قرر القضاة المشاركون في الاجتماع الطارئ للمجلس الوطني لجمعية القضاة التونسيين، اليوم السبت، تعليق العمل في جميع المحاكم العدلية والإدارية والمالية لمدة أسبوع قابلة للتجديد بداية من يوم الاثنين المقبل، إضافة إلى تنفيذ إضراب مفتوح في كافة مقار الهياكل القضائية.
جاء ذلك في بيان ختامي لاجتماع القضاة، الذي شارك فيه ممثلو الهياكل القضائية المتمثلة في نقابة القضاة التونسيين واتحاد القضاة الإداريين وجمعية القاضيات التونسيات وجمعية القضاة الشبان وجمعية القضاة، والذي عقد لبحث إقالة الرئيس قيس سعيّد 57 قاضياً، ولبحث قرار إحداث المجلس الأعلى للقضاء المؤقت.
ودعا البيان الختامي القضاة العدليين والإداريين والماليين إلى عدم الترشّح لعضوية الهيئات الفرعية للانتخابات، كما دعا الوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الجمهورية إلى عدم الالتزام بالتعليمات "غير القانونية" الموجهة إليهم من وزيرة العدل المستندة إلى أحكام الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائيّة.
كما قرر القضاة إحداث هيئة تنسيقية تضمّ مختلف الهياكل الممثلة للقضاة لاتخاذ القرارات اللازمة وفقا لتطوّر الأوضاع، إضافة إلى تعليق العمل في جميع المحاكم باستثناء قضايا الإرهاب المؤكّدة والأذون بالدفن.
واستنكر القضاة "بشدّة مواصلة رئيس الجمهورية التدخل في السلطة القضائية وفي الصلاحيات الموكولة لها من خلال إصداره المرسوم عدد 35 لسنة 2022، واستيلائه على صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء وإسناده لنفسه صلاحية إعفاء القضاة دون المرور بالمسارات التأديبية، في مخالفة للحد الأدنى من معايير حق الدفاع المكفول دستوريا والمضمون بموجب المعاهدات الدولية المصادق عليها من الدولة التونسية والمكفولة بموجب القوانين الأساسية".
وبحسب البيان، فإنّ الوضع الراهن للقضاء بجميع أصنافه، العدلي والإداري والمالي، "أصبح يفتقر لأدنى ضمانات الاستقلالية".
وأكد البيان أنّ الإجراءات التي طاولت رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي والقضاة لا صلة لها بمحاربة الفساد؛ بل تندرج في إطار وضع رئيس الجمهورية يده على السلطة القضائية.
وكان المجلس الوطني لجمعية القضاة التونسيين قد عقد، اليوم السبت، جلسة طارئة واستثنائية، رفضا لقرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد الخاصة بتقويض سلطة القضاة وعزل العشرات منهم واتهامهم بالفساد. وشارك في الاجتماع عدد كبير من القضاة والهياكل القضائية والقضاة المعزولين.
وطغت على اللقاء الهتافات من القضاة المتضامنة مع زملائهم، بسبب الظلم المسلط على عدد منهم والإعفاءات العشوائية التي طاولت الكثير منهم، سواء بسبب مواقفهم الرافضة الانقلاب، أو لعدم انصياعهم لأوامر السلطة التنفيذية. وسُجلت حالة إغماء لقاضية معزولة وتفاعلات كبيرة حد البكاء من آخرين.
ورفعت شعارات "حريات حريات لا قضاء التعليمات" و"يا للعار القضاء في حصار" و"عار مرسوم الدمار" و"الشعب يريد قضاء مستقلاً".
ورغم الوضع الصحي الدقيق لرئيس جمعية القضاة أنس الحمايدي، إلا أنه تمسّك بحضور الاجتماع "نظرا لأهمية الظرف التاريخي والمنعرج الخطير الذي تمر به تونس والقضاة عموما"، حسب قوله.
وقال الحمايدي إن "المجلس الوطني اليوم ليس مجرد مجلس، لكنه اجتماع لكل قضاة تونس، حيث لن يترك أي مجال للسلطة التنفيذية لتلعب على الانشقاقات الداخلية للقضاة وتستغل الوضع".
وبيّن أنه "تم طيّ صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة لقضاة مستقلين لا يقبلون المذلة"، مشيرا إلى أن "القضاة الذين يرفعون الظلم في قاعات الجلسات عن المواطنين لن يقبلوا الظلم الذي يسلّط عليهم اليوم".
وأكد الحمايدي أنهم "لن يتسامحوا مع من قبلوا الطعن في شرف زملائهم القضاة ونشر القائمة والتعاون مع السلطة التنفيذية"، مؤكداً أنهم "مع المحاسبة العادلة، ولكن اليوم يؤخذ القاضي بالشبهات ويُعزل بالتقارير الأمنية، ولا يُعرف لماذا عزل، ويُحرم من حقه في اللجوء إلى المحكمة الإدارية لإنصافه. رئيس الجمهورية يقوم باغتيال العدالة، وقام بمذبحة للقضاة".
الحمايدي: ما حصل سابقة لم تحصل في تاريخ القضاة من هجمة غير مسبوقة وتشهير علني ومراسيم في ليلة واحدة
وقال إن "ما حصل سابقة لم تحصل في تاريخ القضاة من هجمة غير مسبوقة وتشهير علني ومراسيم في ليلة واحدة"، مؤكدا أن رسالة الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، تؤكد أن الاتحاد مع القضاة ولا يقبل الظلم، ولن يقف مكتوف الأيدي في مثل هذه الوقائع المخجلة، وكذلك تضامنت عدة منظمات دولية وحقوقية مع القضاة.
وقال إن "اجتماعا هاما للاتحاد الدولي للقضاة سينعقد يوم 10 يونيو/حزيران، وستُتخذ قرارات قوية"، لافتاً إلى أنه حصل اتصال بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان.
من جانبه، قال رئيس المجلس الأعلى للقضاء المنحل يوسف بوزاخر (وهو أحد القضاة المعزولين)، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس الجمهورية نصّب نفسه قاضي القضاة ووصيا عليهم، ولم يكتف بحل المجلس الأعلى للقضاء وتنصيب مجلس معين بقرار أحادي، بل تولى أيضا بنفسه تأديب القضاة وعزلهم، والقضاء حاليا في تونس في أحلك فتراته".
وأشار بوزاخر إلى أنه سيتم التصدي لهذه القرارات باللجوء للطعن فيها وطنيا ودوليا.
قضاء مظلوم
بدوره، قال القاضي والعميد السابق للمحامين بشير الصيد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هذا القرار خاطئ، وإصلاح القضاء لا يكون بهذا الشكل، وكان الأجدر دعوة القضاة إلى الإصلاح"، مبينا أن هناك إشكاليات وصعوبات يواجهها القضاة من غياب ظروف عمل لائقة والبعض بدون مكتب، مضيفا أنه لا يجب قبول ما يحصل.
وأكد الصيد أن "القضاء مظلوم؛ فقد ظلمته السلطة السياسية في عهد بن علي، وأيضا ظلم بعد الثورة. ولذلك لا بد من تصحيح المسار الذي تسلكه السلطة الحالية، والإصلاح لا يكون بالعزل والعقاب، بل في إطار القانون وحق الدفاع عن النفس".
ولفت إلى أن "الإيقافات عن العمل والعزل لن تحل الإشكاليات الموجودة. ووجود بعض القضاة الذين تحوم حولهم شبهات لا يعني عزل الجميع وإلقاء التهم جزافا".
ويرى القاضي حمادي الرحماني (أحد القضاة المعزولين) أنه مارس المهنة طيلة 15 عاما، وخاض في الشأن القضائي والمهني والنقابي، وأنه وزملاؤه ناضلوا من أجل مكافحة الفساد، ولكن منذ ذلك الوقت وبسبب مواقفهم، تعرّضوا لشتى أنواع التضييق والتشويه، واليوم يتم عزلهم.