أثار قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق بعدم دستورية إحدى المواد الواردة في قانون انتخابات برلمان إقليم كردستان حفيظة ممثلي الأقليات في البرلمان الكردستاني والمسؤولين في حكومة الإقليم، بالإضافة إلى مراقبين، لا سيما أن القرار ألزم الإقليم بإلغاء المقاعد المخصصة لكوتا المكونات.
وقررت المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية في العراق)، أمس الأربعاء، عدم دستورية عبارة 11 الواردة في المادة 1 من قانون انتخاب برلمان كردستان، ليصبح برلمان كردستان مكوناً من 100 عضو، ملغية بذلك المقاعد المخصصة لكوتا المكونات.
وتمنح المادة المُلغاة 11 مقعداً للأقليات في إقليم كردستان بالانتخابات التشريعية المتوقع أن تجرى خلال الأشهر المقبلة.
وإلى جانب الغالبية الكردية من سكان إقليم كردستان، هناك أقليات مسيحية وآشورية وسريانية وأرمنية، إلى جانب التركمان.
وقررت المحكمة الاتحادية العليا، أمس الأربعاء، إلزام كل من رئيس مجلس الوزراء الاتحادي محمد شياع السوداني، ورئيس حكومة اقليم كردستان مسرور بارزاني، بتوطين رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام لدى المصارف الاتحادية.
وقررت المحكمة أيضاً إلزام تقديم الموازنة الشهرية لموظفي الإقليم لدى وزارة المالية الاتحادية، مع إلزام مجلس وزراء الإقليم بتسليم جميع الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى الحكومة الاتحادية. كما قررت أن تحلَّ المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الاتحادية بدلاً من الكردستانية. واعتبرت أن هذه القرارات باتة وملزمة وغير قابلة للطعن.
على أثر ذلك، اعتبر ممثلو المكونات (الأقليات) في إقليم كردستان العراق القرار سياسياً.
وقال رئيس حزب التنمية التركماني محمد اليخاني إن "قرار المحكمة الاتحادية اليوم لم يكن إلا قراراً سياسياً لمصلحة حزب سياسي معيّن، والذي تراجعت أصواته خلال الانتخابات السابقة".
وأضاف اليخاني، خلال كلمته في المؤتمر الذي عقد ليلة أمس الأربعاء: "إننا كأحزاب وأطراف ممثلة لمكونات التركمان، الكلدان، الآشوريين، السريان، الأرمن في إقليم كردستان، نطالب الرئيس بارزاني باعتباره مدافعاً عن حقوق الإنسان والمكونات، بعدم قبول هذا الظلم".
من جانبها، قالت نائبة رئيس حزب الإصلاح التركماني منى قهوجي، خلال المؤتمر، إنّ "قرار المحكمة الاتحادية يعتبر ضرباً للعملية الديمقراطية، فضلاً عن أنه يتنافى مع بنود ومواد الدستور العراقي".
أما ممثل المكون المسيحي آنو جوهر فقد أشار إلى أن "كافة المكونات أدانت قرار المحكمة الاتحادية"، واصفاً القرار بأنه "انقلاب على الدستور العراقي".
وبيَّن جوهر أن "هذا الظلم ارتُكب بحق المكونات، بعد دعوى قضائية رفعها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني إلى المحكمة الاتحادية، وأن الدعوى شكّلت انتهاكاً صارخاً لحقوق المكونات العرقية والدينية في إقليم كردستان".
وعلى مستوى أعلى، أعرب وزير شؤون المكونات في حكومة إقليم كردستان، آيدن معروف، عن "القلق الكبير" في الإقليم بعد قرار المحكمة الاتحادية العراقية الذي ألغى مقاعد الكوتا المخصصة لها، معتبراً أنه "قرار سياسي كتب مسبقاً".
ونقل موقع "رووداو"، القريب من الحكومة الكردستانية، عن معروف قوله إنّ "الجميع قلقون من القرار"، مشيراً إلى أن "تركياً قلقة أيضاً".
وبشأن عدد الناخبين التركمان، أشار آيدن معروف إلى أن ثقلهم في مركز أربيل الذي يعيش فيه نحو 400 ألف تركماني "ليسوا ناخبين جميعاً"، كما أن هناك "تركمانا في السليمانية وكفري يتطلعون للفوز بمقاعد".
ورأى أن المحكمة اتخذت "قراراً سيئاً من خلال التدخل في شؤون المكونات"، مشيرا إلى أن رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني ورئاسة إقليم كردستان قاموا بدور جيد لدعم المكونات، داعياً إياهم إلى "اتخاذ موقف" من القرار.
ولم يصدر أي موقف رسمي من حكومة إقليم كردستان، لكن مصادر قريبة من الحكومة في أربيل أكدت لـ"العربي الجديد" أن "الحكومة قد تتعامل مع القرارات بدبلوماسية عالية، لأنها لا تريد أن تشتبك مع بغداد، ولا تريد أن تحدث أي مشاكل في المرحلة الحالية، لكنها ستشير في الوقت نفسه إلى أن القرارات تعتبر خارجة عن الدستور العراقي".
وأضافت المصادر أن "المحكمة الاتحادية شهدت ضغطاً سياسياً في إصدار هذه القرارات، لأجل الضغط على أربيل وتقويض سلطاتها"، موضحةً أن "الخلاف السياسي سيظهر بين بغداد وأربيل، لكن ليس الآن، بل مع تقدم الحوارات الخاصة بإنهاء دور التحالف الدولي".
من جهته، اعتبر رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني محمد الحاج محمود أن قرار المحكمة الاتحادية القاضي بتسليم إيرادات إقليم كردستان النفطية وغير النفطية إلى بغداد يهدف لتجفيف مصادر الدخل للإقليم.
وأضاف الحاج محمود، في تصريحات صحافية، أن "قرار المحكمة الاتحادية بشأن الرواتب والموازنة والانتخابات البرلمانية وهوامشها قرار سياسي مليء بالحقد والكراهية ضد إقليم كردستان، والكيان السياسي للإقليم، وشعب كردستان، وضد الديمقراطية وحقوق الأقليات، والتدخل بشؤون مؤسسات الإقليم".
ووصف قرار حل المفوضية العليا للانتخابات والاستفتاء في الإقليم بأنه "خنجر مسموم في ظهر الكرد والكيان السياسي لكردستان".
ويتوقع أن تسفر هذه القرارات عن إثارة مشاكل سياسية جديدة بين بغداد وأربيل. وتعد الملفات العالقة بين بغداد وأربيل إحدى أبرز المعضلات التي تواجهها الحكومات العراقية المتعاقبة، أبرزها رواتب موظفي إقليم كردستان، والتنسيق الأمني في المناطق المتنازع عليها، والاتفاق على آلية تصدير النفط من حقول الإقليم، وغيرها.