قمة داخل قمة

14 سبتمبر 2022
مشاركة ملك المغرب بالقمّة من السيناريوهات المتوقعة في الجزائر (Getty)
+ الخط -

التسريبات بشأن نيّة ملك المغرب محمد السادس، المشاركة في القمّة العربية المقبلة المقررة في الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، مهمة. المشاركة أصلاً كانت من السيناريوهات المتوقعة في الجزائر. ويأخذ القرار أهميته من الظروف المشحونة والمتوترة قبل ومنذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في أغسطس/آب 2021.

قد يكون تسريب الخبر قبل الإعلان الرسمي يستهدف اختبار ردّ فعل الجانب الجزائري، على صعيد التعاطي السياسي والإعلامي. لكنه على المستوى العملي، وكيفما كانت الأسباب والدوافع التي أفضت على مستوى المؤسسة الرسمية في المغرب إلى قرار مشاركة الملك محمد السادس شخصياً في قمة الجزائر، فإنه أمر يفرض التعاطي معه بالإيجابية المطلوبة، وبالقدر الذي يجعل منه فرصة، أو ربع فرصة حتى، لفكّ ما أمكن من عقدة الأزمة المستحكمة بين البلدين، واستغلال كلّ إمكانية متاحة أو مؤدية إلى ذلك.

تتشابه ظروف العلاقات ومنسوب التوتر السياسي بين الجزائر والمغرب، أو تكاد، مع نفس الظروف عشية ثلاث قمم عربية سابقة احتضنتها الجزائر، لم يغب المغرب عن أيّ منها: في قمّة نوفمبر 1973، وفي قمّة يونيو/حزيران 1988، وفي قمّة مارس/آذار 2005. وسواء كان ذلك الحضور رغبةً من المغرب في تحقيق غايات سياسية أو التزاماً بالمُشترك العربي، فإنها كانت كلّها محطات كُسر فيها جليد، وتمّت خلالها لقاءات نادرة بين قادة البلدين، وفتحت فيها نافذة وسُمع فيها أزيز باب.

صحيح أن تلك اللقاءات والقمم الثنائية داخل القمّة الكبيرة، لم تحقق كثيراً من المخرجات، عدا تخفيف نسبي لحملات الدعاية المتبادلة، ولم توفر سبلاً لبدء مسارات تسوية لمأزق العلاقات بين الجزائر والرباط.

أصل الأزمة متصل بما هو أعمق ويتجاوز البعد الثنائي في العلاقة، بقضية وحدة ترابية بالنسبة للرباط، وبقضية تصفية استعمار بالنسبة للجزائر، بحيث كان يعقبها دائماً بفترة تطور سلبي في منحى الأزمة والعلاقات. وإذا كان القياس نفسه والأصل نفسه، فإنه ليس جديراً توقع أن تحدث القمّة داخل القمّة المقبلة بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والملك المغربي تطويراً إيجابياً في الموقف الراهن، إلا إذا كانت الكواليس العربية تشتغل في صمت.

ما من شك أن المسافة متباعدة بين الجزائر والمغرب على صعيد المواقف والقضايا الخلافية، كما أن السياقات الحالية تختلف كلّية عن الظروف السابقة. وربما أضافت العوامل الطارئة، وفي مقدمتها التطبيع، وإصرار الرباط على ترسيخ علاقاتها مع الكيان الصهيوني، مزيداً من القواطع الصلبة. وقد لا تتيح ظروف القمّة ومجرياتها مناقشة القضايا الثنائية والأزمة السياسية الحادة بين البلدين، لكن لا شيء يمنع استغلال القمة، لمصارحةٍ ومكاشفة تضع نقطة بداية لوضع الأزمة على الطاولة بدلاً من الهروب إلى المجاهيل.

في لحظة ما، يبدو المستوى الحاد الذي وصلت إليه الأزمة ومنسوب التوتر بين البلدين في الوقت الراهن، ضرورياً، لدفع كل طرف إلى كشف أوراقه، والعودة إلى أصل المشكلة، والبحث بما تقتضيه المسؤولية عن مخارج تضع كل قضية في مكانها السليم، لتلافي استنزاف باهظ ومكلف.

المساهمون