تبدي الجزائر قلقاً بالغاً إزاء التطورات الأمنية الدامية في كلّ من مالي والنيجر، وهما دولتان تقعان على الحدود الجنوبية مع الجزائر، حيث تتمركز وتنشط مجموعات مسلّحة تتبع تنظيمات "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي و"أنصار الإسلام" وتنظيم "داعش".
ودان بيان لوزارة الخارجية بشدة الهجوم الإرهابي الذي استهدف القوات المسلّحة المالية بمنطقة تاسيت الواقعة في إقليم غاو بشمال مالي، قرب الحدود الجزائرية، حيث اغتالت مجموعة مسلّحة 33 جندياً مالياً، وذكر البيان أن "الجزائر تدين بشدة الهجوم الإرهابي، وتجدد تأكيد تضامنها الكامل مع الحكومة والشعب المالي الشقيق، وتؤكد دعمها التام في مكافحته للإرهاب".
ويُعدّ الهجوم الأخير في مالي، الأعنف منذ الاجتماع الهام للجنة متابعة تنفيذ اتفاق السلام في مالي، والموقع في الجزائر في مايو/أيار 2015 بين الحكومة المركزية والحركات المسلّحة للطوارق المتركزة في منطقة الشمال قرب الحدود مع الجزائر، وبعد الهجوم الإرهابي في السابع من مارس/آذار الجاري على دورية للجيش في منطقة لوني وسط مالي، ما أدّى إلى إصابة سبعة عسكريين. وتشير بعض المعلومات الاستخباراتية وتحذيرات نشرتها الإدارة العامة للأمن المالي، إلى إمكانية وقوع هجمات محتملة قد تستهدف مواقع مهمة على غرار سفارات ووزارة مهمة في العاصمة بماكو وضواحيها.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أكد للرئيس المالي باه نداو خلال زيارته إلى الجزائر الأسبوع الماضي أن الجزائر جاهزة لتقديم أي مساعدة ممكنة لمالي، وأنها "رهن إشارة الأشقاء الماليين"، ويعتقد أن يكون الدعم العسكري للجيش المالي على رأس هذا الدعم، خصوصاً بعد اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة في التاسع من فبراير/شباط الماضي في بماكو، وانشاء مدرسة عسكرية في مالي لتدريب قوات الجيش المالي.
وجاء الهجوم الأخير على الجيش المالي، بعد يومين من هجوم دامٍ وقع في منطقة تيلابري في وسط النيجر واستهدف مدنيين، قتل خلاله 58 شخصاً وسقط عشرات الجرحى، وكانت الجزائر قد دانته، وأكدت دعمها لجمهورية النيجر في هذه الظروف العصيبة، وجددت "عزمها الراسخ على محاربة هذه الآفة بجميع أشكالها ومظاهرها، داعية المجتمع الدولي بأسره إلى توحيد جهوده بشكل أكثر فعالية من أجل مكافحة هذه الظاهرة التي تعيق تحقيق السلم والتنمية في ربوع منطقة الساحل".
ويعيد تزايد العمليات والهجمات الإرهابية في مالي والنيجر مخاوف الجزائر من تمدّد هذه الهجمات إلى الحدود، خصوصاً بسبب قرب مناطق الشمال التي تتمركز فيها المجموعات الإرهابية التي تتبع تنظيمات القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المتحالف مع تنظيم أنصار الدين، وتنظيم "داعش"، من الحدود الجزائرية، وقد دفعت هذه التطورات الجيش الجزائري إلى تجديد اليقظة والتحفز الدائم على الحدود لمنع أي تسلل للمجموعات الإرهابية إلى داخل الجزائر.
وقال المحلل المتخصص في الشؤون الأمنية محمد العالية لـ"العربي الجديد"، إن عودة الهجمات الارهابية في شمال ووسط مالي والنيجر لافت للنظر ومتصاعد في الفترة الأخيرة، ومن الطبيعي أن يشكّل مصدر قلق للجزائر، على الرغم من التعزيزات التي قررتها مجموعة دول الساحل الخمس في اجتماعها الأخير في نجامينا في تشاد بقيادة فرنسا، وهذا الوضع مثير للتساؤل عن خلفيات هذا التصعيد وما إذا كان يبرّر استمرار تواجد القوات الفرنسية، في ظل مطالبات محلية وإقليمية بإخراج القوات الأجنبية من المنطقة، لافتاً في سياق آخر إلى أن "هناك صراعاً واقتتالاً على النفوذ والسيطرة على المنطقة بين المجموعات المسلّحة نفسها".