انتهى التوتر الأمني، أمس الأحد، في محافظة كركوك العراقية، المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل، والذي استمر ستة أيام، وانسحب المحتجون عقب مواجهات قُتل فيها 3 متظاهرين من المكون الكردي، وأُصيب 10 آخرون مساء أول من أمس السبت، في حصيلة أعلنتها شرطة كركوك أمس.
وتشهد المحافظة حالة ترقب، وسط مخاوف من عودة التصعيد القومي بين الأكراد من جهة، والعرب والتركمان من جهة أخرى، بسبب رفض الأخيرين عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى مقاره في كركوك واستئناف نشاطه السياسي والاستعداد للانتخابات المحلية بعد خمس سنوات من تركه المدينة، ما جعل الأحداث تتسارع وتأخذ طابعاً عنفياً جرّاء دخول فصائل من "الحشد الشعبي" على خط الأزمة عبر أنصارهم الذين تظاهر بعضهم بأسلحتهم خلال الأيام الماضية.
إجراء "سلمي" رفضاً لعودة الديمقراطي الكردستاني
وبدأت الأحداث في 28 أغسطس/آب الماضي، حين قطع عشرات الأشخاص الطريق الرابط بين كركوك وأربيل بالكامل، رافضين تسليم المقر الرئيسي لقيادة العمليات العسكرية المشتركة في محافظة كركوك إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث تتخذ القوات العراقية من هذا المبنى مقراً لها منذ عام 2017.
وجّه السوداني بالتريث في إخلاء مقر العمليات في كركوك
وجاء القطع إجراءً "سلمياً" لمنع تسليم المقر الذي يُطالب به الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود البارزاني، وسرعان ما تمددت الاحتجاجات، لتشترك فيها أطراف من "الحشد الشعبي"، وآخرون من "الجبهة التركمانية" والأحزاب العربية. وبحسب مصادر أمنية من كركوك، فإن "الأيام الماضية شهدت وجوداً لعناصر حزب العمال الكردستاني في احتجاجات كركوك، بهدف التصعيد ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل".
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد"، إن "الأحزاب الكردية دفعت بمحتجين لها، كإجراء مناوئ لتظاهرات القوى العربية والتركمانية، وكان الفاصل بين التظاهرات عشرات الأمتار بينهم، لكن الأزمة تفجرت عندما دخلت عناصر مجهولة منطقة الاحتجاجات وأطلقت النار في الهواء من أسلحة خفيفة، وكذلك حرق سيارات متوقفة، ما أدى إلى تبادل إطلاق النار الذي أوقع القتلى والجرحى". ولفتت المصادر إلى أن الرواية الرسمية لم تصدر بعد وكل طرف يتبنى رؤية مختلفة حول ما حصل.
وكان "الديمقراطي الكردستاني" قد خرج من كركوك، إثر حملة عسكرية للقوات العراقية عام 2017، رداً على تنظيم حكومة إقليم كردستان وقتها استفتاءً شعبياً للانفصال عن العراق، وقيامها بإشراك مدينة كركوك في الاستفتاء. ومنذ استعادة بغداد السيطرة على كركوك نهاية 2017، يتولى إدارة المحافظة محافظ عربي هو راكان الجبوري، إلى جانب قيادة أمنية مشتركة من مختلف القوميات بالمحافظة، وتحت إشراف الجيش العراقي.
وعقب السيطرة على الوضع في كركوك مساء السبت، ووصول تعزيزات أمنية وعسكرية إلى المدينة، انسحب المحتجون والمعتصمون، بدعوة من الشيخ ظاهر العاصي، نجل الشيخ أنور العاصي، أمير قبائل العبيد في العراق والوطن العربي، الذي كان يقود جناحاً من المتظاهرين. في حين أصدرت "الجبهة التركمانية" قراراً غير معلن بالانسحاب أيضاً، لاستعادة الحياة الطبيعية، وفتح المجال أمام المسافرين من كركوك إلى أربيل، وفتح الطرق التي أغلقت خلال الأسبوع الماضي.
وأجرى رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، اتصالين هاتفيين بكل من رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، ورئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني، لبحث أوضاع وأحداث كركوك. وبحسب بيان رسمي، فإن السوداني بحث مع البارزاني "تكثيف العمل المتكامل من أجل تفويت الفرصة على كل من يعبث بأمن مدينة كركوك واستقرارها، وعلى بسط القانون من قبل القوات الأمنية، من أجل استدامة السِّلم الأهلي والحياة الطبيعية لأهالي المحافظة".
كما بحث السوداني في اتصال آخر مع البارزاني "الأوضاع في محافظة كركوك"، وجرى "التشديد على أهمية عدم إتاحة المجال أمام أي عناصر غير مسؤولة، تستهدف النسيج الاجتماعي المتجانس والمتآخي للمحافظة، بعد أن شهدت هزيمة الإرهاب، وأثبت أهلها الكرام، من كل أطياف الشعب العراقي، أنها المدينة النموذج للتعايش السلمي والتآخي"، بحسب البيان.
عماد باجلان: من يتحمّل الخرق وسفك دماء العراقيين في كركوك هو السوداني
لكن مسعود البارزاني، وهو الزعيم الفعلي لإقليم كردستان الذي يضم ثلاث محافظات (أربيل، السليمانية، دهوك)، أصدر بياناً شديد اللهجة حذر فيه من مغبة "استمرار التمييز في كركوك"، داعياً السوداني إلى وضع حد لـ"المشاغبين" في كركوك. وقال إن "مجموعة من المشاغبين قطعوا منذ عدة أيام الطريق بين أربيل وكركوك بحجة منع افتتاح مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك، وعدم السماح للمواطنين بأن يعيشوا حياتهم الطبيعية، كذلك فإنهم خلقوا أوضاعاً غير مناسبة وخطيرة للغاية لأهالي كركوك".
وشدّد البارزاني على أن "هذه التصرفات محاولة لخلق الفتنة وتمزيق النسيج المجتمعي والعيش المشترك بالمحافظة"، محذراً من أن "مثل هذا السلوك غير مقبول، وستكون عواقبه وخيمة للغاية، وسيدفعون باهظاً ثمن سفك دماء أبنائنا في كركوك".
وتلقّى السوداني اتصالاً من محافظ كركوك راكان الجبوري، ووجّه السوداني بالتريث في إخلاء مقر العمليات في كركوك، الذي كان من المفترض أن يعاد إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني ليعاود نشاطه بالمحافظة. بعد ذلك قرر المتظاهرون سحب خيمهم وإنهاء اعتصامهم وفتح الطريق.
أخطاء في تنفيذ اتفاق كركوك؟
وعن تطورات كركوك، قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني عماد باجلان، لـ"العربي الجديد"، إن "ما حصل في كركوك، هو خرق للاتفاقات السياسية التي تشكلت على إثرها حكومة السوداني". وأضاف أن "من يتحمّل هذا الخرق وسفك دماء العراقيين في كركوك، هو رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، الذي سمح للمليشيات التي لا تنتمي لكركوك بالتلاعب بمصيرها وترويع أهلها". وأوضح أن "قرار التريث بعودة مقار الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك، هو لتهدئة الوضع، لذلك من واجب السوداني التحرك في سبيل حل هذه الأزمة، والأهم طرد المليشيات وتحديداً عصائب أهل الحق من المدينة".
عبدالله الركابي: السوداني فشل في إدارة جميع الملفات الخاصة بالأكراد
من جهته، بيَّن رئيس "الجبهة التركمانية" في محافظة كركوك، أرشد الصالحي، أن "تطور الرأي السياسي إلى مرحلة الاصطدام المسلح بين جزء من المحتجين وآخرين يتبعون الحزب الديمقراطي الكردستاني، أمر مرفوض على الرغم من أننا نملك وجهة نظر سياسية حول ظروف عودة الحزب الكردي إلى المحافظة، ومحاولاته الحصول على مقر قيادة العمليات العسكرية في المدينة". وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "سبب هذه المشكلة، هو عدم الاستماع لكل المكونات في مدينة كركوك، بشأن عودة الحزب الديمقراطي".
وأكمل الصالحي أن "الأخطاء في التعامل والتفاهم في قرار تنفيذ الاتفاق الذي جرى بين السوداني والبارزاني، كان لا بد أن يكون بطريقة أخرى، وعدم إهمال موقف أهالي كركوك وممثليهم العرب والتركمان"، مشيراً إلى أن "الخطأ الذي حصل السبت، لن نسمح بتكراره، لأننا ضد إراقة الدماء بشكلٍ قطعي، ومهما كلف الأمر فإننا سنحاول منع أي مظاهر عنف جديدة في المدينة".
أما الباحث والمحلل السياسي العراقي عبد الله الركابي، فأشار إلى أن "السوداني لم يفِ بوعوده للأحزاب الكردية في العودة إلى المناطق المتنازع عليها، والتطبيع فيها، كما أنه لم يفِ بوعوده للأحزاب السنّية بشأن الملفات الملحّة للنازحين والمغيبين وعدم محاسبة المتسببين من المليشيات في اختفاء آلاف العراقيين قسرياً، بالتالي فإن التوتر الذي حصل في كركوك هو نتيجة طبيعية، بالنظر إلى ما يحدث في مدينة دير الزور السورية الشبيهة بالطبيعة الديمغرافية لكركوك، وهي أيضاً تشهد توتراً قومياً".
ورأى الركابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "السوداني فشل في إدارة جميع الملفات الخاصة بالأكراد، من ضمنها كركوك، إضافة إلى تحييد وإبعاد حزب العمال الكردستاني الذي كان موجوداً خلال الأيام الماضية في كركوك، وساهم في الإرباك والتوتر الأمني، لكنه لم يدخر جهداً في تنفيذ كل شروط ومطالب الإطار التنسيقي". ولفت إلى أن "المواجهات الدموية قد لا تعود مرة أخرى إلى كركوك، لكننا أمام مرحلة جديدة من الخلاف السياسي، وقد نشهد انسحاباً من قبل حزب البارزاني من حكومة السوداني".