قيس سعيد… رفض المحكمة الدستورية طريقاً لحل البرلمان

09 ابريل 2021
أنصار سعيّد يواكبون مواقفه بالدعوة لحلّ البرلمان (Getty)
+ الخط -

رُفع الستار عن خلفيات الصراع الدائر بين الرئيس التونسي قيس سعيّد من جهة والبرلمان من جهة أخرى حول المحكمة الدستورية، خصوصاً أن الدافع الرئيسي الذي جعل الرئيس يرفض مشروع القانون، الذي صوّت عليه مجلس النواب في 25 مارس/آذار الماضي، ليس قانونياً بقدر ما هو سياسي. وهذا ما أكده في الخطاب الذي ألقاه في الذكرى الـ21 لوفاة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، يوم الثلاثاء الماضي في مدينة المنستير.

في البداية فاجأ رئيس الجمهورية الجميع عندما اعتبر ضمنياً في رسالة الردّ على البرلمان، أن المحكمة الدستورية فقدت أهميتها بسبب تجاوز الآجال القانونية التي وضعها المؤسسون للدستور. فالمجلس الوطني التأسيسي الذي ختم أعماله في عام 2014، وضع عدداً من شروط إنشاء المحكمة، من بينها ضرورة أن يتم تركيزها في آجال محددة لا تتجاوز السنة بعد ختم الدستور، أي في مهلة لا تتعدى عام 2015. وكأن سعيّد بهذا الاعتراض يقول للطبقة السياسية التي تحمّست للمحكمة: "فاتكم قطار الزمن"، مكرراً ذلك بوضوح في خطاب المنستير.


يُمكن أن يعطي سعيّد المبرر للذين يطالبون بعزله برفضه المحكمة الدستورية

وأزعج ردّ سعيّد الكثيرين، موقعاً الجميع في حيرة، أحزاباً وخبراء مختصين في القانون الدستوري. واعتبر جميعهم أن سعيّد وضع نفسه في زاوية ضيقة، لأنه في صورة رفضه التوقيع على مشروع القانون بعد قراءة ثانية يرتكب خطأ جسيماً، يمكن أن يعطي المبرر للذين يطالبون بعزله نهائياً. مع العلم أن فقهاء القانون الدستوري اكتسبوا أهمية خاصة منذ الثورة في عامي 2010 و2011، وحتى الآن. لكن مع تبوء سعيّد سدّة الرئاسة، وجد هؤلاء أنفسهم في صدارة المشهد، في خضمّ جدال متواصل مع الرئيس حول تأويل فصول من الدستور. وعلى الرغم من أهمية هذا النقاش في بلد يخوض للمرة الأولى في مسيرته الطويلة تجربة ديمقراطية صعبة وهشة، إلا أنه من غير المقبول اختزال الحالة التونسية في بعد واحد، وهو البعد الدستوري أو بشكل أوسع القانوني.

كما يواجه سعيّد اعتراضات جدية من قبل زملائه، ومنهم القاضي الإداري، المحامي أحمد صواب، الذي اعتبر أن ما ذهب إليه رئيس الجمهورية في رفضه مشروع القانون: "غرابة تزيد في اغتراب الرئيس في الزمان والمكان". وأضاف: "كأني به يقول: طالما أنا هنا لن تتحقق المحكمة الدستورية"، مشيراً إلى أن هذه القراءة "ضرب لشرعية المجلس الأعلى للقضاء، الذي تم تركيزه أيضاً بعد تجاوز المدة القانونية". أما زميله السابق بنفس الجامعة، جامعة تونس، جوهر بن مبارك، فذكر في تدوينة له على "فيسبوك" أن رئيس الدولة "سيجد نفسه مخالفاً للدستور من ثلاثة أوجه على الأقل". مع العلم أن بن مبارك كان من بين المدافعين عن سعيّد في مرحلة سابقة.


قرر البرلمان عقد جلسة عامة الأسبوع المقبل لمناقشة رسالة سعيّد

ومن المتوقع أن يؤدي موقف رئيس الجمهورية إلى وقوع الجميع في مأزق، بسبب إصراره على رفض قانون المحكمة الدستورية، في ظل دستور يفرض عليه التوقيع وعدم رفض مشروع قانون سبق أن خضع لقراءة ثانية. وإن فعلها فسيكون قد ارتكب ما يصفه الدستوريون "خطأ جسيماً"، لكن من هي الجهة التي ستحدد هذا الخطأ، إن كان جسيماً أم لا في غياب المحكمة الدستورية. بالتالي لا يوجد بديل عن هذه المحكمة، ولا يمكن أن ينصب الرئيس نفسه بديلاً عنها، وهذا الأمر مخالف للدستور، ولن ترضى به الأحزاب السياسية التي لا يؤمن بها سعيّد.

ويرغب سعيّد في الدفع بالأزمة الراهنة نحو حلّ البرلمان، لذلك لوحظ أن أنصاره يواكبون تحركاته عبر رفع شعارات بارزة لوسائل الإعلام، في سياق مطالباتهم بحلّ البرلمان. مع العلم أن سعيّد غير قادر، ولا يحق له، أن يقدم على مثل هذه الخطوة بمفرده. كما يخشى من أن تتحول المحكمة إلى سلاح ضده، يؤدي إلى سحب الثقة منه، خصوصاً أن بعض النواب دعوا لإزاحته.

وما يجري حالياً في تونس هو معركة كسر عظم بين سعيّد ومعارضيه، وهو ما أفضى إلى تأجيل البرلمان أول من أمس الأربعاء، جلسة انتخاب الأعضاء الثلاثة المتبقين للمحكمة، من أصل 12 عضواً، التي كانت مقررة أمس الخميس، إلى موعد لاحق لم يحدده. وتقرّر عقد جلسة عامة الأسبوع المقبل "لمناقشة نصّ الرسالة" التي وجهها سعيّد إلى النواب. ورأى مراقبون في ذلك، محاولة لربح الوقت وتعميق النقاش بين الكتل، بحثاً عن صيغة تجنّب الوصول إلى القطيعة التامة بين الرئيس والأغلبية البرلمانية التي تتقدمها حركة "النهضة"، التي باتت على اقتناع بأن التفاهم مع سعيّد أصبح حلماً بعيد المنال، بفعل انتقاده اللاذع المتكرر لها من دون تسميتها. وكأن الخلاف السياسي ـ الدستوري لا يكفي في تونس، مع تراجع حظوظ الحوار الوطني الذي يطالب به الاتحاد العام التونسي للشغل، والذي تضاربت في شأنه مواقف الرئيس كثيراً.

المساهمون