قلق مصري من "الممرات الآمنة" في غزة: خطة بديلة لسيناريو التهجير

11 نوفمبر 2023
معبر رفح، 1 نوفمبر (فاطمة شبير/أسوشييتد برس)
+ الخط -

تعتبر مصر، بحسب مصدر دبلوماسي مصري تحدّث لـ"العربي الجديد"، أن تهجير سكان غزة "إن حدث فهو بمثابة تصفية للقضية الفلسطينية". وقال المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن "الموقف الرسمي المصري تجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يقوم على عدة أسس منطقية، أولها الرفض المطلق والقاطع لفكرة ترحيل السكان المدنيين الغزيين إلى أي مكان سواء داخل القطاع أو خارجه".

وأوضح أن "الإدارة المصرية تعي جيداً أن الحديث حول الممرات الآمنة تحت مسمى الوضع الإنساني هو حديث حق يراد به باطل، وهو مقدمة لترحيل آلاف الفلسطينيين خارج أراضيهم، ويشكل تهديداً للأمن القومي المصري". وبيّن المصدر نفسه أن "هؤلاء المدنيين قد يضطرون فيما بعد إلى النزوح داخل الأراضي المصرية، وهو ما لن تقبله مصر بأي شكل من الأشكال، حرصاً على عدم تصفية القضية الفلسطينية، وعلى أمنها القومي".

وأضاف أن "المسؤولين المصريين أبلغوا الإدارة الأميركية رفضهم فكرة ترحيل السكان المدنيين من قطاع غزة تحت أي مسمى، وأن الدبلوماسية المصرية تسعى حالياً للتأكيد على هذا الأمر". ولفت إلى أن ذلك "ظهر في كلمة وزير الخارجية المصري سامح شكري أمام مؤتمر باريس، والتي أكد خلالها أن فتح ممرات آمنة ليس تطوراً إيجابياً".

وفي كلمة مصر أمام مؤتمر باريس حول الأوضاع الإنسانية في غزة أول من أمس الخميس، حذّر شكري، من الطرح الإسرائيلي الأميركي الخاص بفتح "ممرات آمنة" من الشمال إلى الجنوب في قطاع غزة لانتقال المدنيين.

وقال إن "فتح ممر آمن لانتقال المدنيين إلى الجنوب ليس بتطور إيجابي، بل استمرار للتهجير بالمخالفة للقانون الدولي الإنساني". وأضاف أن "ما تقوم به إسرائيل يتعدى أي مفهوم لحق الدفاع الشرعي عن النفس، وأن استمرار الصمت الدولي عما تقوم به من مخالفات جسيمة وانتهاكات للقانون الدولي الإنساني يشير إلى وجود خلل في معايير المنطق والضمير الإنساني".

الممرات الآمنة في غزة مرحلة أولى من التهجير

وحول المخاوف والتحذيرات المصرية من فكرة "الممرات الآمنة" تلك، رأى الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة "إسطنبول أيدن" الدكتور عمار فايد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذه الممرات "مرحلة أولى من التهجير حسب المخطط الإسرائيلي، فإسرائيل وضعت عدة بدائل بينها التهجير بالأمر الواقع، حتى لو فُرض على مصر من دون موافقتها".

وأضاف أنه لكي يحدث ذلك، لا بد أن ينزح عدد كبير من سكان قطاع غزة من الشمال "وهذه الأعداد الكبيرة من النازحين ليست لها أماكن إيواء في الجنوب، لأن منازل أهل الجنوب أنفسهم دُمر جزء كبير منها".

وأشار فايد إلى أنه "مع الوقت ومع القصف واستمرار الحصار، تبدأ الناس إما في الهرب عن طريق البحر، أو تأتي في لحظة ما وتقتحم الحدود المصرية، أو أن تُضطر مصر إلى فتح الحدود بأي صيغة ما، من أجل الوضع الإنساني".

فايد: التطور الإيجابي الفعلي هو فتح مسارات لوصول المساعدات إلى كل مكان في غزة

واعتبر أن فتح ممرات للنزوح "ليس تطوراً إيجابياً بالفعل، كما قال وزير الخارجية المصري في مؤتمر باريس، لأن التطور الإيجابي الفعلي هو فتح مسارات لدخول المساعدات لتصل إلى كل مكان"، موضحاً أن ذلك يعني وصول المساعدات إلى أهالي غزة "وليس إجبارهم قسراً نتيجة القصف على التحرك باتجاه الجنوب"، ما يشكّل "جريمة حرب".

وقال إن "الاحتلال يقول لهم سأوقف القصف 4 ساعات ثم سأعود، فمن الطبيعي أن يظن الناس أن نزوحهم عن أماكن القصف سيحميهم، لكن واقع الحال أنهم سيظلون مستهدفين".

مخطط لتهجير سكان غزة على حساب مصر

وفي السياق، رأى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني أحمد الكومي، لـ"العربي الجديد"، إنه ربما لدى مصر شعور بوجود مخطط لإزاحة السكان والكتلة البشرية الكبيرة في قطاع غزة باتجاه الجنوب، كحل مرحلي "وإجراء تتبعه خطوات لتهجيرهم باتجاه سيناء" على حساب مصر.

ورأى أن "موقف القاهرة واضح من هذه المسألة، فهي ترفض مخطط التهجير، لأنها تشعر أن الاحتلال يريد جرّها إلى مشكلة كبيرة جداً".

إعادة التوطين المؤقت يختلف عن التهجير القسري

من جهته أشار عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وخبير حفظ السلام الدولي السابق في البلقان الدكتور أيمن سلامة إلى أن "هناك فرقاً بين إعادة التوطين المؤقت للمدنيين، والتهجير القسري للمدنيين أثناء النزاعات المسلحة"، وللمصطلحين "آثار قانونية مختلفة على المقاتلين والمدنيين".

سلامة: إسرائيل تتهرب من مسؤوليتها الدولية عن ارتكابها جريمة التهجير القسري

وأضاف أن "إسرائيل تخلط بالطبع بين المصطلحين حتى تتهرب من مسؤوليتها الدولية التي تنتج عن ارتكابها جريمة التهجير القسري للفلسطينيين أثناء السلم والحرب أيضاً".

وأوضح سلامة، وهو أستاذ القانون الدولي العام، أن "إعادة التوطين، هي النقل الطوعي للمدنيين من موقع إلى آخر، وذلك غالباً لأسباب مثل السلامة أو المساعدة الإنسانية، ويمكن القيام بذلك عن طريق السلطات الحكومية أو المنظمات الإنسانية أو حتى المدنيين أنفسهم".

وفي هذا السياق، "لا يحظر القانون الدولي الإنساني نقل المدنيين، ويمكن أن يكون وسيلة مشروعة لحمايتهم من الأذى". أما التهجير القسري للمدنيين، تابع سلامة، "فيسير وفق خطة ممنهجة تعكس سياسة الاحتلال العسكري الإسرائيلي بتهجير القاطنين في شمال غزة إلى جنوبها".

ويشكل ذلك النقل القسري "انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني وقد يشكل جريمة حرب، وفقاً للمادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".

وشدّد سلامة على أن "التهجير القسري يكون إما مباشراً، أي ترحيل السكان من مناطق سكناهم بالقوة، أو غير مباشر عن طريق دفع الناس إلى الرحيل والهجرة باستخدام وسائل الضغط والترهيب والاضطهاد".

ويختلف ذلك عن الإبعاد أو النزوح الاضطراري أو الإرادي، "باعتبار أن التهجير يكون عادة داخل حدود الإقليم، بهدف تغيير التركيبة السكانية لإقليم أو مدينة معينة".

الباحث المتخصص في الشأن الأمني والعسكري المصري وشبه جزيرة سيناء مهند صبري قال، لـ"العربي الجديد"، إن "تهجير الفلسطينيين داخل القطاع وحبسهم في مساحة أقل، في ظروف يستحيل معها العيش، وقصفهم وقتلهم، ما هي إلا هندسة لتفريغ القطاع تجاه مصر، كما قال مسؤولون إسرائيليون علانية".

وأضاف أن "كل ما نراه هو خطوات عملية لتفريغ قطاع غزة، وإعادة تشكيله من جديد، وسيناء هي أول مكان في خطط إسرائيل لاستيعاب هذا المخطط".

المساهمون