تختلف التوقعات للنتيجة التي ستخرج بها القمة التي ستجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الأميركي جو بايدن، اليوم الإثنين في بروكسل، وذلك على وقع توترات مستمرة بين البلدين وتباينات في أكثر من ملف، لن يكون من السهل تجاوزها، وهو ما يدفع مراقبين لعدم رفع سقف الآمال كثيراً لحصيلة هذا اللقاء.
أكد المسؤولون الأتراك في الفترة الأخيرة أن أنقرة لن تقدّم تنازلات في أزمة صواريخ إس-400
ويلتقي أردوغان وبايدن على هامش قمة حلف شمال الأطلسي، للمرة الأولى منذ تولي الأخير منصبه رئيساً للولايات المتحدة قبل نحو 5 أشهر، وخلال هذه الفترة لم يحدث أي لقاء أو تواصل بينهما، عدا اتصال هاتفي واحد في إبريل/نيسان الماضي، أعقبه إضافة ملف جديد للخلافات بين البلدين، وهو الاعتراف الأميركي بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الأرمن خلال فترة الدولة العثمانية، ما دلّ على فترة جديدة من المواجهة بين البلدين.
أردوغان ووزير الخارجية مولود جاووش أوغلو، تحدثا مرات عدة في الفترة الأخيرة عن ترقبهما لهذه القمة، مع التشديد على مواقف أنقرة، وعدم وجود نيّة لتقديم تنازلات حيال الملفات العالقة، خصوصاً أزمة شراء تركيا صواريخ إس-400 الروسية، وما تبع ذلك من فرض عقوبات أميركية على أنقرة، وإخراجها من برنامج تصنيع مقاتلات إف-35 ومنع تسليمها مقاتلات اشترتها. في المقابل، تبدو واشنطن أيضاً مصممة على مواقفها، وقبيل القمة شهدت أنقرة زيارة مسؤولتين رفيعتين هما نائبة وزير الخارجية الأميركي شيرمي ويندمان، والمندوبة الدائمة في مجلس الأمن ليندا توماس غرينفيلد، من أجل التحضير للقمة وبحث الملفات المشتركة. ولكن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار كان قد لخّص أساس المشكلة بين البلدين بأنها ترتبط بدعم الولايات المتحدة لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية في سورية التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب "العمال الكردستاني"، وهو ما تنفيه واشنطن.
وتبقى في مقدمة الملفات الخلافية بين البلدين، الصواريخ الروسية التي تعتبرها واشنطن تهديداً مباشراً لمقاتلاتها الحديثة، فيما ترفض أنقرة التخلي عن هذه الصواريخ وعدم تفعيلها بحجة أنها بحاجة لنظام دفاع جوي متقدّم. وفيما تطلب الولايات المتحدة عدم تفعيل هذه المنظومة، وطرد الخبراء الروس من تركيا بحسب تسريبات إعلامية، فإن جاووش أوغلو أكد أنه لا يوجد أي خبير روسي على الأراضي التركية، ليلي ذلك نفي روسي. لكن أوساطاً متابعة تعتبر أن موضوع الصواريخ مجرد حجة أميركية لعدم تزويد تركيا بمقاتلات متطورة تضاف لقوتها الجوية وتنافس دولاً مثل إسرائيل في المنطقة.
كما يلحق بهذا الملف خلاف يرتبط بالدعم الأميركي لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تُشكّل "وحدات حماية الشعب" الكردية عمودها الفقري، وتعتبر أنقرة أن هذا الأمر مصيري بالنسبة إليها، إذ تقول إن هذه القوات ترتبط بـ"العمال الكردستاني" وتشكّل تهديداً للبلاد بسبب دعمها، فيما ترى واشنطن أن هذه القوات كانت قوة ضاربة ضد تنظيم "داعش" وستواصل دعمها، ما يؤشر لاستمرار الخلاف في هذا الملف. ويبرز أيضاً ملف عالق آخر يتعلق بقضية مصرف "خلق بانك" والعقوبات الأميركية عليه، وهو ملف يمكن التفاوض حياله على اعتبار أن سبب العقوبات كان خرق المصرف للعقوبات الأميركية المفروضة على إيران، وحالياً تُجري الإدارة الأميركية حوارات مكثفة مع إيران حيال الملف النووي.
ومن أبرز الملفات العالقة بين البلدين، ملف جماعة "الخدمة"، وزعيمها الداعية فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة، التي ترفض إعادته مع بقية مساعديه إلى أنقرة. وتتهم السلطات التركية هذه الجماعة بمحاولة الانقلاب على أردوغان في العام 2016، وتمت ملاحقة المنتسبين لـ"الخدمة" في تركيا وحتى خارجها، فيما ترفض واشنطن التعاون في هذا الملف. وأضيف للخلافات بين البلدين موضوع الاعتراف بمذابح الأرمن، وسيكون حاضراً أيضاً في حوارات البلدين.
مقابل ذلك، ترى الإدارة الأميركية أن هناك تراجعاً في الحقوق والحريات وحرية الصحافة وتضييقاً على الصحافيين والمعارضة من قبل الحكومة التركية، وعدم تصرف أنقرة بروح الحليف في حلف شمال الأطلسي، وسبق لبايدن أن صرح قبيل انتخابه بضرورة دعم المعارضة التركية لإسقاط أردوغان في الانتخابات، واستبقت ذلك أنقرة بالحديث عن إصلاحات تتعلق بحقوق الإنسان والقضاء.
اللقاء بحد ذاته مهم وإيجابي لأنه سيتيح للطرفين مناقشة القضايا المهمة والإشكالية
وبناء على ما سبق، من الواضح أن القمة ستتضمن ملفات عديدة شائكة، لن يكون من السهل تجاوزها، ولكن اللقاء سيكون فرصة من أجل تبادل وجهات النظر، والتأسيس عليها. وتفيد مصادر تركية أن هناك مقترحات تتعلق بتشكيل لجان معنية للنظر في هذه الملفات وتقديم توصيات لرئيسي البلدين، خصوصاً في موضوع صواريخ إس-400 التي تعتبر السبب المباشر للمواجهة بحسب ما هو معلن من قبل واشنطن.
وعن ذلك، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر، الباحث علي باكير، لـ"العربي الجديد"، إنه "بغضّ النظر عمّا ستخرج به القمة، فاللقاء بحد ذاته أمر مهم وإيجابي، لأنه سيتيح للطرفين مناقشة القضايا المهمة والإشكالية في العلاقة بينهما من دون تدخّل أطراف أخرى، وهذا سيساعد على اكتشاف الفرص الحقيقية للتعاون بين الطرفين خلال المرحلة المقبلة". وأضاف "هناك أجواء إيجابية، وإذا استطاع الرئيسان التوصل خلال اللقاء إلى صيغة لاحتواء الخلافات والتركيز على المصالح المشتركة، فأعتقد أن العلاقات الثنائية ستعود إلى المسار الصحيح مجدداً"، لافتاً إلى "وجود عدد من الملفات الثنائية والإقليمية التي من الممكن العمل عليها، وليس من المستحيل توصل الرئيسين إلى مثل هذا التفاهم"، لكنه استدرك أنه "لا يجب رفع سقف التوقعات كثيراً في ما يتعلق بالمأمول قبل النظر في مخرجات اللقاء، فقد درجت العادة أن نسمع تصريحات إيجابية في مثل هذه اللقاءات، من دون أن تتم ترجمتها بشكل سريع على أرض الواقع".
من جهته، قال الصحافي التركي إسماعيل جوكتان، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الأجندة الرئيسية بين الرئيسين هي مسألة الصواريخ إس-400 والدعم الأميركي للوحدات الكردية في سورية، فتركيا أكدت عدم إمكانية تقديم تنازل بملف الصواريخ، لحاجتها لها، وارتباطها بتطوير الصناعات الدفاعية التركية، ولكن هناك بعض الجهات المؤثرة على الحكومة الأميركية داعمة لحزب العمال الكردستاني بشكل غير محدود، وتوجّه في الوقت نفسه تهماً إلى تركيا، وبالتالي هناك ملفات عديدة صعبة بين الطرفين، وهو ما يشي بأن القمة قد لا تخرج بأي نتائج ملموسة".
ورأى جوكتان أن "أميركا لا تقدم على أي خطوات لصالح تركيا في سورية على الرغم من أن الموضوع يتعلق بأمن أنقرة القومي، وفي الوقت نفسه تمضي بمفاوضات الملف النووي مع إيران"، معتبراً أن "من الصواب أن تنسّق الولايات المتحدة مع تركيا لصالح البلدين في المنطقة، ولكن واشنطن تصر على عدم فعل ذلك، بل تريد أن تكون العلاقة على شكل تبعية أنقرة لها، وهو ما يوصل العلاقات إلى طريق مسدود ويرفع من حدة الكراهية ضد واشنطن في الداخل التركي"، متابعاً "على الطرفين اتخاذ خطوات إيجابية ويمكن لتركيا تقديم بعض التنازلات حيال ملف الصواريخ، ولكن من المؤكد عدم وجود تنازلات تركية تتعلق بالكردستاني".