قمة أفريقية فرنسية غير عادية: ماكرون يغازل شباب القارة

06 أكتوبر 2021
مرّت العلاقة الأفريقية الفرنسية في عهد ماكرون بمحطات عدة (Getty)
+ الخط -

على وقع العلاقات المتوترة بين فرنسا وعدد من الدول الأفريقية، على رأسها الأزمة المتفاقمة بين باريس والجزائر، والانسحاب الفرنسي التدريجي من مالي، يتحضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تنتهي ولايته الرئاسية الأولى في الربيع المقبل، لعقد قمّة أفريقية – فرنسية بصيغة غير مسبوقة، في مدينة مونبيلييه، بعد غدٍ الجمعة، تستضيف 3 آلاف شخص، منهم ألف شاب أفريقي، مع استبعاد زعماء ورؤساء الدول الأفريقية، الذين عقد معهم ماكرون قمماً عدة، منذ وصوله إلى الإليزيه عام 2017.

وتحمل القمة المرتقبة، عنوان إعادة التأسيس للعلاقة الفرنسية – الأفريقية، لكنها تأتي أيضاً فيما تعاني فرنسا من منافسة دولية قوية، في تلك المنطقة الحيوية لأمنها والأمن الأوروبي، الذي تعد أفريقيا حديقته الخلفية.

وقال الإليزيه إن الأمر يتعلق بـ"الإنصات للشباب الأفريقي"، و"الخروج من الصيغ والشبكات البالية"، بعدما أقرّ معد القمّة ومنظمها، المفكر الكاميروني أشيل مبيمبي، بأن فرنسا منفصلة جداً عن واقع "الحركات الجديدة والتجارب السياسية والثقافية" التي يقوم بها الشباب الأفريقي.

سيحضر قمة مونبيلييه، رواد أعمال وفنانون ورياضيون شباب

وسيحضر قمة مونبيلييه، رواد أعمال وفنانون ورياضيون شباب، لمحاولة "إعادة التأسيس" هذه. وفي العموم، يتوقع حضور نحو ثلاثة آلاف شخص، بمن فيهم أكثر من ألف شاب من القارة، بينهم المجتمعات الأهلية الأفريقية والفرنسية والشتات، لبحث قضايا اقتصادية وثقافية وسياسية.

وأشاد الإليزيه، بالصيغة "غير المسبوقة" للحدث، بعد استبعاد رؤساء الدول الأفريقية للمرة الأولى في تاريخ اجتماعات القمة بين القارة وفرنسا، التي شهدت منذ 1973 على العلاقات المتقلبة بين أفريقيا والقوة الاستعمارية السابقة، مؤكداً أن "كل المواضيع التي تثير الغضب ستطرح على الطاولة"، من التدخلات العسكرية الفرنسية إلى السيادة والحوكمة والديمقراطية، معترفاً بأن "الأجواء السياسية الحالية تجعل المناقشات حساسة".

وسيحضر ماكرون شخصياً اللقاء، حيث سيجري حواراً في جلسة عامة مع شباب من 12 دولة أفريقية، بينها مالي وساحل العاج وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتونس وجنوب أفريقيا وكينيا. وتم اختيار هذه المجموعة بعد حوارات أجراها لأشهر في القارة المفكر مبيمبي.

وفي تقرير قدمه أمس الثلاثاء إلى الرئيس الفرنسي، قال مبيمبي خصوصاً إن فرنسا منفصلة جداً عن واقع "الحركات الجديدة والتجارب السياسية والثقافية" التي يقوم بها الشباب الأفريقي، مشيراً أيضاً إلى أنه من بين كل الخلافات، "ليس هناك ضرر أكبر من دعم فرنسا المفترض للاستبداد في القارة". 

 

ويعد الإليزيه بـ"مقترحات عملية" بناء على التقرير الذي قدمه مبيمبي إلى ماكرون. لكن الفيلسوف الكندي من أصل غيني، أمادو سادجو باري، يعتبر في حديث لـ"فرانس برس"، أنه "منذ خطاب واغادوغو لماكرون في 2017 (حين ندّد بجرائم الاستعمار الأوروبي في أفريقيا)، تحركت الخطوط بشكل رمزي، وكانت هناك إشارات مهمة"، مثل إعادة فرنسا قطعا منهوبة من بنين وإعلان انتهاء الفرنك الأفريقي واعتراف بـ"مسؤوليات جسيمة" لفرنسا في الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا في 1994، لكن في ما يتعلق بالسياسة الخارجية لا يمكننا التحدث عن تغييرات كبيرة".

ويذكّر سادجو باري خصوصاً، بقبول ماكرون فوراً بتولي نجل إدريس ديبي السلطة في تشاد في إبريل/نيسان الماضي. وسيسمح شكل القمة بنفض الغبار عن العلاقة الفرنسية – الأفريقية، لكنها تبقى في نظر سادجو باري "هزيمة رمزية لأفريقيا نفسها"، متسائلاً "لماذا لا يزال المستقبل البشري والسياسي والاقتصادي للقارة الأفريقية يناقش في فرنسا؟ لماذا لا تستمع الحكومات الأفريقية بنفسها إلى مخاوف شعوبها؟".

تواجه فرنسا في منطقة الساحل، منافسة على نفوذها، ولا سيما من قبل روسيا

وبمعزل عن القضايا الدبلوماسية والسياسية الكبرى، ستناقش قمة مونبيلييه الاهتمامات اليومية للشباب الأفارقة، مثل صعوبة الحصول على تأشيرات الدخول إلى فرنسا، وهي قضية تهم الشباب الأفريقي.

وحول ذلك، يقول مارك، وهو طالب من ساحل العاج في كلية الصحافة في لانيون في منطقة بريتاني الفرنسية: "أريد أن أقول للسلطات الفرنسية إن القدوم إلى فرنسا خيار ندفع ثمنه غالياً على جميع الأصعدة"، مشيراً إلى أنه "كافح" لأشهر للحصول على تأشيرة، ودفع كل مدخراته للمجيء إلى فرنسا.

من جهته، يلفت أنزومان سيسوكو، المدافع عن المقيمين بطريقة غير قانونية وعضو المجلس البلدي في باريس، في حديث لـ"فرانس برس"، إلى "وجود نوايا حسنة في قمة مونبيلييه، لكن هناك أيضاً مجموعة كاملة من السُكان غير المرئيين لم نوجه إليهم الدعوة: المهاجرون. إنهم الفاعلون الحقيقيون في التنمية بفضل المساعدة التي يقدمونها لعائلاتهم في أفريقيا"، بحسب تقديره. ويعرب سيسوكو عن أمله في "بناء الجسور بين أبناء الشتات المولودين في فرنسا والشباب المولودين في أفريقيا الذين يلقون بأنفسهم في البحر الأبيض المتوسط ليأتوا إلى هنا". 

محطات أفريقية

وشهدت ولاية ماكرون الكثير من الأحداث والمحطات الأفريقية، منذ أن وعد الرئيس الفرنسي في خطاب في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، برفع السرية عن الوثائق الفرنسية المتعلقة باغتيال توماس سانكارا، "أبو الثورة" في بوركينا فاسو الذي قُتل في انقلاب عام 1987. وفي هذا الشأن، تم بالفعل تسليم ثلاث مجموعات من الوثائق إلى القضاء في واغادوغو. كما أعلن ماكرون عن إعادة 26 قطعة فنية تطالب بها بنين جاءت من "كنز بيهانزان" الذي نهب في قصر أبومي في 1892 أثناء الحروب الاستعمارية، حيث يفترض أن تعاد هذه القطع في نهاية العام الحالي. وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، أعلن ماكرون ورئيس ساحل العاج الحسن واتارا، نهاية الفرنك الفرنسي الأفريقي في غرب أفريقيا، وهي العملة التي كانت تعتبر من قبل معارضيها أداة هيمنة لما بعد الاستعمار. وفي أيار/مايو 2021، بدأت فرنسا تحويل خمسة مليارات يورو من احتياطات النقد الأجنبي لدول غرب أفريقيا إلى المصرف المركزي لهذه البلدان، كما نصّ التعديل أيضاً على تغيير اسم العملة، ليصبح "الإيكو"، وهو أمر لم يطبق بعد.

ستناقش قمة مونبيلييه الاهتمامات اليومية للشباب الأفارقة، مثل صعوبة الحصول على تأشيرات الدخول إلى فرنسا

أما في ما خصّ الجزائر، فقد أعلنت الرئاسة الفرنسية في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، أن ماكرون سيتخذ "إجراءات رمزية" لتهدئة الذاكرة بشأن الحرب الجزائرية، ومحاولة التصالح بين البلدين، لكنه لن يقدم "اعتذارات" طلبتها الجزائر بعد نشر تقرير أعده المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا.

وفي مارس/آذار الماضي، اعترف ماكرون "باسم فرنسا" بأن المحامي والزعيم الوطني الجزائري علي بومنجل "تعرض للتعذيب والقتل" على يد الجيش الفرنسي في عام 1957. لكن خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، تدهورت العلاقات الثنائية، حيث منعت الجزائر الطائرات العسكرية الفرنسية من دخول مجالها الجوي بعد تصريحات نشرتها صحيفة "لوموند" الفرنسية، شكك فيها ماكرون بوجود "أمّة جزائرية" قبل الاستعمار الفرنسي لهذا البلد، معتبراً أن الجزائر قامت بعد استقلالها في 1962 على "إرث من الماضي" حافظ عليه "النظام السياسي العسكري".

من جهة أخرى، اعترف ماكرون في 28 مايو/أيار الماضي، من العاصمة الرواندية كيغالي، بـ"مسؤوليات" فرنسا في الإبادة الجماعية للتوتسي في هذا البلد عام 1994. ومن دون أن يقدم اعتذارات، قال إنه يأمل في الصفح من قبل الضحايا، لكنه رأى أن فرنسا "لم تكن شريكة" لمرتكبي الإبادة الجماعية وهو ما خلص إليه أيضا تقرير أعده مؤرخون في مارس.

تقارير عربية
التحديثات الحية

عسكرياً، أعلن ماكرون في يونيو/حزيران الماضي، 2021 عن خفض تدريجي للعسكريين الفرنسيين في منطقة الساحل، من خمسة آلاف جندي إلى حوالي 2500 أو ثلاثة آلاف يعملون في إطار قوة "برخان" الفرنسية. لكن فرنسا تشعر بالقلق من احتمال لجوء مالي إلى عناصر مجموعة مرتزقة "فاغنر" الروسية الخاصة التي تعتبر من وجهة نظر متابعين، أداة الكرملين للتغلغل في عدد كبير من الدول. وقبل أيام من القمة، أعلنت وزارة الخارجية المالية أمس، احتجاجها على تصريحات "مؤسفة" أدلى بها ماكرون بشأن المجلس العسكري الحاكم في مالي (يقود البلاد حالياً الكولونيل أسيمي غويتا كرئيس انتقالي)، وإعرابه عن أمله بـ"عودة الدولة" إلى البلد الأفريقي.

(فرانس برس)

المساهمون