استمع إلى الملخص
- تسعى القمة لتعزيز التعاون بعيداً عن التوجهات الغربية، حيث أكد بوتين أن المجموعة ليست معادية للغرب. توسع المجموعة يفتح فرصاً جديدة مثل القروض الميسرة لمصر وتنويع الاستثمارات للإمارات.
- قررت كازاخستان عدم الانضمام، مفضلة التركيز على الأمم المتحدة. تأسست بريكس في 2006، وانضمت جنوب أفريقيا في 2011، ودُعيت ست دول للانضمام في 2023، ورفضت الأرجنتين.
تنطلق في مدينة قازان، عاصمة جمهورية تتارستان، الواقعة على بعد نحو 800 كيلومتر من شرقي موسكو، اليوم الثلاثاء، فعاليات قمة بريكس بدورتها الـ16، التي ستستمر حتى الخميس المقبل. وهي القمة الأولى بتشكيلة موسعة بعد انضمام مصر وإيران والإمارات والسعودية وإثيوبيا في مطلع العام الحالي إلى المجموعة، المكونة أساساً من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ما يضع على عاتقها مهمة تحديد المعايير الجديدة لأداء المجموعة الموسعة وقبول أعضاء جدد.
قمة بريكس بمشاركة 32 بلداً، ستكون أكثر من 20 منها ممثلة بقادتها، بما في ذلك ثمان من أصل عشر دول أعضاء، باستثناء السعودية التي قررت إيفاد وزير خارجيتها فيصل بن فرحان، والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، لاعتذاره عن عدم الحضور في اللحظة الأخيرة لما قال إنه اعتبارات صحية. من المنتظر أن يحضر قمة بريكس الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، والأمين العام لمنظمة شنغهاي للتعاون تشانغ مينغ، والأمناء العامون لرابطة الدول المستقلة والاتحاد الاقتصادي الأوراسي ودولة الاتحاد (بين روسيا وبيلاروسيا)، ورئيسة بنك التنمية الجديد التابع للمجموعة الرئيسة البرازيلية السابقة ديلما روسيف.
سيرغي بالماسوف: تواجه مصر ظروفاً اقتصادية صعبة ويمكنها الحصول على قروض ميسرة عبر البنك الجديد للتنمية
قمة بريكس والسياسة الخارجية
لما كانت الدول الأعضاء الجديدة بالمجموعة، لا سيما العربية منها، تجمعها علاقات وطيدة مع مختلف أقطاب العالم، سارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة الماضي، للتأكيد عشية انعقاد القمة أن "قمة بريكس ليست مجموعة معادية للغرب، بل هي مجموعة غير غربية". وشدد بوتين في مقابلة مع وسائل إعلام تابعة لدول المجموعة على أن قمة بريكس هي مجموعة دول تعمل معاً "انطلاقاً من القيم المشتركة والرؤية المشتركة للتنمية، والأهم مراعاة مصالح بعضها بعضاً". من جهته، قال معاون الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، رئيس لجنة قمة بريكس التنظيمية، إنّ قمة قازان "قد تكون أكبر فعالية للسياسة الخارجية نظمت يوماً في بلادنا". ورأى أوشاكوف في تصريحات صحافية، الأسبوع الماضي، أن "المستوى الرفيع والتمثيل الجغرافي الواسع بقمة قازان يدلان على دور (بريكس) ومكانتها على الساحة الدولية والاهتمام المتزايد من قبل الدول التي تنتهج سياسة خارجية مستقلة".
يشكل 2024 عام توسع المجموعة عبر ضم مشاركين جدد، وسط توقعات بأن بدء موجة جديدة من التوسع مجرد مسألة وقت. ووسّع التغير العددي للمجموعة إعلامياً وسياسياً أجندة الرئاسة الروسية والوثائق والقرارات التي قد يتم تبنيها في ختام القمة الخميس المقبل. وبذلك تصبح المهمة الرئيسية لـ"بريكس" للسنوات المقبلة هي تحقيق التوازن في التوسع العددي، إذ تعتمد أهلية الكتلة على قدرة "بريكس" الموسعة على حل هذه المعادلة.
مرونة "بريكس" ووضعها غير الرسمي، من الدوافع الرئيسية للاهتمام الدولي بالمجموعة ورغبة دول عدة في الانضمام إليها، إدراكاً من الأعضاء المحتملين أنهم لن يضطروا للخضوع إلى "الانتقاء" الصارم، كما هو الحال في المنظمات الإقليمية أو وضع التزامات قانونية على عاتقهم على غرار بلدان الاتحاد الأوروبي مثلاً. وبذلك تدرك الدول المرشحة أن الانضمام إلى "بريكس" سيكون عملية سلسة لن تترتب عليها أعباء إضافية مثل خسارة موارد اقتصادية أو التنازل عن السيادة الوطنية. ومع ذلك، اعتبر سيرغي بالماسوف، الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية ومعهد دراسات الشرق الأوسط، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه لم يعد من الممكن تصنيف مجموعة بريكس منظمة اقتصادية بامتياز، معتبراً أنها أصبحت أداة بين أيدي الأعضاء الجدد للمناورة بين مختلف أقطاب العالم. وقال بالماسوف لـ"العربي الجديد"، إنّ "بريكس أنشئت في أساسها مجموعةً للاقتصادات الكبرى غير الغربية، ولكنه يتم تدريجياً تحت تأثير روسيا التخلي عن هذا النموذج، رغم أن الهند أصرت حتى اللحظة الأخيرة على أن تقتصر العضوية على أكبر الاقتصادات بلا توجّه معاد للغرب".
حول رؤيته للفرص التي فتحتها عضوية "بريكس" أمام الدول العربية، رأى بالماسوف أن "تزايد عدد أعضاء مجموعة بريكس هو من فرص المناورة بين القوى العظمى والابتعاد عن النموذج الغربي حصراً للتنمية، الذي يفرضه صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات المالية العالمية". أما بالنسبة إلى مصر، وفقاً له، فإنها "تواجه ظروفاً اقتصادية صعبة ويمكنها الحصول على قروض ميسرة عبر البنك الجديد للتنمية. أما الإمارات، فحصلت على منصة للتواصل مع قادة أهم الدول من دون آذان غربية، وتنويع وجهات استثماراتها الخارجية الضخمة". وعن انضمام تركيا إلى مجموعة بريكس، قال بالماسوف: "صحيح أن الاقتصاد التركي ليس بقوة أغلبية الدول الأعضاء، ولكن عضويتها لها أهمية كبرى من جهة كونها جسراً بين أوروبا وآسيا، وإتاحة الفرصة لأنقرة لعدم الانغلاق على الغرب وحلف شمال الأطلسي (ناتو). ورغم أن بريكس تعرّف نفسها بأنها مجموعة اقتصادية، ولكن لقاءات قادتها لها بعد سياسي أيضاً، وهو ما يعكس طابعها المنافس للغرب". وكان الكرملين قد أعلن في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن تركيا تقدمت بطلب رسمي للانضمام إلى "بريكس"، وسط توقعات بأن يشارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة قازان.
وجزم الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية والأستاذ بالجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب كامران غسانوف بجدية نيّات تركيا الانضمام إلى "بريكس"، قائلاً لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن تركيا صادقة في نياتها نيل عضوية بريكس بعد تعثر آفاق التكامل الأوروبي بشكل نهائي، على الأقل تحت حكم أردوغان الذي قد يستثمر ورقة بريكس لإظهار استقلاليته أمام ناتو والاستفادة من صناديق المجموعة لدعم الليرة المتهاوية وتمويل مشاريع دولية كبرى على الأراضي التركية". في المقابل، بدا التردد السعودي في تفعيل عضويتها في "بريكس" واضحاً منذ مطلع العام الحالي بموازاة ضعف مشاركة الرياض في فعاليات المجموعة وصولاً إلى عزوف ولي العهد محمد بن سلمان عن الحضور إلى قازان، وهو وضع علق عليه غسانوف بالقول: "تسعى السعودية، التي يجمعها التنسيق مع روسيا في مجال النفط، لإبرام اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة التي تطالبها بالاعتراف بإسرائيل، وهو ما تعرقله الأحداث في فلسطين. لذلك تريد الرياض المناورة ضمن هذه الحلقة المفرغة، وتطور العلاقات مع روسيا والصين من دون تفعيل عضوية (بريكس) لعدم استفزاز واشنطن".
كامران غسانوف: أردوغان قد يستثمر ورقة بريكس لإظهار استقلاليته أمام ناتو
غياب كازاخستان
كان لافتاً في الأسبوع الأخير قبل انعقاد قمة بريكس حسم كازاخستان موقفها لصالح عدم الانضمام إلى المجموعة، وهو ما أرجعته الرئاسة الكازاخستانية إلى إعطاء الأولوية للأمم المتحدة باعتبارها "منظمة شاملة لا بديلة لها". وحول رؤيته لدوافع كازاخستان للنأي بنفسها عن "بريكس"، أوضح غسانوف أن "كازاخستان تتعرض لضغوط كبيرة، ورغم علاقاتها المتطورة مع روسيا ضمن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، إلا أنها تعتمد بشكل كبير على شركات النفط الأوروبية والأميركية، كما يسعى الرئيس قاسم جومارت توكاييف لتقديم كازاخستان باعتبارها قوة متوسطة محايدة، مدركاً أن الانضمام إلى بريكس سيعني انتقالاً، ولو غير رسمي، إلى معسكر خصوم ناتو ومجموعة الدول السبع". اللافت أن مجموعة بريكس اكتسبت لأول مرة بعداً أفريقياً بعد انضمام جمهورية جنوب أفريقيا إلى المجموعة في عام 2011، مع التركيز حينها على قضيتي مكافحة الفقر ودعم تطوير البنية التحتية، لتصبح الأجندة الأفريقية جزءاً لا يتجزأ من البيانات التي تصدرها "بريكس" في ختام قممها عاماً بعد عام.
أثناء انعقاد قمة بريكس التاريخية في جوهانسبورغ الجنوب أفريقية العام الماضي، التي شهدت توسعاً للمجموعة، "تمكنت جنوب أفريقيا من إظهار نضج دبلوماسيتها القادرة على حل مهام ذات نطاق عالمي من جهة التنسيق والإعداد لهذا القرار في ظروف الضغوط الغربية"، ولكنها فقدت من جانب آخر حقها الحصري في الحديث بـ"صوت سائر أفريقيا" في المجموعة بعد انضمام إثيوبيا ومصر، وفق تقدير لنادي فالداي الدولي للنقاشات في مقال بعنوان "البعد الأفريقي لبريكس". ومع ذلك، اعتبر كتّاب المقال الذي نشر بمجلة "روسيا في السياسة العالمية" في عددها لشهري سبتمبر الماضي وأكتوبر/ تشرين الأول الحالي، أن "اختيار هذين العضوين الجديدين شكّل انتصاراً لجنوب أفريقيا، لأن السياسة المصرية موجهة بدرجة أكبر إلى الشرق الأوسط، وإثيوبيا يمكنها التطلع للريادة الإقليمية نظراً لاحتضانها مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، إلا أنها لا تتمتع بثقل نيجيريا نفسه وتواجه تحديات داخلية"، وفق نادي فالداي.
مجموعة "بريك"، كما كانت تسمى عند تأسيسها في عام 2006، ضمت أربعة اقتصادات عالمية صاعدة، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين، قبل انضمام جنوب أفريقيا إلى المجموعة في عام 2011 كأول دولة تمثل القارة الأفريقية بالمجموعة. وفي أغسطس/ آب 2023، وجهت الدعوة للانضمام للمجموعة إلى ست دول، بما فيها الأرجنتين التي قابلتها بالرفض في نهاية العام الماضي، بينما نالت الدول الخمس الأخرى، مصر وإيران والإمارات والسعودية وإثيوبيا، العضوية الكاملة ضمن "بريكس" تحت رئاسة روسيا اعتباراً من 1 يناير/ كانون الثاني 2024. وفي عام 2014، أنشئ البنك الجديد للتنمية بموجب الاتفاقية الحكومية الموقعة في القمة السادسة لـ"بريكس" بهدف تمويل المشاريع في مجال البنية التحتية والتنمية المستديمة في الدول الأعضاء وغيرها من البلدان النامية.