كاراكالباكستان... قنبلة موقوتة من العهد السوفييتي تهدد أوزبكستان

02 يوليو 2022
مواطنة في كاراكالباكستان، في عام 2014 (دومينيك ديراتي/Getty)
+ الخط -

تواصلت التظاهرات، اليوم السبت، لليوم الثاني على التوالي، في مدينة نوكوس، عاصمة جمهورية كاراكالباكستان المتمتعة بالحكم الذاتي في أوزبكستان، وعدد من المدن الأخرى في الجمهورية، احتجاجاً على تعديلات دستورية اقترحها الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضائيف من ضمنها حذف كلمة "سيادة" في وصف جمهورية كاراكالباكستان، وفقرة تشير إلى حقها في الانفصال عن أوزبكستان بعد تنظيم استفتاء شعبي بهذا الخصوص.

واتهم البرلمان ووزارة الشؤون الداخلية في كاراكالباكستان عدداً من المتظاهرين بمحاولة الاستيلاء على هيئات حكومية. وأكدت وزارة الداخلية في بيان، اليوم، أنه تم اعتقال مجموعة من منظمي "أعمال الشغب" الذين اتهمهم البيان بأنهم "اختبأوا وراء الشعارات الشعبوية" و"تلاعبوا بوعي وثقة المواطنين".

وأفادت السلطات بأن "المحرضين، بالاعتماد على المواطنين المجتمعين، حاولوا الاستيلاء على مؤسسات الدولة، وبالتالي تقسيم المجتمع، وزعزعة استقرار الوضع الاجتماعي والسياسي في أوزبكستان". 

اتهم البرلمان ووزارة الشؤون الداخلية في كاراكالباكستان عدداً من المتظاهرين بمحاولة الاستيلاء على هيئات حكومية

 

وأكد برلمان كاراكالباكستان أن السلطات "لديها الإمكانات اللازمة لمنع مزيد من تفتيت الوضع". وفي محاولة لتحميل المسؤولية على أطراف خارجية، جاء في بيان البرلمان: "نحن قلقون بشأن محاولات بعض القوى الخارجية غير الصحية من الخارج للتأثير على تطور الوضع في كاراكالباكستان، بما في ذلك من خلال نشرات المعلومات المستهدفة تشويه الأحداث الجارية".

وكانت السلطات الكازاخية قد أعلنت عن إغلاق المعابر الحدودية بين أراضي كاراكالباكستان وكازاخستان المجاورة، وتوقفت حركة القطارات بين الطرفين بناء على طلب من السلطات الأوزبكية.

كما اعتقلت كازاخستان عدداً من عمال مصنع قرب الحدود مع أوزبكستان من القومية الكاراكالباكية، كانوا قد نشروا مقطع فيديو أعلنوا فيه تضامنهم مع مطالب المحتجين في نوكوس.

وبدأت التظاهرات ظهر أمس الجمعة، في نوكوس، وامتدت إلى مدن شيمباي ومويناك، وكانت الدعوات للتظاهر قد بدأت مباشرة عقب نشر نسخة الدستور الجديد في أوزبكستان للنقاش العام في 26 يونيو/ حزيران الماضي على أن تستمر النقاشات لمدة عشرة أيام.

ومع انتشار الدعوات للتظاهر قيّدت السلطات الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي وخففت سرعة الإنترنت على الهواتف النقالة، ولكن هذا لم يمنع من تجمع المئات في نوكوس، وفق مقاطع فيديو نشرها موقع "نوردا" الإعلامي في قناته على "تيليغرام"، وظهر فيها مئات الأشخاص على الأقل يحملون أعلام جمهورية كاراكالباكستان في شوارع نوكوس. وتواصلت التظاهرات ليلاً حسب مقاطع فيديو نشرتها القناة نفسها.


وطالب المتظاهرون بإخلاء سبيل الصحافي، الناشط المحلي دولتمورات تاجيموراتوف، الذي حثّ المواطنين على المشاركة في التجمعات ضد مشروع تعديلات الدستور.

ومع وصفها التظاهرات بـ"غير الشرعية"، عزت وزارة الداخلية الأوزبكية ما حصل بسبب "سوء تفسير للإصلاحات الدستورية". وجاء في بيان الوزارة أن "رئيس الجمهورية خاطب المتظاهرين. وبدأ الناس يتفرقون".

قنبلة موقوتة من بقايا الحقبة السوفييتية

وتعدّ جمهورية كاراكالباكستان مثالاً جديداً على "قنابل موقوتة" وضعها القادة السوفييت من أجل منع انهيار إمبراطوريتهم بسهولة، ظهر منها في العقود الثلاثة الأخيرة جمهوريات ناغورنو كاراباخ (بين أرمينيا وأذربيجان)، وأوسيتيا الجنوبية (في جورجيا)، وأبخازيا (في جورجيا أيضاً)، وبريدنيستروفيا (ترانسنستسيريا في مولدوفا)، وشبه جزيرة القرم الأوكرانية (ضمّتها روسيا بالقوة في عام 2014) وكذلك جمهورية الشيشان الداخلة ضمن الاتحاد الروسي، ومن غير المستبعد أن تطل نزاعات أخرى برأسها.

وجمهورية كاراكالباكستان جزء من منطقة خوارزم التاريخية المعروفة، والموزعة حالياً بين أوزبكستان وتركمانستان، وتبلغ مساحتها 166.590 ألف كيلومتر مربع، أي ما يوازي 35 في المائة من مساحة أوزبكستان، ويقطنها قرابة مليوني شخص، حسب أحدث الاحصاءات (سكان أوزبكستان 35 مليوناً)، وفيها لغتان رسميتان: الأوزبكية والكاراكالباكية.

وفي أوائل العهد السوفييتي (1917 ـ 1991)، تم ضم كاراكالباكستان كمنطقة حكم ذاتي في جمهورية كازاخستان الاشتراكية، وفي وقت لاحق ضُمّت إلى قيرغيزستان.

وفي عام 1932 أصبحت تابعة لجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفييتية تحت اسم "جمهورية كاراكالباكيا الاشتراكية ذات الحكم الذاتي". وفي نهاية عام 1936، أُلحقت بجمهورية أوزبكستان الاشتراكية السوفييتية.

وظهرت المشكلة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كانت الحدود بين بلدانه مجرد حدود إدارية لدولة لم يتوقع الشيوعيون انهيارها، ففي عام 1990 اعتمد المجلس الأعلى لجمهورية كاراكالباكيا إعلان سيادة الدولة كدولة مستقلة.

وفي عام 1993، وقعت الجمهورية اتفاقاً للدخول في أوزبكستان لمدة عشرين عاماً. ونص الاتفاق على حق الانسحاب من أوزبكستان عبر إجراء استفتاء. ونصّت المادة 74 من الدستور الأوزبكي على أن جمهورية كاراكالباكستان هي "جمهورية برلمانية، ولها علم الدولة الخاص بها، وشعارها، ودستور خاص بها، ونشيد وطني".

وحسب الاتفاق الموقع، فقد كان مقرراً البت في الوضع القانوني للجمهورية منذ عام 2013 بمقتضى استفتاء يحدد بقاءها ضمن أوزبكستان أو انفصالها، ولكن معارضي البقاء ضمن أوزبكستان يتهمون طشقند بمحاولات منهجية من أجل دمج كاراكالباكستان مع المناطق الأوزبكية الأخرى، والتضييق على اللغة الكاركالبيكية التي تعتمد الأحرف الكيريلية (الروسية)، علماً أن أوزبكستان قررت منذ سنوات اعتماد الأحرف اللاتينية في لغتها.

ويرأس كاراكالباكستان منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2020 مراد كاليبيكوفيتش كمالوف. وحسب موقع "نيوز 1 رو" الروسي فإن الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضائيف رشحه كمرشح وحيد للموافقة عليه من قبل مجلس الحكماء "جوكارجي كينيس" في جمهورية كاراكالباكستان.

كان مقرراً البت في الوضع القانوني للجمهورية منذ عام 2013 بمقتضى استفتاء يحدد بقاءها ضمن أوزبكستان أو انفصالها

وأشار الموقع إلى علاقات جيدة تربط الرئيسين، خصوصاً أن كمالوف تخرج من المدرسة العليا لـ"كا جي بي" جمهورية أوزبكستان الاشتراكية السوفييتية، وعمل بين عامي 2018 و2020 رئيساً لجهاز أمن الدولة في كاراكالباكستان.

وكانت الجمهورية من المناطق الزراعية المهمة وتنتج كميات كبيرة من القطن والقمح والخضروات، ولكن الاستغلال السيئ للأنهر في الحقبة السوفييتية، أدى إلى كارثة بيئية في المنطقة، التي بات معظم أجزائها صحراء قاحلة بعد جفاف بحر الأورال.

وحسب البيانات الرسمية، يوجد الكثير من المعادن في المناطق الصحراوية، وهناك رواسب ضخمة من الذهب والحديد والفوسفوريت والبنتونيت وطين الكاولين والأملاح إضافة إلى الغرانيت والرخام.

وترى المعارضة أن اكتشاف النفط والغاز أخيراً والثروات المعدنية في الجمهورية، كان السبب الرئيس في محاولات طشقند تسريع عملية دمجها بباقي المناطق، وعدم مراعاة خصوصيتها، ولاحقاً الوصول إلى تثبيت وضعية قانونية جديدة تنهي وضعية نادرة في العالم وهي جمهورية مستقلة في داخل جمهورية مستقلة أخرى.