على الرغم من أن الإعلان الفلسطيني الرسمي بالعودة للتنسيق الأمني، بدا كنوع من مبادرات حسن النية تجاه إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن، إلا أن رسالة منسق أنشطة الاحتلال الميجور جنرال كميل أبو ركن، لمسؤول هيئة الشؤون المدنية، حسين الشيخ، تضمنت العودة، والتذكير برسالة وجهتها السلطة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لدولة الاحتلال، مما يؤكد أن إقراراً كان قيد البحث والتداول قبل الانتخابات الأميركية، وبالتالي لا يمكن وصفه بداية تحرك باتجاه إدارة جو بايدن، بقدر ما عكس تراجعاً فلسطينياً عن قرارات سابقة.
مع ذلك فإن مصادر مختلفة، ومسؤولين فلسطينيين، أعلنوا مؤخراً بدء اتصالات مع "رجال بايدن" في محاولة لإعادة العلاقات مع البيت الأبيض لمسارها السابق ما قبل عهد ترامب، وسط تعويل فلسطيني واضح ومعلن على الإدارة الجديدة، في البيت الأبيض، لإعادة ضخ الروح في مسار أوسلو والمفاوضات العبثية، التي كان آخرها المفاوضات التي قادها الراحل صائب عريقات مع جون كيري والتي توقفت أواخر عام 2014.
ويبدو بحسب ما نشرته وسائل إعلام مختلفة، وتصريحات لمسؤولين فلسطينيين، أن السلطة الفلسطينية قدمت تنازلات كثيرة في قرار إعادة التنسيق الأمني، كجزء من استجابة مسبقة لشروط أميركية قد تفرضها إدارة بايدن، ولا سيما ما يتعلق بشروط إسرائيلية ثابتة تتعلق بما يسمى "بالتحريض على الإرهاب في مناهج التدريس الفلسطينية" ووقف دفع مخصصات الأسرى وعوائل الشهداء، وتشريع غطاء قانوني فلسطيني جديد يحولها إلى مخصصات إغاثة اجتماعية، فضلاً عن شرط العودة للتنسيق الأمني مع دولة الاحتلال.
ويبدو أن التوق الفلسطيني للعودة إلى المسرح الدولي، من خلال استعادة "مكانة" ما واعتراف ما من الولايات المتحدة، أضعف كل المحاذير التي كان يفترض في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، التزامها قبل المسارعة في الترحيب بانتخاب بايدن، والسعي لترتيب اتصال بينه وبين الرئيس محمود عباس، حتى قبل أن يعلن بايدن بشكل رسمي التزاما بالسعي لحل الدولتين، أو حتى مجرد الاعتراض أو شجب القرار الإسرائيلي الأخير قبل أسبوعين ببناء 1257 وحدة سكنية على تلة فلسطينية جنوبي القدس المحتلة تفصل بين بيت لحم والقدس.
ووفقاً لما تنشره وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية وتحليلات عربية محكمة يبدو الملف الفلسطيني آخر ما يُقلق بال الإدارة الجديدة، خصوصاً مع ترشيح أنتوني بلينكين وزيراً للخارجية الأميركية. وتشير كل التقديرات إلى أن الملفات التي ستحتلّ الأولوية لدى إدارة بايدن، تبدأ من العودة إلى اتفاقية المناخ الدولية وتمتد لتطاول العلاقات مع الصين والملف الإيراني، ما يجعل الملف الفلسطيني هامشياً، خصوصاً في العام القريب الذي تزداد فيه الشواهد إلى أنه سيشهد انتخابات جديدة في إسرائيل، قد تجرى بين مارس/ آذار وحزيران/ يونيو المقبلين.
ومع إقرار جهات مختلفة في إسرائيل بأن فريق بايدن ينتمي إلى معسكر أصدقاء إسرائيل، وإن كانوا لن يغفروا لنتنياهو مواقفه تجاه إدارة براك أوباما، فإن ذلك يؤشر إلى أن البيت الأبيض لن يسارع إلى الصدام مع حكومة إسرائيل، في السياق الفلسطيني، لجهة تقديم خطة جديدة للسلام في الشرق الأوسط وطرحها كهدف أساسي للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط حتى لا يزيد ذلك، في المرحلة الأولى من ولاية الإدارة الجديدة، ولا يمنح حكومة الاحتلال سلاحاً ضد إدارة بايدن في الملف الأهم، وهو ملف العودة الى الاتفاق النووي مع إيران.
ولكن وبموازاة ذلك فإن إدارة بايدن ستغير من الخطاب الدبلوماسي الأميركي لجهة العودة غللاى شعار حل الدولتين، مصحوباً بتقديم المساعدات المالية للفلسطينيين، وربما إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس المحتلة، لكنها لن تنقل السفارة الأميركية من القدس، ولن تتخذ خطوات فعلية ضد البناء الاستيطاني. وستجد السلطة الفلسطينية أنها بانتظار إدارة بايدن كالمستجير من الرمضاء بالنار، ومطالبة بتقديم تنازلات إضافية أولها التسليم بوجود السفارة الأميركية في القدس المحتلة بما يمثله ذلك من ضياع القدس نهائياً والتسليم بها عاصمة أبدية لدولة الاحتلال، مقابل منح الفلسطينيين عاصمة في "قدس بديلة" في قرية أبو ديس.