قلق أوروبي من "مهمة أوربان للسلام" وعودة ترامب إلى الحكم

16 يوليو 2024
رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان في واشنطن 11 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

يهبّ هواء بارد، وتوترات إضافية، على مسار علاقة الاتحاد الأوروبي برئيس وزراء المجر القومي المحافظ فيكتور أوربان. يتهم الأوروبيون أوربان باستغلال رئاسة بلده الدورية للاتحاد الأوروبي (تستمر حتى نهاية العام) لإجراء ما يشبه "مهمة للسلام"، والإيحاء بأنه يقوم بذلك نيابةً عن أوروبا. رحلات أوربان إلى موسكو والاجتماع برئيسها فلاديمير بوتين، ثم إلى بكين وفلوريدا لالتقاء المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب لم ترُق المفوضية الأوروبية.

ومع أن مشكلة أوروبا مع أوربان ليست جديدة بانتهاجه سياسات شبه مستقلة، وأحياناً متعارضة مع الاتحاد الأوروبي على مستوى السياسات الداخلية في بودابست، إلا أن التوتر الحالي أعمق. ويُنظر إلى سياسات أوربان عموماً في عاصمة المعسكر الأوروبي بروكسل على أنها تنسف قيم ومبادئ تأسيس تجمعهم، وخصوصاً في ما يتعلق بفصل السلطات والهيمنة على القضاء والإعلام.

ويمكن قراءة عمق التوتر في اتهام أوربان بالتحدث نيابة عن أوروبا في قضايا استراتيجية وحيوية للمصالح الأوروبية، بتصويره لنفسه وكأنه يقوم بـ"مهمة سلام" لأجل إنهاء الحرب الأوكرانية وفقاً لشروط موسكو، كما يتهمه الأوروبيون الرافضين لها، وتحديداً تخلي أوكرانيا عن عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وبقاء شبه جزيرة القرم (التي ضمتها روسيا في 2014) روسية، والقبول بالأمر الواقع في أقاليم شرق أوكرانيا.

صحيح أن أوربان زار كييف للإيحاء بأنه يقوم بجهد وساطة لتحقيق السلام، لكن مشكلته أنه متهم من الأوروبيين بأنه "رجل موسكو في أوروبا"، بسبب علاقاته الوثيقة بالرئيس الروسي بوتين، وعرقلته وتأخيره منذ غزو أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022 لخطوات أوروبية متعلقة بدعم القارة السخي لكييف، بحجة أن "مساعدة أوكرانيا على الصمود ومواجهة الغزو الروسي" هو بمثابة خط دفاع عن دول القارة.

طوال أكثر من عامين مارس أوربان مقايضة بين تمرير بعض المساعدات والحصول على أموال الاتحاد الأوروبي المخصصة لبلده بعد جائحة كورونا، التي جرى تجميدها بسبب مجموعة سياسات الرجل. تحركات أوربان الأخيرة دفعت الاتحاد الأوروبي مساء أمس الاثنين إلى التعبير عن امتعاضه من تصرفات أوربان "الأحادية"، بحسب اتهام رئيسة حكومة الدنمارك، ميتا فريدركسن. وتقرر أن مفوضي الاتحاد الأوروبي لن يشاركوا في الاجتماعات غير الرسمية لمجلس وزراء أوروبا في بودابست نهاية العام الحالي. وتخطط المجر، خلال ترؤسها الحالي للاتحاد الأوروبي (تتناوب بين الدول الأعضاء كل ستة أشهر)، لعقد عدد من الاجتماعات الأوروبية على أراضيها خلال الأشهر القادمة.

ونقلت وسائل إعلام أوروبية عن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أن الاجتماعات الأوروبية في المجر لن يشارك فيها مسؤولون رفيعو المستوى من المفوضية. ويُستثنى من ذلك الاجتماعات التي تعقد برئاسة مجرية في كل من بروكسل ولوكسمبورغ، والتي عادة ما تشهد اتخاذ قرارات مشتركة وملزمة.

قلق أوروبي من عودة الترامبية

خلال الأسبوع الماضي زار فيكتور أوربان الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب. زيارة لم ترُق أوروبيين قرأوها على أنها استقواء باحتمالية عودة ترامب إلى البيت الأبيض، لأجل تمرير ما يريده أوربان وصديقه بوتين تحت عناوين "مهمة للسلام". أمر يستدعي "القلق العميق"، على الأقل وفقاً للدنماركية فريدركسن، التي اعتبرته "ينتهك قواعد أوروبية، ويروج لأجندات سياسية خاصة بأوربان".

يخشى الأوروبيون فعلياً عودة ترامب، وقد جربوا اهتزاز علاقة ضفتي الأطلسي خلال فترته السابقة، ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة، سواء تعلق الأمر بحلف شمال الأطلسي أو بإضفاء شكوك حيال التعهد الأميركي بالدفاع عن الاتحاد الأوروبي في حالة صدامه مع روسيا.

ينظر بعض الأوروبيين بكثير من القلق من انتهاج سياسات يمينية محافظة ومتطرفة

وعلى ذلك ينظر بعض الأوروبيين بكثير من القلق من انتهاج سياسات يمينية محافظة ومتطرفة، وأكثر تشاؤماً حيال قدرة ترامب من خلال أمثال أوربان على التنسيق مع القوى الشبيهة في أوروبا لتفتيت التعهد الأوروبي باستمرار دعم أوكرانيا.

ومن خلال محافظة أوربان على علاقات جيدة مع الكرملين، ورفضه مقاطعة وعقوبات أوروبا بحق روسيا؛ وهو ما فعلته أيضاً الهند وتركيا وغيرهما من خارج القارة، يعتقد الرجل أنه قادر، بدعم من ترامب وقوى أوروبية تظهر تذمراً من استمرار الحرب في أوكرانيا، على اجتراع خطة سلام تُفرض على الاتحاد الأوروبي.

ويخامر بعض الأوروبيين شكوك في أن ما ناقشه أوربان مع ترامب في فلوريدا يتعلق بإعطاء زخم لفكرة أنه يتوجب العمل على خطة سلام بين أوكرانيا وروسيا بدلاً من إرسال الأسلحة والذخيرة إلى كييف، حتى لا تتمكن من مواصلة التصدي للجيش الروسي.

وإذا صحت تقديرات بعض الأوروبيين حيال ذلك، ومن خلال عودة ترامب إلى الحكم، فهذا يعني استعادة القارة الأوروبية للنقاش العميق حول ضرورة انتهاجها استقلالاً عن بديهية التحالف مع واشنطن، وهو ما طرحته خلال فترة ترامب الأولى المستشارة الألمانية السابقة، أنغيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكرر الأخير الأمر في أكثر من مناسبة خلال الأشهر الأخيرة. فموقف ترامب واضح من "مهمة السلام" التي يؤديها أوربان. ولا يخرج عن موقفه القائل إنه "يجب أن يكون هناك سلام، لقد مات الكثير من الناس في الحرب"، وهو ما كتبه على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال".

ومع أن أوربان رد على الانتقادات الأوروبية باعتبار جولته المكوكية تمثل فقط المجر، إلا أن حدوث تلك الزيارات مباشرة بعد تولي بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي لم تقنع الدول الأعضاء، ولم تقبل المفوضية الأوروبية التفسير الذي قدمه أوربان.

مصادر القلق الأوروبي مع كابوس عودة ترامب إلى الحكم في تزايد، مع إدراك الساسة التقليديين بينهم وجود قوى سياسية أصبحت تقرأ مواصلة الحرب الأوكرانية كحالة إرهاق لمجتمعاتها. وعلى سبيل المثال، تضم حكومة جيورجيا ميلوني الإيطالية أقطاباً في تحالفها الحاكم ممن لا يقلون قومية متشددة وقرباً من الكرملين عن أوربان المجري. هذا بالطبع إلى جانب ارتفاع المزيد من الأصوات في شرق القارة ووسطها وجنوبها ممّن سيجدون في عودة الترامبية إلى أميركا فرصة لرفع السقف من أجل تأليب الرأي العام الأوروبي وإقناعه بأن السلام أهمّ من استمرار دفع أثمان الحرب.

المساهمون