نجحت المعارضة التركية المجتمعة في الطاولة السداسية، من التغلّب على الهزة السياسية التي تعرضت لها قبل أيام، جراء الخلافات بينها، لتتفق على تقديم مرشح واحد عنها للانتخابات الرئاسية، هو رئيس حزب الشعب الجمهوري العلماني الكمالي، كمال كلجدار أوغلو، الذي سينافس الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يحكم البلاد، شخصياً أو من خلال حزبه، منذ 21 عاماً، في الانتخابات المتوقعة في 14 مايو/ أيار المقبل.
وكانت الخلافات التي ضربت الطاولة السداسية، يوم الجمعة الماضية، بإعلان زعيمة الحزب الجيد ميرال أكشنر الانسحاب منها، قد أثارت توقعات بانفراط عقد المعارضة، قبل أن تعود أكشنر إلى الطاولة مجدداً بعد 3 أيام، ويتوصل زعماء الأحزاب الستة مساء الاثنين إلى توافق على ترشيح كلجدار أوغلو للرئاسة، إضافة إلى خريطة طريق للمرحلة المقبلة، تنص على العودة إلى النظام البرلماني، على أن يكون زعماء الأحزاب الخمسة الأخرى نواباً للرئيس في حال فوز مرشح المعارضة.
وأحيا هذا الاتفاق الآمال لدى أنصار المعارضة بإمكان منافسة أردوغان وإسقاطه، خصوصاً أن المعارضة بدت موحدة، إذ كان إلى جانب كلجدار أوغلو بعد اجتماع الاثنين زعماء الأحزاب الأخرى، ورئيسا بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو وأنقرة منصور ياواش، وهو ما دفع بعض المؤيدين إلى القول إن المعارضة خرجت أقوى من خلافاتها.
والطاولة السداسية تضم، إضافة إلى كلجدار أوغلو، وأكشنر، رئيس حزب السعادة تمل قره موللا أوغلو، ورئيس حزب دواء علي باباجان، ورئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو، ورئيس الحزب الديمقراطي غولتكين أويصال، ويجتمع هؤلاء في إطار تحالف الشعب. في المقابل، يضم التحالف الجمهوري الحاكم أحزاب "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" و"الوحدة الكبرى".
فرص فوز تحالف المعارضة التركية
ودفعت التطورات إلى التساؤل عن فرص فوز تحالف الشعب المعارض ومرشحه في الانتخابات الرئاسية، وهو أكبر تحالف للمعارضة حتى الآن، ويتوقع أن تنضم إليه أحزاب أخرى. ويُحسب لكلجدار أوغلو تمكّنه من فرض رأيه على حلفائه، وجمعه عدداً كبيراً من أطياف المعارضة بمختلف توجهاتها المحافظة والدينية والقومية والعلمانية، وهناك جهود للتلاقي مع أحزاب يسارية.
كذلك، أعلن الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي الموجود في البرلمان مدحت سنجار، في لقاء تلفزيوني الاثنين الماضي، دعمهم لترشح كلجدار أوغلو، وأنهم ينتظرونه لبحث التطورات معه.
في حال حصول كلجدار أوغلو على دعم الحزب الكردي، فإن فرص نجاحه ستكون أكبر بكثير
وفي حال حصول كلجدار أوغلو على دعم الحزب الكردي، فإن فرص نجاحه ستكون أكبر بكثير، فدعم "الشعوب الديمقراطي" لتحالف الشعب في الانتخابات المحلية عام 2019 قاد إلى فوز المعارضة بكبرى بلديات المدن التركية، ولا سيما أنقرة وإسطنبول، وبالتالي يصبح من المحتمل تجاوز مرشح المعارضة عتبة 50 زائداً 1 في المائة للفوز بالمرحلة الأولى أو الثانية من الانتخابات الرئاسية بوجه أردوغان.
في المقابل، تحدثت وسائل إعلام تركية عن أن هناك خلافات غير معلنة بين أحزاب المعارضة بعد المفاوضات المضنية، ولم تشر وجوه المجتمعين يوم الاثنين إلى رضى الجميع.
وذكرت مصادر إعلامية أن أكشنر كانت على وشك مغادرة اجتماع الاثنين، بعدما كانت قد أعلنت سابقاً ترك الطاولة السداسية، قبل العودة لها مجدداً. وبالتالي، فإن كلجدار أوغلو سيعاني من الأجواء العاصفة التي سبقت التوافق عليه، وانسحاب حليفته أكشنر من الطاولة السداسية وعودتها، والتسريبات عن أنها وافقت على ترشّح كلجدار أوغلو مكرهة.
من هو كمال كلجدار أوغلو؟
وينتمي كلجدار أوغلو إلى الطائفة العلوية التي تقول أوساط مراقبة إنه عامل قد يقلل من فرص فوزه، فضلاً عن عدم التزامه وعود سبق أن قطعها، منها استقالته من الحزب في حال ترشحه، لكون الرئيس يجب أن يكون حيادياً، بحسب وعوده السابقة، لكن خريطة الطريق التي صدرت الاثنين للمرحلة الانتقالية للمعارضة أكدت استمراره بزعامة حزبه حتى انتهاء المرحلة الانتخابية.
وزعيم حزب الشعب الجمهوري، من مواليد منطقة ناظمية في ولاية تونجلي وسط البلاد في عام 1948، ودرس في أكاديمية العلوم التجارية والاقتصاد في أنقرة، بدأ عمله السياسي في عام 1999 داخل الحزب اليساري الديمقراطي، قبيل أن ينتقل إلى حزب الشعب الجمهوري ويُنتخب نائباً في البرلمان عن الحزب في عام 2002، واستمر عضواً في البرلمان إلى حين توليه زعامة الحزب في مايو من عام 2010 خلفاً للزعيم السياسي الراحل قبل أيام، دنيز بايكال.
المعارضة التركية تؤكد تفاهمها
وعن التحديات التي تواجه المعارضة والتوافقات التي حصلت، قال نائب رئيس حزب السعادة المعارض بولنت كايا، لـ"العربي الجديد"، إن "تجمّع أحزاب سياسية من مختلف التوجهات على طاولة واحدة، والاتفاق على خطط مشتركة أمر مهم جداً"، مضيفاً: "هناك فروقات في التوجهات، ولكن في نهاية اليوم الوصول إلى نتيجة موحدة كان أمراً هاماً جداً ونتيجة سارة لنا وللشعب".
ورداً على سؤال عن تأثير الخلافات على الناخبين، قال: "الناخبون بعد 20 عاماً من أجواء التوتر التي سادت البلاد بسبب الحكم الحالي، لم يكن لديهم الطاقة لخسارة جديدة بعد الآن، وأعتقد أن الناخبين رأوا كيف اجتمعت الأحزاب واتخذت قرارات مشتركة، وهو ما كانوا يطالبون به".
بولنت كايا: كثرة نواب الرئيس، وهم خمسة رؤساء أحزاب، لن تؤثر بعمل الرئيس
وأكد كايا أن "الخلافات كانت حول مواقف الأحزاب في مرحلة المفاوضات، لكن الأحزاب الستة تلاقت في مكان واحد، والنقطة التي وصلت إليها هي تقاسم السلطات والمهام عند تولي الرئاسة"، مشدداً على أن "كثرة نواب الرئيس، وهم خمسة رؤساء أحزاب، لن تؤثر بعمل الرئيس"، مضيفاً: "لدينا نصوص متفق بها سيُرجَع لها في ما يتعلق بالسياسات المشتركة".
ولفت إلى أن "هناك تفاهماً على كل شيء، ونواب الرئيس هم قوة مشتركة من أجل تنفيذ ما جرى التوافق عليه، ولا توجد مفاوضات جديدة"، مضيفاً: "في المرحلة المقبلة، بما أن المرشح الرئاسي واحد (للمعارضة)، فإن الحملة الانتخابية ستكون مشتركة، أما بالنسبة إلى الانتخابات البرلمانية، فإن كل حزب سيعمل على حملته الانتخابية بشكل مختلف".
وأوضح أن "آلية مشتركة من الأحزاب ستتشكل في ما يتعلق بالمرشح الرئاسي المشترك، وستكون هناك لجنة تقود حملة انتخابية مشتركة للرئيس، عبر فريق محترف"، مشيراً إلى أن "التجمعات في بعض الولايات قد تكون بحضور رؤساء الأحزاب جميعاً".
تحديات أمام المعارضة
في المقابل، تُعَدّ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مصيرية وحاسمة لحزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 21 عاماً. وسبق أن وصف أردوغان هذه الانتخابات بأنها "مفترق طرق".
واقتصر رد فعل التحالف الحاكم على ترشيح المعارضة لكلجدار أوغلو، على تطرق زعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي إلى الأمر في كلمته أمام كتلة حزبه البرلمانية أمس الثلاثاء، إذ تحدث عن أكشنر من دون تسميتها، قائلاً: "من وجّه كلمات قاسية للطاولة السداسية وجلس إليها مجدداً، كيف سيتخلص من كلامه؟ إنّ من يبيع مرة، يبيع مرة أخرى، وسيبيع مستقبلاً".
من جهته، قال عضو حزب العدالة والتنمية، المحلل السياسي بكير أتاجان، لـ"العربي الجديد"، إنه "يجب الأخذ بالاعتبار أن كلجدار أوغلو حتى الآن خسر أمام أردوغان في أكثر من 10 انتخابات متتالية، وهذا يعني أنه قد يتجه لخسارة أخرى، لأنه فاقد الثقة بنفسه أمام أردوغان".
وأضاف أن "ما حصل خلال الأيام السابقة والمناقشات الحادة في الطاولة السداسية حول ترشيح كلجدار أوغلو أيضاً نقطة ضعف، وتدل على أنه غير ملائم ولا يتمتع بالكاريزما أمام الشعب التركي، وهي نقطة مهمة أيضاً لمصلحة أردوغان".
ولفت أتاجان إلى أن كلجدار أوغلو كان يصرّح قبل الترشيح بأن الرئيس المنتخب يجب ألا يكون حزبياً، بل محايداً، لكنه رئيس حزب، ورشح نفسه قبل أن يستقيل، وسيبقى رئيساً للحزب، وهو مثال على أن الصفات التي كان يطالب بها للرئيس لا يلتزم بها، وهي نقطة ضعف أخرى بانتقاده الرئيس الحالي بأنه حزبي.
وأشار إلى أن "الخلافات التي حصلت (داخل الطاولة السداسية) دليل على أنه ليس هناك توافق عليه، وأنه لا يعكس تطلعات الشعب".
أتاجان: المعارضة ضعيفة وغير متماسكة ومشتتة بعد إعلان اسم المرشح، وستحدث خلافات واستقالات وانقسامات فيها
ورأى أتاجان أنه "قبل إعلان اسم المرشح لرئاسة الجمهورية، كانت المعارضة تمتلك نقاط قوة، وهي توحّد الأحزاب تحت مظلة واحدة وبرنامج واحد، ولكن الخلافات وصلت إلى أوجها بعد إعلان ترشيح كلجدار أوغلو، وحتى قبل ذلك، إذ اختلفت الأحزاب في ما بينها وتبادلت الاتهامات"، معتبراً أن "هذا دليل قاطع على أن المعارضة ضعيفة وغير متماسكة ومشتتة بعد إعلان اسم المرشح، وستحدث خلافات واستقالات وانقسامات فيها في الأيام المقبلة، وعلى رأسها الحزب الجيد".
وتوقع أنه عند "إعداد قائمة مرشحي المعارضة للبرلمان سيزداد الانقسام أكثر مما هو عليه الآن، والأسوأ سيكون في حال نجاح كلجدار أوغلو بانتخابات رئاسة الجمهورية، فما ستكون تراتبية نوابه، وما صلاحياتهم؟".
وأضاف: "هذا سيؤدي إلى خلافات جذرية في إدارة البلاد مرة أخرى، وربما إلى إعلان انتخابات مبكرة جراء الانقسامات والخلافات التي تحصل، كذلك إن إعلان رئيسي بلدية أنقرة وإسطنبول نائبين إلى جانب رؤساء الأحزاب، يصبّ الزيت على النار أكثر فأكثر".