قطع بحرية روسية في ميناء طبرق: زيارة روتينية أم إعلان تحالف حفتر وموسكو؟

18 يونيو 2024
حفتر مع وزير الدفاع الروسي السابق سيرغي شويغو في موسكو، 13 يناير 2020 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وصول قطعتين حربيتين روسيتين إلى ميناء طبرق الليبي لتعزيز التعاون العسكري واللوجستي بين ليبيا وروسيا، مما يعكس تعميق العلاقات بين البلدين.
- إعلان عن إيفاد 250 طالباً وضابطاً ليبياً للدراسة في الأكاديميات العسكرية الروسية، في خطوة تؤكد على تفعيل اتفاقات تعاون غير معلنة وتعزيز العلاقات العسكرية.
- تنامي المخاوف الغربية من توسع النفوذ الروسي في ليبيا وأفريقيا، خاصة مع إمكانية سعي روسيا لبناء قاعدة نووية في طبرق وتعزيز وجودها العسكري عبر مجموعة فاغنر والتدريبات المشتركة.

أعلنت قيادة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا، وصول قطعتين حربيتين روسيتين إلى ميناء طبرق، أقصى الشرق الليبي، الأحد الماضي، "في زيارة عمل" تستغرق ثلاثة أيام، "تعزيزاً للعلاقات" بينها وبين الجانب الروسي. وأوضح المكتب الإعلامي لرئاسة أركان القوات البحرية بقيادة حفتر، في بيان مقتضب مساء أمس الاثنين، أن "فرقة من السفن الحربية الروسية" التي وصلت إلى طبرق "مكونة من طراد الحس الصاروخي فارياج والفرقاطة المارشال شابوشنيكوف".

وذكر المكتب الإعلامي أن زيارة القطعتين "تهدف إلى تأكيد علاقات التعاون والتنسيق بين البحريتين الليبية والروسية في مجال التدريب، والصيانة، وتقديم الدعم الفني واللوجستي، وتبادل الخبرات، والمعلومات، والتعاون في مجال الأمن البحري، بما يخدم مصالح البلدين". ونقل المكتب عن رئاسة الأركان البحرية قولها إنه جرت خلال الزيارة مناقشة مختلف جوانب التعاون بين قيادة حفتر والجانب الروسي وبرامجها، وكيفية تحقيق الاستفادة منها.

ومن جانبها، ذكرت شعبة الإعلام الحربي التابعة لحفتر أن زيارة القطعتين الروسيتين لقاعدة طبرق ستستمر "لمدة ثلاثة أيام، بعد زيارة أجرتها لجمهورية مصر العربية"، مشيرة إلى أن هذه الزيارة تأتي "ضمن الخطوات العملية لتعزيز التعاون بين روسيا وليبيا، واستعادة علاقات الصداقة طويلة الأمد، وتقديم الخبرات الروسية بهدف تعزيز سيادة واستقلال الدولة الليبية وقواتها المُسلحة".

وفي إشارة إلى بدء تفعيل اتفاقات غير معلنة بين حفتر والجانب الروسي، أفادت شعبة الإعلام الحربي بأنه اتُّفِق على "إيفاد 250 طالباً وضابطاً للدراسة في الأكاديميات العسكرية بروسيا الاتحادية، من بينهم 100 طالب وضابط في الأكاديميات البحرية الروسية". وتأتي زيارة القطع الروسية لميناء طبرق وسط تزايد المخاوف لدى العواصم الغربية من إمكانية سعي موسكو لبناء قاعدة نووية في طبرق، في إطار استراتيجيتها الهادفة إلى إعادة هيكلة وجودها العسكري في ليبيا، لاحتواء مقاتلي مجموعة فاغنر المنتشرة في ليبيا، وفي عدد من دول العمق الأفريقي، خصوصاً مع زيارات نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف الكثيفة لبنغازي، وآخرها زيارته الخامسة التي أجراها قبل أسبوعين، برفقة وفد حكومي رفيع.

وترتبط موسكو بعلاقات عسكرية مع حفتر منذ عام 2017، حيث استُقبِل حفتر رسمياً في موسكو مرات عدة، لكنها ظهرت بشكل أكثر وضوحاً من خلال المئات من مقاتلي فاغنر ضمن صفوفه خلال عدوانه على العاصمة طرابلس عامي 2019 و2020، وانتشارهم لاحقاً في عدد من المواقع العسكرية في شرق البلاد وجنوبها، وسط قلق أميركي وأوروبي متزايد حول التغول الروسي العسكري في ليبيا.

وأخيراً، تحدثت تقارير غربية، آخرها تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية منتصف مايو/ أيار الماضي، عن وصول ستة أطنان من المعدات العسكرية إلى طبرق، في إطار سعي روسيا لإعادة هيكلة وجودها العسكري في شكل فيلق أفريقي يتخذ من ليبيا قاعدة له ليتمدد في دول العمق الأفريقي. وبالتزامن مع التقارير الغربية، كشفت مصادر ليبية متعددة في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، عن وصول معدات عسكرية روسية على ثلاث دفعات منذ مطلع مارس/ آذار إلى منتصف إبريل/ نيسان، من بينها كميات من بنادق الكلاشنكوف المتطورة في مهام الاقتحام، وعربات قتالية للمشاة، ومدافع ثنائية الفوهة.

وقبل إعلان شعبة الإعلام الحربي أمس عن إيفاد عدد من الطلبة التابعين لمليشيات حفتر لتلقي التدريبات في الأكاديميات العسكرية الروسية، كشف مصدر برلماني مقرب من لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، أنه جرت مناقشة اتفاق مشترك بين الجانب الروسي وقيادة حفتر خلال زيارة يفكيروف الأخيرة في مجال الدفاع، وتحديداً تقديم تدريبات روسية عسكرية لنخبة من قوات حفتر على أسلحة روسية متطورة.

موقف
التحديثات الحية

مخطط روسي كبير

ويعلّق الخبير في الشأن الأمني، الصيد عبد الحفيظ، بالقول إن إعلان قيادة حفتر وصول قطع بحرية حربية إلى طبرق "بوزن هذه القافلة الروسية، على علاقة بوصول المشروع الروسي العسكري الروسي إلى مراحل جديدة شجعت حفتر على إعلانه"، معتبراً أنه صدى لما أخبرت عنه صحف أوروبية حول اعتزام روسيا بناء قاعدة. وفي إبريل الماضي، نقلت صحيفة ذا تايمز البريطانية عن مسؤولين إيطاليين تعبيرهم عن تخوفهم من سعي روسيا لإنشاء قاعدة غواصات نووية في ميناء طبرق، وأن ذلك سيعزز من النفوذ الروسي وسط البحر المتوسط.

ووفقاً لقراءة عبد الحفيظ في حديثه مع "العربي الجديد"، فإن الإعلان "بمثابة الكشف عن محطة عسكرية جديدة للروس في ليبيا، ففي السابق كان الحديث عن المواقع التي كانت تنتشر فيها فاغنر، وتحديداً في قواعد: سرت (وسط شمال البلاد)، وبراك الشاطئ (في الجنوب)، والخروبة (متاخمة لمقر حفتر العسكري في الرجمة شرق بنغازي)، والجفرة، وهي أكبرها، التي يبدو أن فاغنر كانت تعدها لمهمة أكثر تتعلق بأن تكون القاعدة الرئيسية للوجود الروسي في ليبيا".

وفيما يحدد عبد الحفيظ أهمية الجفرة في امتلاكها مجالاً مفتوحاً على أغلب الشمال الليبي، وعلى فضاء الجنوب الواسع الذي تتخلله العشرات من الطرقات المفضية إلى الحدود الجنوبية الليبية المرتبطة بعدة دول كالنيجر، وتشاد، والسودان، يؤكد أن طبرق لها أهميتها للروس في مجالها البحري المرتبط بشرق المتوسط، "لبناء جسر جوي وبحري آمن لنقل معداتها ومقاتليها إلى ليبيا".

ويرى عبد الحفيظ أن هذه الشبكة من التمركزات، تبدأ من طبرق والخروبة في الشمال، وصولاً إلى الجفرة وبراك في الجنوب اللتين تؤمن قاعدة سرت ظهرهما، و"يوضح أن حجم المخطط الروسي كبير جداً، ويتجاوز ليبيا التي لا تحتاج لكل هذه الكثافة في التمركزات والقواعد للسيطرة عليها، لكن في الوقت نفسه توضح هذه الشبكة أن موسكو تخطط لأن تكون ليبيا قاعدتها الأساسية للانتشار في اتجاه أفريقيا، وربما الهدف لا يقتصر على النيجر والسودان ودول الحزام فقط، بل أوسع من ذلك".

ومن جهة حفتر، يشير عبد الحفيظ إلى أن استفادته هو الآخر كبيرة من مثل هذا التحالف، فبحسب رأيه لم يعلن حفتر مثل هذه الخطوة في طبرق إلا بعد أن تحصّل على ضمانات روسية كبيرة للوقوف إلى جانبه، وأضاف: "أغلب الظن أنه جرى توقيع اتفاق رسمي بين الجانبين ليحصن نفسه من الغضب الأميركي والأوروبي الذي لن يتأخر باعتقادي كثيراً، وسيبدأ على الأرجح في شكل إعلان عقوبات أميركية وأوروبية على حفتر ومليشياته".

وهو ما يتوافق فيه أيضاً الباحث في الشأن السياسي عادل شنينه، الذي يذكّر بأن حفتر أصدر العديد من القرارات والإجراءات في الآونة الأخيرة، "لتحويل ما يدعوه بالجيش الوطني إلى جيش خاص، فأغلب مكوناته الرئيسية بات اليوم يتولاه أولاده، وتحديداً خالد، الذي ولاه آمراً للوحدات الأمنية، وصدام الذي ولاه آمراً للوحدات البرية، وحتى قاعدة طبرق البحرية، التي عيّن لها في فبراير/ شباط الماضي العميد خالد كريم، المعروف بقربه الشديد من أولاده، ما يعني أنه يجري ترتيبات لتكون كل مفاصل جيشه في يده مباشرةً".

وعلى الرغم من ذلك، إلا أن شنينه يستدرك في حديثه مع "العربي الجديد"، قائلاً بشأن حجم الوجود الروسي في ليبيا، إنه "دور تضخمه الآلة الإعلامية، فالموقف الأوروبي الأميركي لا يزال إعلامياً، وفي شكل مواقف دبلوماسية لا تساوي حجم الوجود العسكري الروسي الذي تخبر عنه، وباعتقادي أن كلا الجانبين، الروسي من جانب، والأميركي الأوروبي من جانب آخر، لا يزال في طور التخطيط والدراسة، فكما لروسيا أسلحة وعتاد يتدفق، كذلك للجانب الآخر وجود في غرب ليبيا".

ويضيف شنينه في سياق رصده للحراك الروسي، أن زيارة هذه القطع البحرية الروسية "جاءت في إطار جولة تجريها في البحر المتوسط، فقبل أيام كانت في زيارة لمصر، ورست لعدة أيام في الإسكندرية، بل تحدثت القيادة البحرية الروسية منذ مطلع إبريل الماضي علناً عن دخول هذه القطع للبحر المتوسط، ولا أعتقد أنه سيترتب عليها شيء أكثر من محاولة من جانب حفتر لتوظيفها وتضخيمها كما جرى في زيارة الناقلة كوزنيتسوف الروسية خلال عام 2017".

ويلفت شنينه إلى أن "هذا البناء العسكري الروسي لا يمكن أن يتم دون موافقة إقليمية، فكيف يمكن لدولة كمصر الموافقة على بناء روسيا قاعدة لها في طبرق على مرمى حجر من حدودها؟ فنحن لم نسمع أي تصريحات مصرية بشأنها، وكذلك الجزائر التي يقع المنفذ للنيجر من ليبيا قريباً من حدودها، وكذلك أين تركيا القوة الإقليمية في البحر المتوسط، وقبل هذا فوجودها العسكري في ليبيا هو من وازن القوى وأوقف الحرب عام 2020، قائلاً: "كل هذا لا يشير إلا إلى أن الخطط الروسية وما يقابلها من تحرك أميركي أوروبي هو في مراحله الأولى".

المساهمون