نظمت جمعية القضاة التونسيين، بالتنسيق مع القضاة العدليين والإداريين والماليين، اليوم الخميس، وقفة احتجاجية أمام محكمة التعقيب بالعاصمة تونس، احتجاجاً على استهداف السلطة القضائية من قبل السلطة التنفيذية، وسط تأكيد المحتجين على أن قضاة تونس لن يقبلوا بالعودة إلى "زمن التركيع والوصاية".
تنديد يتدخل السلطة التنفيذية بالقضاء التونسي
وقال الرئيس الشرفي لجمعية القضاة التونسيين، أحمد الرحموني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "وضع اليد على القضاء، يعني دوس الحقوق والحريات، فبالقضاء التابع لن تكون هناك حقوق".
وأوضح "لدينا تحفظات على القضاء، ولكن إذا حصل الانهيار الكامل للمجلس الأعلى للقضاء وللمؤسسات والمبادئ، ماذا ينتظر عموم التونسيين من هذا القضاء؟".
الرحموني: في غياب منظومة تحمي القاضي، لا يمكن الحديث عن قانون وحماية للحريات
ولفت إلى أنه "في غياب منظومة تحمي القاضي، لا يمكن الحديث عن قانون وحماية للحريات"، مضيفاً أن "الصراع اليومي لإعلاء الحقوق والحريات يتطلب وجود سلطة مستقلة وليس سلطة خاضعة، وحل المجلس الأعلى للقضاء، وتنصيب مجلس مؤقت مكانه يعني أن الأخير سيكون مجرد واجهة لخروقات خطيرة".
من جهته، قال عضو جمعية القضاة التونسيين، رضا بوليمة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الجمعية تخوض اليوم محطة نضالية أخرى تتمثل في وقفة احتجاجية أمام محكمة التعقيب، للتنديد بالمرسوم 111 الذي يسمح بتدخل السلطة التنفيذية في السلطة القضائية".
وأكد أن "على رئيس الجمهورية قيس سعيّد تشريك القضاة في المسار الإصلاحي، فالإصلاح يتطلب التشاركية لأنه شأن وطني".
وأضاف بوليمة أن "الشأن القضائي لا يهم القضاة فقط، بل عموم الشعب التونسي، وبالتالي لا بدّ من العودة لمجلس القضاء الشرعي"، مؤكداً أن "القضاة متمسكون بحقهم الديمقراطي في اختيار ممثليهم عن طريق الانتخابات، ولا بدّ من القطع مع سياسة تنصيب القضاة، لأن هذه التجربة أثبتت فشلها".
وشدد على أن "القضاء قبل الثورة، عندما أشرفت عليه السلطة طيلة 60 عاماً، لم يكن حامياً للحقوق والحريات، بل مجرد قضاء خاضع للسلطة التنفيذية وللتعليمات".
القضاة التونسيون متمسكون بالدفاع عن القضاء
بدورها، رأت القاضية صفاء الرطازي أن "المعركة اليوم هي معركة وطن، وعلى القاضي أن يكون قوياً لافتكاك الحقوق وتطبيق القانون، لأنه إن لم يكن كذلك، فعليه العمل في مجال آخر بعيداً عن القضاء"، مؤكدةً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الدفاع اليوم ليس على حق القضاة، بل عن حق كل الشعب".
وأضافت الرطازي أنهم متمسكون اليوم "بالدفاع عن القضاء وعن هذه القضية النبيلة، ولذلك سنواصل المعركة، ونحن دعاة وفاق ضد الصدام".
وتابعت "إن كان لدى رئاسة الجمهورية تقدير للقضاة، فعليها احترامهم كسلطة، وإن كان هناك فساد، فينبغي أن تكون المحاسبة ضمن أطر قانونية".
في الإطار ذاته، أكدت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين، روضة القرافي، خلال كلمة لها في الوقفة الاحتجاجية اليوم، أن المرسوم 111 "يضع السلطة القضائية تحت وصاية السلطة التنفيذية".
القرافي: المسيرة ستتواصل ليكون القضاء حراً ونزيها
وأضافت أن "المنعرج الذي نعيشه اليوم من خلال محاولة وضع اليد على السلطة القضائية خطير جداً"، مشيرة إلى أنه "لا بدّ من الثبات وإرجاع القضاء إلى المسار الصحيح".
واعتبرت القرافي أن "القبول بالمجلس المؤقت يعني أننا سنعود بالقضاء إلى زمن (الرئيس الأسبق زين العابدين) بن علي، عندما كان القضاة تحت وصاية السلطة التنفيذية".
وبينت أن "هذا التوجه هو أساس المعركة اليوم ضد القضاء"، مؤكدةً أن "الدفاع اليوم هو عن القضاء المستقل النزيه، وبالتالي المسيرة ستتواصل ليكون القضاء حراً ونزيها".
مفاوضات سرية لمحاولة تنصيب قضاة فاسدين
وفي سياق متصل، قالت الجمعية التونسية للقضاة الشبان (تأسست عام 2015) إن "مفاوضات سرية تُجرى حالياً مع بعض القضاة المتقاعدين المشبوهين والمعروفين بمعاداتهم لحرية التعبير واستقلالية القضاء، وضربهم للقوى الحية والمناضلة بالبلاد، والمشتهرين بوقوفهم إلى جانب الاستبداد طيلة مسارهم المهني، وذلك في إطار سعي السلطة التنفيذية إلى إرجاع المنظومة القضائية التي كانوا يمثلونها، عبر استحضار أسوأ رموزها قصد استعمالهم لذات الأغراض".
وتابعت الجمعية في بيان لها اليوم الخميس إثر انعقاد هيئتها المديرة، إن ذلك يأتي "في وقت كان يُنتظر فيه فتح ملفات هؤلاء القضاة الحافلة بالفساد والانبطاح وخدمة الاستبداد ورموز الفساد من المنظومة البائدة، في إطار العدالة الانتقالية".
وأوضحت الجمعية أنها "ستضطر، في حال تنصيب هؤلاء القضاة، إلى الخروج للتحدث لوسائل الإعلام الوطنية والدولية، لكشف المؤامرات التي تُحاك، خدمة لأجندات رئيس الجمهورية المقبلة".
الجمعية التونسية للقضاة الشبان: مفاوضات سرية تُجرى حالياً مع بعض القضاة المتقاعدين المشبوهين والمعروفين بمعاداتهم لحرية التعبير واستقلالية القضاء
ونددت الجمعية بـ"سعي النظام القائم إلى إفشال تحركات القضاة الشبان المبذولة نُصرة لقضيتهم العادلة والتغطية عليها وتشويهها بادعاء أنها تندرج في إطار الجهود الرامية إلى حماية الفاسدين وعرقلة جهود السلطة السياسية في تطهير القضاء وإصلاحه".
واعتبرت ذلك "مسرحية سيئة الإخراج، لم تعد تنطلي على المنظمات الوطنية والدولية التي لا تزال على تواصل دائم مع الجمعية، سعياً إلى حل هذه الأزمة".
كما أكدت الجمعية "سعيها طيلة الأسبوع الماضي إلى تكثيف اتصالاتها ببعض القضاة، والمتقاعدين منهم، لثنيهم عن الترشح والانخراط في مجلس الانقلاب المشبوه".
وأشارت إلى أنها "لقيت تجاوباً من أغلبهم، الذين أكدوا على التزامهم بالشرعية واحترام استقلالية السلطة القضائية، ورفض تلويث سيرتهم الذاتية ومسارهم المهني المشرّف بالانخراط في هيئة سياسية وقتية للإشراف على القضاء في مخالفة صريحة لأحكام الدستور".
وأكد البيان "سعي السلطة التنفيذية إلى كتم أصوات القضاة الشرفاء والتعتيم عليهم، عبر توجيه شبكة إعلامية مناوئة وغير محايدة لتشويههم وإحباطهم في معركتهم من أجل الذود عن استقلال السلطة القضائية، ومنع المنظمات الدولية والوفود الحقوقية والبرلمانية الأجنبية من التواصل معهم في تعدّ صارخٍ على حرية التنظم والتعبير المكفولة بالدستور وبالمعاهدات الدولية".