أعلنت ثلاثة فصائل عسكرية تنشط في الشمال السوري عن تشكيل جسم جديد لـ "دعم المؤسسات الثورية"، ضمن صفوف "الجيش الوطني السوري" المعارض، والذي كما يبدو أن قيادته غير راضية عن تشكيل يؤكد أن النزعة الفصائلية ما تزال تحكم المشهد في الشمال.
وفي بيان، أعلنت فصائل: فرقة المعتصم، والجبهة الشامية، وتجمّع الشهباء، أمس الأحد تشكيل "القوة الموحدة"، ضمن صفوف الجيش الوطني وفق البيان، الذي أشار إلى أن الهدف من هذا التشكيل "دعم المؤسسات الثورية وتعزيز فاعليتها، ورفع الكفاءة العسكرية لعناصرها، والحفاظ على السلم الأهلي ومنع الاقتتال الداخلي"، وفق البيان.
ويبدو أن قيادة الجيش الوطني السوري المعارض غير راضية عن التشكيل الجديد، الذي يعزز حالة فوضى السلاح في الشمال السوري، ويكرس عجز وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة وعدم قدرتها على ضبط المشهد العسكري، الذي يعج بعشرات الفصائل متباينة الأهداف والرؤى والارتباطات.
وأشار هشام اسكيف، وهو من مكتب العلاقات العامة في الفيلق الثالث التابع لـ "الجيش الوطني" في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه "لا نعلم ما هو الهدف الأساسي من وراء تشكيل القوة الموحدة"، مضيفا: "نحن مهتمون ببناء المؤسسة العسكرية بشكل رئيسي، وهذا هو القياس بالنسبة لنا، فكل ما يقويها ويدعمها يصب في الاتجاه الصحيح وكل ما يعيدنا خطوة إلى الوراء لا نعتقد أنه عمل صائب".
وتابع اسكيف: "لدينا رؤية واضحة تقوم على تحقيق الضبط الأمني والعسكري عبر مؤسسة الجيش الوطني ووزارة الدفاع دون التفريط بالحريات العامة ودون المساس بحقوق المجتمع وأهداف الثورة".
وأشار إلى أن "بناء مؤسسة عسكرية ونقل التشكيلات من الحالة السائلة إلى حالة مختلفة تماما ضمن وزارة دفاع، عمل شاق ومرهق"، مضيفا: "لا نريد زعامات، بل نريد مؤسسة عسكرية".
وأعلن عن تشكيل "الجيش الوطني السوري" في ديسمبر/ كانون الأول 2017، من "الحكومة المؤقتة"، التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وبدعم واسع من الجانب التركي لمحاصرة النزعة الفصائلية التي تسود الشمال السوري، وإنشاء مرجعية عسكرية واحدة لفصائل المعارضة السورية. ويضم هذا الجيش فيالق عدة، يضم كل واحد منها العديد من الألوية، أُتبعت بها شرطة عسكرية.
مشكلة بنيوية
من جانبه، أوضح الباحث وائل علوان في حديث مع "العربي الجديد" أن "القوة الموحدة هي غرفة عمليات"، مضيفا: "من المؤكد أن الجيش الوطني موقفه سلبي منها لأنها تشكلت خارج إطاره".
وتابع علوان، المواكب للمشهد الفصائلي في شمال سورية، أن "الفصائل التي شكلت هذه القوة غير راضية عن قيادة الجيش الوطني وتعتبر أن قادة الفيالق يحتكرون القرار".
وأشار الباحث السوري إلى أن "نفوذ وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة شكلي"، لافتاً إلى أن "قائد فرقة السلطان مراد وقيادة الفيلق الثالث، وقيادة الفيلق الأول تحتكر قرار الفصائل في الشمال السوري. هناك مشكلة بنيوية في الجيش الوطني ولم يستطع تجاوز الفصائلية رغم مرور سنوات على تشكيله".
بيد أن علوان رأى أنه "لا تتوفر لدى القوة الموحدة عوامل الاستمرار"، مضيفا أن "الفصائل التي شكلت القوة بينها منافسة مناطقية وفصائلية. أعتقد أنها ستشكل ضغطا على الجيش الوطني، ولكن أعتقد أنها لن تستمر طويلا".
ومنذ تأسيسه، شارك الجيش الوطني في عمليتين مع الجيش التركي، الأولى مطلع عام 2018 ضد الوحدات الكردية في منطقة عفرين انتهت بانسحاب الأخيرة من هذه المنطقة، التي باتت من أهم مراكز النفوذ لـ"الجيش الوطني"، والثانية أواخر 2019، حيث ساندت هذه الفصائل الجيش التركي في عملية "نبع السلام" ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي اضطرت للانسحاب من مدينتي تل أبيض ورأس العين وريفيهما. ولطالما شهد الشمال السوري خلال السنوات الفائتة حوادث اقتتال وصراع على النفوذ في مناطق محدودة الموارد بين فصائل تابعة لهذا الجيش، الذي يحاول في كل مرة محاصرة هذه الحوادث ويكتفي أحيانا بإصدار البيانات التي تدعو إلى "التوقف الفوري عن الاحتكام للسلاح".
وتحت راية هذا الجيش ولدت تشكيلات متعددة من اندماج عدة فصائل، أبرزها: "جبهة التحرير والبناء"، وضمّت كلاً من: جيش الشرقية، فرقة أحرار الشرقية، الفرقة 20، صقور الشام (قطاع الشرقية). وفي عام 2021، أعلنت مجموعة من الفصائل الانضواء ضمن تشكيل عسكري واحد حمل اسم "ثائرون"، ضم كلاً من: فرقة السلطان مراد، فيلق الشام - قطاع الشمال، ثوار الشام وفرقة المنتصر بالله، بالإضافة إلى الفرقة الأولى بمكوناتها: لواء الشمال والفرقة التاسعة واللواء 112. وفي العام ذاته، أعلنت خمسة من أكبر فصائل "الجيش الوطني"، الاندماج ضمن تشكيل جديد، حمل اسم "الجبهة السورية للتحرير".
ويسيطر "الجيش الوطني" السوري على منطقة "درع الفرات" في ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي، والتي تضم العديد من المدن والبلدات، أبرزها الباب وجرابلس ومارع. كما ينتشر في مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، التي تحتضن العديد من مؤسسات المعارضة السورية، وعلى منطقة "غصن الزيتون" التي تضم منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية من السكان، فضلاً عن كونها تحتضن عشرات الآلاف من النازحين والمهجرين.
وفي شرقي نهر الفرات، يسيطر "الجيش الوطني" المعارض على شريط حدودي بطول 100 كيلومتر، وبعمق 33 كيلومتراً، وهو ما بات يُعرف بـ"منطقة نبع السلام".