، على حد تعبير أحد المصادر، الذي أكد أن القاهرة "غضبت من حفتر عندما حاول الاتفاق مع الإماراتيين من دون علم مصر، ومنذ ذلك الحين والعلاقات بينهما شبه مقطوعة"، لافتة إلى "إشارة حفتر في كلمة بمناسبة إعلان ترشحه للدول الصديقة، والتي كان يقصد بها الإمارات".
وتابع المصدر أن القاهرة "أصبحت متمسكة الآن بسيف الإسلام القذافي كواحد من المعسكر الذي تنتمي إليه مصر، والذي كان متحفظاً منذ البداية على إطاحة معمر القذافي من الحكم في ليبيا"، مشيراً إلى أن "مصر تدخّلت إلى جانب جهات ودول أخرى من أجل إعادة سيف الإسلام".
وقال المصدر إن أحمد قذاف الدم، والذي يدير أعمالاً لعائلة القذافي من مصر باستثمارات مالية ضخمة، كان له دور بارز في إعادة سيف الإسلام إلى سباق الانتخابات الرئاسية، وإنه "هدد باللجوء للعنف والسلاح، لو تم استبعاد نجل القذافي من الانتخابات، وأنها لن تجرى". وأضاف المصدر أن مصر نقلت هذا الكلام إلى "المليشيات المسيطرة على مصراتة، والأخيرة التزمت بالاتفاق مع مصر".
من جهة أخرى، قال مصدر ليبي تحدث لـ"العربي الجديد"، إنه "تم التباحث خلال لقاء سيف الإسلام القذافي بالمسؤولين المصريين، حول عدد من القضايا بينها حصول مصر على حصة من كعكة إعادة الإعمار في ليبيا وحصة من البترول الذي تصدره ليبيا". وعلى الرغم من أن تركيا تسيطر على المشاريع الأكبر في ليبيا، مثل مشروع إنشاء خط سكك حديدية، والذي تأجّل بعد إسقاط معمر القذافي، إلا أن مصر دائماً ما كانت تطالب في المؤتمرات التي تقام حول ليبيا بضمانات دولية لحجز حصتها في إعادة الإعمار.
وكانت مليشيات تابعة لحفتر، قد حاصرت الإثنين الماضي، وللمرة الثانية، مقر محكمة سبها (جنوباً)، ومنعت الموظفين من الدخول، لمنع انعقاد جلسة للنظر في طعن قدّمه القذافي بقرار منعه من الترشح للانتخابات الرئاسية المقرّرة الشهر المقبل. ووفقاً لشهود عيان تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإن مسلحين يستقلون سيارات تحمل شارة المليشيا 115 مشاة، إحدى فصائل لواء طارق بن زياد، أكبر مليشيات حفتر، قاموا بالانتشار في محيط المحكمة قبيل بدء الدوام الرسمي للمحكمة، صباح الإثنين. وقال المصدر الليبي إن "تدخّلات مصرية وروسية، ساعدت على حل الأزمة وسمحت للمحكمة بالانعقاد، في سبيل إعادة سيف الإسلام للانتخابات". وقبلت محكمة استئناف سبها الطعن المقدم من القذافي على استبعاده من قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية، وقررت إعادته إلى المنافسة. واحتشد العشرات من أنصار القذافي أمام مقر المحكمة، ورفعوا رايات وشعارات مؤيدة لترشحه للانتخابات.
وكانت المفوضية العليا للانتخابات، قد أعلنت استبعاد القذافي من قائمة المرشحين الأولية ضمن 24 آخرين، موضحة سبب استبعاده بعدم انطباق البند السابع في المادة العاشرة من قانون الانتخابات الرئاسية الذي ينص على ضرورة ألا يكون المرشح "محكوماً عليه نهائياً في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة"، والبند الخامس في المادة 17 والذي يشترط على المرشح حصوله على "شهادة الخلو من السوابق".
سيناريوهات إجراء الانتخابات وتأجيلها
وعن سيناريوهات إجراء الانتخابات وتأجيلها، قالت المصادر إن هناك "أكثر من سيناريو، كلها نسب حدوثها متساوية، فيمكن أن تجرى الانتخابات ويمكن ألا تحدث والنسبة 50 إلى 50، ويمكن أن يفوز أحد المرشحين ولا يعترف الخاسر بالنتيجة، ويمكن أن تقع مواجهات مسلحة، كلها احتمالات مطروحة إلا سيناريو وحيد وهو أن ينجح أحد المرشحين ويهنئه الخاسرون".
الولايات المتحدة ترغب بشدة في إجراء الانتخابات الليبية، وتريد أي حكومة بشرط ألا تشمل حفتر أو القذافي
وفي السياق ذاته، قالت مصادر مصرية إن "الولايات المتحدة ترغب بشدة في إجراء الانتخابات الليبية، وتريد أي حكومة بشرط ألا تشمل حفتر أو القذافي، لكن في حال فوز أحدهما فلا يمكن توقّع رد فعل واشنطن". وأضافت المصادر أنه في المقابل، وفي حال فوز القذافي "سوف تثبت روسيا وجهة نظرها أمام العالم وتقول إنها كان لديها الحق في اتهام حلف شمال الأطلسي بأنه خرب ليبيا بتدخله لخلع معمر القذافي، وأن الأمر نفسه كان ليحدث في سورية لولا تدخلها هناك".
من جهته، قال مصدر دبلوماسي مصري لـ"العربي الجديد"، إن مسألة "دعم مصر للمرشح سيف الإسلام القذافي، ستشكل نقطة خلاف بين القاهرة وواشنطن التي تستخدم ما يشبه الفيتو في رفض ترشح نجل القذافي، بشكل أكثر تشدداً من رفضها ترشح خليفة حفتر على سبيل المثال". وأضاف المصدر أن "القاهرة لا تقدّم الدعم لسيف الإسلام القذافي بشكل مباشر، يضعها في موقف محرج مع الأميركيين، وأنها سوف تعتمد سياسة الأمر الواقع في حال فوزه في الانتخابات، وهو أمر اعتادت السياسة الأميركية على التعامل معه"، مرجحاً أن "تتعامل واشنطن بشكل متحفظ وغير مباشر مع سيف الإسلام إذا فاز بالانتخابات".