قلق جزائري غير معلن من خطوات لجر تونس للتطبيع

28 يونيو 2022
تظاهرة داعمة للفلسطينيين في العاصمة تونس، مايو 2021 (Getty)
+ الخط -

تبدي المؤسسة الرسمية والنخب السياسية في الجزائر اهتماماً لافتاً بتطورات الأوضاع في تونس، في ظل مخاوف من أن يؤدي المسار القائم إلى حالة تطبيع بين تونس والكيان الصهيوني.

ويلفت توارد تصريحات مسؤولين في تونس، عن وجود مخططات تطبيع في تونس، نظر المسؤولين والسياسيين في الجزائر.

وكان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي قد قال، الثلاثاء الماضي، في مؤتمر لقيادات الاتحاد في القيروان، وسط تونس، إن "هناك حملات تقوم بها صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي، وتقودها روبوتات إلكترونية من اللوبي الصهيوني والمخابرات الأجنبية لمسألة جوهرية، ليس محبة في تونس أو في حرية التعبير، وإنما خدمة لمصالح جيوسياسية تتعلق بمحاور إقليمية تونس اليوم جزء لا يتجزأ منها، خصوصاً بعد تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني، في مساعٍ لإخضاع تونس للتطبيع لمحاصرة الجزائر".

أي نجاح لجر تونس إلى مسارات التطبيع يعني محاصرة الجزائر من الجانبين الشرقي والغربي

وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الطبوبي عن وجود مخطط لوضع تونس ضمن دائرة التطبيع، إذ سبق له أن أكد في تجمّع عمالي عقده في العاصمة تونس قبل نحو أسبوعين، أن "المعركة في تونس هي معركة تطبيع، وأن الدولة التونسية في قلب لعبة إقليمية بغاية التطبيع".

نفي الخارجية التونسية وجود اتصالات مع إسرائيل

لكن وزارة الخارجية التونسية كانت قد نفت في أوائل شهر يونيو/ حزيران الحالي ما تم الترويج له في وسائل إعلام عن اتصالات دبلوماسية بين تونس والاحتلال الإسرائيلي.
وأكدت الخارجية أنّ تونس "غير معنية بإرساء علاقات دبلوماسية مع كيان محتل".

وشددت على أنها "ستظل رسمياً وشعبياً، سنداً للأشقاء الفلسطينيين في نضالهم، إلى حين استرداد حقوقهم المشروعة، وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس".

وكان موقع صحيفة "يسرائيل هيوم" قد زعم أنّ تونس وإسرائيل تجريان اتصالات دبلوماسية بهدف إحداث تقارب في العلاقة بينهما، ونقل عن موقع إخباري عربي أنّ الجهود الهادفة لإحداث التقارب بين الجانبين تواجه باعتراضات من الجزائر "التي تحاول إفشالها".

التطبيع يهدد الأمن القومي للجزائر

بالنسبة للجانب الجزائري، فإن القلق من التطبيع في تونس مرتبط بمدارات الأمن القومي الجزائري والإقليمي، إذ تعتبر الجزائر أن أي تمركز أكبر للكيان الصهيوني في المنطقة، أو للمحاور الإقليمية المؤيدة للتطبيع، هو تهديد واضح لأمنها القومي، خصوصاً بعد تطبيع المغرب مع إسرائيل، بعد الاتفاقات السياسية والأمنية والعسكرية الأخيرة بين الرباط وتل أبيب.

ويعني أي نجاح لجر تونس إلى مسارات التطبيع محاصرة الجزائر من الجانبين الشرقي والغربي. وقد يفسر هذا بوضوح بعض التحفظ الذي تبديه الجزائر في الفترة الأخيرة من سياسات الرئيس التونسي قيس سعيّد، والأطراف التي تسانده إقليمياً.

ويعتقد مسؤولون في الجزائر، تحدثت إليهم "العربي الجديد"، أن الجزائر حذرة من المؤشرات الكامنة للتطبيع في تونس، ومن "إمكانية أن يكون هناك تصور إقليمي لكيفيات جر تونس إلى ذلك، عبر تدمير الوضع السياسي، واستغلال حاجيات تونس، وأن يكون محور التطبيع يعمل بهدوء ويوظف عامل الوقت".

محور التطبيع يدرك التوازنات الداخلية في تونس

وقال مصدر جزائري رفيع المستوى، لـ"العربي الجديد": "ندرك في الجزائر أن محور التطبيع ليس متسرعاً، بمعنى أنه يدرك ظروف تونس وتوازناتها الداخلية والعوامل المحيطة بها، لذلك هو غير مستعجل في الأمر، لكنه يشتغل في الوقت نفسه على أن تتوفر الظروف الداخلية التي تضع تونس أمام خيار التطبيع".

نصر الدين حمدادوش: مخاوف من انتقال تونس من مربع الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني إلى مربع التطبيع

وأضاف: "من ضمن هذه العوامل ألا تكون القوى السياسية والمدنية والمجتمعية الرافضة للتطبيع في الوقت الحالي، قادرة في المرحلة المقبلة على صد التطبيع إذا حدث، خصوصاً في مرحلة ما بعد 2024"، ويقصد ما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في تونس.

واللافت أن المؤسسة الرسمية في الجزائر ليست وحدها التي تراقب تطورات الوضع في تونس على صعيد مؤشرات استباقية للتطبيع، لكن القوى والنخب السياسية لديها القدر نفسه من المخاوف، بما فيها قوى المعارضة.

وأكد المتحدث باسم حركة "مجتمع السلم"، كبرى قوى المعارضة في البرلمان، نصر الدين حمدادوش، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هناك مخاوف جدية من انتقال تونس من مربع التبني المبدئي للدفاع عن الحقوق التاريخية والمشروعة للشعب الفلسطيني، إلى مربع التطبيع، وهي مخاوف حقيقية مؤسَّسة على مؤشرات فعلية، ولا تحتاج إلى كثير ذكاء أو تحليل للتدليل على هذا المنحى التصاعدي في ذلك".

تأثير فرنسا على نظام قيس سعيّد

وأضاف: "من الواضح وقوع نظام قيس سعيّد تحت تأثيرات فرنسا والدول العربية المطبِّعة مع الكيان الصهيوني، بحيث أن هناك مساومة بين التطبيع والبعد الاقتصادي والأمن الغذائي لتونس في الوقت الراهن".

ولفت إلى أن "هناك مؤشرات ترصدها الجزائر، تؤكد النزوع التونسي نحو التطبيع، ونعتقد أن هذا من بين العوامل التي تثير حفيظة الجزائر من سعيّد، ودفعت إلى تغيير الموقف منه".

إدريس ربوح: المخاوف الجزائرية تتأسس على مجموعة من المعطيات
 

وأشار إلى أن "هناك ازدواجية في الخطاب الرسمي التونسي، فسعيّد بدأ حملته الانتخابية بقوله إن التطبيع خيانة عظمى، لكن هناك تسريبات رسمية من وزراء إسرائيليين بأن تونس ضمن قائمة الدول التي ستلتحق بقافلة التطبيع، وهناك تصريحات واضحة لوزير خارجية تونس الأسبق خميس الجهيناوي، العراب الأكبر للتطبيع، دون أن تتم إدانته بالخيانة العظمى".

من جهته، رأى رئيس جمعية الجزائر الدولية، التي تهتم بعلاقات الجزائر الخارجية، المحلل السياسي إدريس ربوح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المخاوف الجزائرية، وإن كانت غير معلنة على الصعيد الرسمي، فإنها تتأسس على مجموعة من المعطيات، تخص مشاركة تونس الثابتة في اجتماعات فرانكفورت الأخيرة لحلف "الناتو"، ومناورات الأسد الأفريقي، وهذا انخراط تدريجي في منظومة تلعب فيها إسرائيل دوراً مركزياً. وتحدث عن "وجود نخب فاعلة في تونس لها ارتباطات - بمعلومات موثقة غير متداولة - بشكل أو بآخر مع أوساط ذات صلة بالتطبيع".

وتابع: "يدخل في هذا السياق الطابع البراغماتي العالي للنخب التونسية المتحكمة، وحركة بعض التوانسة اليهود باتجاه دولة الاحتلال، والزيارات المعلنة تحت غطاء الزيارات الدينية، والتي أصبح الهدف من الترويج لها وتغطيتها إعلامياً تحضير الرأي العام للتطبيع في المرحلة اللاحقة".

المساهمون