استمع إلى الملخص
- استمرار التعذيب والإعدامات الجماعية في السجون السورية رغم أوامر محكمة العدل الدولية، حيث قُتل 43 شخصاً بعد صدور القرار، وكشفت تقارير عن إعدامات جماعية وتعذيب ممنهج.
- إخفاق الجهود الدولية في حل قضية المعتقلين، رغم تشكيل مؤسسة للكشف عن مصير المفقودين، ودعوات لإنشاء محكمة دولية وتفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
يسلط إعلان عائلة المفكر الإسلامي السوري، عبد الأكرم السقا، الأربعاء الماضي، وفاته في سجون النظام السوري بعد 13 عاماً من اعتقاله، الضوء مجدداً على قضية المعتقلين في سورية، دون أن تتمكن كل الجهود السياسية والحقوقية على مدار السنوات الماضية من إحراز أي تقدم باتجاه الكشف عن مصيرهم والإفراج عنهم، فيما تتوالى بشكل مستمر إعلانات متفرقة عن وفاة بعض المعتقلين في سورية تحت التعذيب، بناء على الجهود الفردية التي يقوم بها ذوو المعتقل من خلال مراجعة السجلات المدنية، واكتشاف أن قريبهم مسجل بوصفه متوفى بتاريخ سابق، دون إبلاغهم من جانب سلطات النظام.
وعبد الأكرم السقا من مواليد مدينة داريا 1944، وهو عالم دين، ومفكر إسلامي معاصر، وكان إماماً وخطيباً لجامع أنس بن مالك، ويعتبر من أتباع مدرسة اللاعنف التي نظّر لها المفكر الإسلامي جودت سعيد. والسقا، هو واحد من أكثر من 15 ألف شخص قضوا تحت التعذيب حتى الآن في سجون النظام السوري منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في مارس/آذار 2011، حيث زجّ النظام بنحو مليون شخص في السجون خلال هذه الفترة، بقي منهم رهن الاعتقال نحو 136 ألف شخص، وفق توثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان. وجاء ذلك على الرغم من صدور 23 مرسوم عفو من جانب رئيس النظام بشار الأسد بعد 2011، لكنها جميعاً لم تشمل معتقلين سياسيين، إلا في حالات نادرة، حين يكون المعتقل يعاني من أمراض مزمنة، ويشارف على الوفاة.
السجون والمعتقلات الأكثر فظاعة هي تلك التي تتبع الأجهزة الأمنية، وأكثرها عدداً وأكبرها حجماً في دمشق
وكانت محكمة العدل الدولية أصدرت "أمراً" للنظام السوري في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بضرورة التوقف عن سياسة التعذيب في سجونه. لكن الشبكة السورية أكدت في تقرير لها قبل أيام، أن النظام يواصل اتباع سياسة التعذيب، وقد قُتل ما لا يقل عن 43 شخصاً بسبب التعذيب، واعتقل ما لا يقل عن 756 مدنياً بينهم تسعة أطفال و24 سيدة، بعد صدور قرار محكمة العدل المذكور.
وسلّط تقرير لمنظمة العفو الدولية، صدر في فبراير/شباط 2017 الضوء على فظاعات النظام السوري بحق المعتقلين، مشيراً إلى قيام سلطات بشار الأسد بتنفيذ إعدامات جماعية سرّية شنقاً بحق 13 ألف معتقل، غالبيتهم من المدنيين المعارضين، في سجن صيدنايا قرب دمشق، خلال خمس سنوات منذ بداية الثورة في سورية عام 2011.
وكانت أكبر عملية كشف موثقة بالصور عن هؤلاء الضحايا، قدّمها مصور في الشرطة العسكرية السورية يدعى "قيصر" في عام 2014، انشق وهرب خارج البلاد ومعه 55 ألف صورة لـ11 ألف ضحية تم تعذيبها في سجون النظام السوري حتى الموت.
رحلة تعذيب المعتقلين في سورية
وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش العديد من أنواع التعذيب في سجون النظام السوري، منها الضرب المبرح واللكم والركل لمدد طويلة، والضرب بأدوات مثل الأسلاك والسياط والعصي والقضبان، و"الشبح" أي تعليق الضحية في السقف من المعصمين، بحيث لا تكاد قدماه تلمسان الأرض، و"البلانكو"، أي تعليق الضحية مع تقييد المعصمين خلف الظهر، و"بساط الريح" أي تقييد الضحية على لوح مسطح مع تعليق الرأس في الهواء حتى لا يدافع عن نفسه، والدولاب (إطار السيارة) حيث يرغم الضحية على الانحناء والدخول في الإطار، ليتلقّى الضرب دون مقاومة. ومن أساليب التعذيب أيضاً بحق المعتقلين السياسيين في سورية: الصعق الكهربائي، الإعدام الوهمي، تهديد المعتقل أو أفراد عائلته بالاعتقال والاغتصاب أو القيام بعملية الاغتصاب فعلاً، تعريض المعتقل للبرودة والحرارة لمدة ساعات أو أيام، والأوضاع المجهدة المؤلمة، كإرغام المعتقل على الوقوف منتصباً، أو تعليقه مع قلب الرأس إلى أسفل، إضافة الى تقييد المعتقل وظهره إلى الحائط، مع منعه من الاستناد إليه، بواسطة عمود حديدي يبرز من الحائط ويلكز ظهر المعتقل مسبّباً له الألم، وانتزاع الأظافر، ونتف الشعر واللحية، واستخدام الأحماض أو أعقاب السجائر لحرق الجلد، وتجريد المعتقل من ملابسه والعري لمدد طويلة. وبناء عليه، فإن الاعتقال التعسفي وسوء المعاملة في سجون النظام السوري يشكلان استراتيجية رسمية ممنهجة تهدف إلى قمع أي شكل من أشكال المعارضة وترهيب المجتمع بأسره.
وفي سورية عشرات السجون التي تضم هؤلاء المعتقلين، خصوصاً في العاصمة دمشق، حيث لكل محافظة من المحافظات الـ14 سجنها المركزي الخاص، فضلاً عن وجود سجون في المدن الرئيسية. لكن السجون والمعتقلات الأكثر فظاعة هي تلك التي تتبع الأجهزة الأمنية، والمنتشرة أيضاً في جميع المحافظات، وإن كان أكثرها عدداً، وأكبرها حجماً في دمشق.
إخفاق الجهود السياسية والحقوقية
ورغم أن قضية المعتقلين في سورية كثيراً ما تثار في المحافل الدولية السياسية والحقوقية، فضلاً عن كونها بنداً دائماً في المفاوضات بين النظام والمعارضة، سواء التي كانت ترعاها الأمم المتحدة أو روسيا وتركيا، إلا أن كل ذلك لم ينجح في إطلاق معتقل واحد من سجون النظام الذي واصل سياساته نفسها دون أي رادع خارجي حقيقي، إلا في إطار مبادلات محدودة العدد رعتها في مرحلة من المراحل كل من روسيا وتركيا.
وفي يونيو/حزيران 2023، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بتشكيل مؤسسة مستقلة للكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرياً في سورية، وهو ما أثار ارتياح الكثير من السوريين والمؤسسات الحقوقية السورية والدولية، لكن البعض حذّر من الإفراط بعقد الآمال على هذه المؤسسة وطالبوا بتشكيل محكمة دولية لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات في سورية خلال السنوات الماضية.
عبد الناصر حوشان: الآلية الوحيدة لمعاقبة النظام هي تفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ضدّه
واعتبر المحامي أنور البني، أن إنشاء المؤسسة وإن كان خطوة مهمة على الصعيد السياسي والإعلامي، لكن يظل المطلوب إنشاء محكمة دولية لمعاقبة مرتكبي الانتهاكات. وقال البني، في حديث سابق مع "العربي الجديد"، إن مهمة المؤسسة تركز بشكل أساسي على جمع بيانات حول قضية المعتقلين في سورية والمفقودين، وهذا شيء مهم، أي جمع هذه البيانات كلّها لدى جهة دولية واحدة موثوقة مثل الأمم المتحدة. لكن الأهم، برأيه، هو إنشاء محكمة دولية تنظر في هذه الأدلة وتحاكم المرتكبين، خصوصاً أن جميع الأدلة موجودة لدى المنظمات السورية التي قامت بجهود جبارة لتوثيق الجرائم التي حصلت في سورية خلال السنوات الماضية.
كما قلّل مدير الشبكة السورية لحقوق الانسان فضل عبد الغني، في حديثه مع "العربي الجديد"، من أهمية هذه الخطوة على الصعيد العملي، حيث ستظل قاصرة عن الكشف عن مصير المعتقلين في سورية وسجونها، لأن النظام في دمشق لن يتعاون معها، ولا تنص ولايتها على محاسبة مرتكبي الانتهاكات، مشيراً إلى أنه توجد آليات أممية أخرى ولايتها أعلى من ولاية هذه المؤسسة، مثل لجنة التحقيق الدولية، لكنها لم تستطع أن تفعل شيئاً للمعتقلين، علماً أن هذه اللجنة يمكنها التحقيق وتسمية المنتهكين، وذلك بسبب عدم وجود ضغوط دولية كافية على النظام السوري.
وحول أسباب إخفاق الجهود السورية والدولية في قضية المعتقلين السياسيين في سورية حتى الآن، رأى المحامي والناشط الحقوقي السوري عبد الناصر حوشان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تعاطي المجتمع الدولي والمعارضة السورية مع ملف المعتقلين، كان "عاجزاً بسبب التخاذل الدولي وضعف المعارضة السورية أو بالأحرى عجزها عن تقديم أي شيء، لاسيما بعد نجاح النظام برعاية روسية في تحويل ملف المعتقلين إلى ملف تفاوضي، وتحويل واجب إطلاق سراحهم دون قيود أو شرط إلى صفقات تبادل مخطوفين/محتجزين كما يصفها المبعوث الأممي (غير) بيدرسن".
واعتبر حوشان أن هذا التوصيف أحد أسباب "ضياع حقوق المعتقلين في سورية وحقوق أهالي المفقودين والمختفين قسرياً بمعرفة مصيرهم، حيث اعتبرهم محتجزين وليس معتقلين تعسفياً، والمحتجز هو الموقوف بموجب مذكرة قانونية من سلطة شرعية، وبالتالي فجميع المعتقلين هم مجرمون، أما المخطوفون فيقصد بهم شبيحة النظام الأسرى عند الفصائل، واعتبر أسرهم جريمة خطف، وهي من الجرائم الإرهابية التي صنّفها النظام بقوانين الإرهاب، لذلك لن يستطيع أحد تقديم المساعدة للمعتقلين باعتبار أن هذا التوقيف والاحتجاز من أعمال السيادة الوطنية".
وحول الآلية الصحيحة التي يجب اعتمادها في هذا الإطار، رأى حوشان أن الآلية الوحيدة هي "تفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ضد النظام، وإحالة ملف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإلزامه بتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية الخاص بالتدابير الخاصة بالمعتقلين ومنع التعذيب".