بعد نحو أسبوع على الهجوم الصاروخي الذي استهدف قاعدة "زليكان" التي تستقر فيها القوات التركية في بلدة بعشيقة (35 كيلومتراً شمالي شرق الموصل) ليل الأربعاء ـ الخميس الماضي، لم تعلن السلطات العراقية عن نتائج التحقيق الذي فتحته بالهجوم. كما لم توجه أنقرة اتهامات واضحة لأي من الأطراف المسلحة الفاعلة في محافظة نينوى، لكن مصادر أمنية عراقية في قيادة عمليات نينوى كشفت لـ"العربي الجديد"، أمس الاثنين، أن التحقيقات تشير إلى تورط مليشيا "حشد الشبك" بالهجوم.
وتسبّب الهجوم، الذي تزامن مع هجوم مماثل بطائرة مسيّرة مفخخة على مطار أربيل الدولي، ليل الأربعاء- الخميس الماضي، بمقتل جندي تركي، فضلاً عن إصابة فتاتين اثنتين، فقدت إحداهما بصرها جراء سقوط أحد الصواريخ الثلاثة التي استهدفت القاعدة على منزل في قرية مجاورة، وفقاً لإعلان وزارة الدفاع التركية وبيان أمني عراقي أعقب الهجوم. و"حشد الشبك" فصيل مسلح مدعوم من طهران، وأدرجت وزارة الخزانة الأميركية العام الماضي مؤسسه وزعيمه الروحي، وعد القدو، على لائحة العقوبات، بفعل إدانته بجرائم وانتهاكات إنسانية وإعاقة الاستقرار في المدن المحررة، لا سيما ملف عودة العراقيين المسيحيين إلى قراهم ومدنهم في سهل نينوى، حيث تنشط المليشيا البالغ قوامها نحو 3600 عنصر في تلك المناطق.
الجماعات المسلحة فتحت باب مواجهة جديدة مع الأتراك
وأفادت مصادر لـ"العربي الجديد"، بأن الهجوم الصاروخي جاء بعد أيام من استقرار مليشيات أخرى في المنطقة ذاتها، تحديداً في بعشيقة وبرطلة وبازوايا وبشير، أبرزها "كتائب سيد الشهداء"، و"كتائب حزب الله"، وقطنت في مبان فارغة بتلك المناطق. وأكدت أن الهجوم الصاروخي، وهو الأول من نوعه، يعني أن الجماعات المسلحة فتحت باب مواجهة جديدة مع الأتراك، تتعدى ملف دعم مسلحي حزب "العمال الكردستاني" في سنجار (110 كيلومترات غربي نينوى) إلى استهداف القوات التركية في مقرها الوحيد بمحافظة نينوى، لدفعها إلى التخلي عنه والانسحاب من المنطقة. ويعني هذا احتمال حصول تصعيد أمني كبير، قد يترتب عليه رد تركي بقصف في محافظة نينوى.
ويعد الهجوم الأول من نوعه الذي يستهدف قاعدة "زليكان"، المعروفة أيضاً باسم "معسكر بعشيقة"، الواقعة على أعلى جبل في بلدة بعشيقة الواقعة على بعد 35 كيلومتراً، شمالي شرق الموصل. وأنشأ الجيش التركي القاعدة في منتصف يناير/كانون الثاني 2015، ضمن برنامج دعم قوات البشمركة ومسلحي "حرس نينوى"، وهم متطوعون من أهالي نينوى لقتال تنظيم "داعش". وبلغ عدد العناصر في القاعدة 200 جندي تركي، عملوا على تحصينها وتدريب وتجهيز القوات المتصدية لتنظيم "داعش".
لكن فيما بعد اعتبرت الحكومة العراقية السابقة بقيادة حيدر العبادي، أن القاعدة غير شرعية مطالباً بانسحاب القوات التركية، وهو ما ردت عليه أنقرة في حينها بأن وجود قواتها تم بطلب عراقي رسمي. لكن مع تحوّل مدينة سنجار إلى معقل جديد لحزب "العمال الكردستاني"، الذي يشن هجمات مستمرة على الأراضي التركية، لم تنه تركيا تواجدها في نينوى رغم تحريرها من "داعش"، ضمن خيارات تركية على ما يبدو متعلقة بتهديد جديد من نينوى لمصالحها.
في المقابل، اعتبر زعيم "حشد الشبك" وعد القدو، أن "وجود أي قاعدة عسكرية غير مصرح بها من قبل الحكومة العراقية أو البرلمان، يهدف إلى غايات غير معلنة، ويشكل عنصراً من عناصر عدم استقرار المنطقة التي تتمركز فيها هذه القاعدة، كما أنه يربك عمل القوات العراقية بسبب ما تتعرض له القاعدة من هجمات صاروخية". وأوضح في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "وجود القواعد العسكرية التركية في مدينة نينوى، يبعث برسائل عدم اطمئنان للأهالي، لا سيما بعد عمليات القصف الذي تعرضت له وتسببت بأذى للمواطنين. وحتى إن وجدت هذه القواعد بتخويل عراقي، فلا بد أن تكون هناك دراسات أمنية واجتماعية تحكم تواجدها، لجهة ابتعادها عن المناطق المأهولة بالسكان، وألا تكون ملاصقة لدور الأهالي، كونها تحتوي على مدفعيات وأسلحة تهدد حياة الأهالي".
في المقابل، قال المتحدث باسم "جبهة الإنقاذ والتنمية" خالد الدبوني، إن "معظم المليشيات في نينوى لا تخشى من حدوث أي احتكاك مع أي جانب، سواء كان تركياً أم كردياً، كونها تحارب على أراضٍ غير أراضيها". وقال الدبوني لـ"العربي الجديد"، إن "عمل القوات التركية في معسكر بعشيقة في الوقت الحالي، يقتصر على الإسناد الجوي عبر الطائرات المسيّرة والحربية التي تستهدف أهدافاً تابعة لحزب العمال الكردستاني، وتتعامل في حربها ضد العمال بناءً على مفهوم الحرب المخابراتية". وأكد أن "القصف الأخير الذي استهدف زليكان، لم يحظ بتبني أي جهة مسلحة، كما الحال مع القصف الذي تعرضت له مقرات الحشد الشعبي عقب العملية، ولكن كلا الطرفين يعرف من المستهدف لكليهما، ويتم التعامل مع ذلك مخابراتياً".
وأضاف أن "الهدف من كل ما يحدث في نينوى وحتى إقليم كردستان من عدم استقرار أمني، هو سنجار، التي تحوّلت إلى مركز للصراع الإيراني التركي، بعد أن كانت تعاني من صراع دام لسنوات بين بغداد وأربيل. وبالتالي تحوّلت هذه المنطقة التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني إلى منطقة صراع إقليمي".
معظم المليشيات في نينوى لا تخشى من حدوث أي احتكاك مع أي جانب
في السياق، قال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية كاطع الركابي، إن "شمال العراق يعاني من عدم استقرارٍ أمني، يهدد حياة المواطنين، لا سيما بعد إصابة مدنيين بالقصف الذي طاول قاعدة بعشيقة، التي تطالب جهات سياسية عراقية وكتل برلمانية منذ سنوات بإنهاء ملفها وإخراج القوات التركية منها، التي تتجاوز على السيادة العراقية". ولفت في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "حكومة مصطفى الكاظمي تهمل ملف إخراج القوات التركية وإنهاء العمليات العسكرية التي تقوم بها أنقرة في مناطق شمال العراق. وعلى الرغم من أن الكاظمي زار تركيا في وقتٍ سابق، لكنه لم يفتح الملف ولم تتحدث حكومته عن مستقبل القوات التركية".
من جهته، أكد محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي، أن "القواعد التركية في نينوى تقع في منطقة جبلية خارج حدود المدن، وهي بعيدة عن مدينة بعشيقة. كما أن القرى التي تعتبر قريبة من القاعدة، على مسافة بعيدة من حدوث أي صراع أو ضربات صاروخية". وأوضح في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "السفير التركي في بغداد كان قد صرح في أكثر من مناسبة بأن أي ردٍ من الجيش التركي على حزب العمال الكردستاني سيكون بالاتفاق مع الحكومة العراقية، وهذا يعني أن هناك اتفاقاتٍ مشتركة ما بين الطرفين، ولكن بغداد لا تستطيع الاعتراف بهذه الاتفاقات بسبب الضغوط الداخلية التي تتسبب بها الكيانات السياسية والفصائل المسلحة الموالية لإيران على الحكومة العراقية، التي تعتبر راضية على كل ما يجري".
ولفت النجيفي إلى أن "القصف على المعسكر التركي في نينوى جاء رداً على القصف التركي ضد حزب العمال الكردستاني المتحالف مع المليشيات الموالية لإيران التي تريد أن تسحب المنطقة إلى صراع يخدمها. وهناك جهود واضحة من قبل جهات داخلية وخارجية لسحب منطقة سهل نينوى إلى صراع دموي، وقد يكون هذا الصراع متعلقا بالمشاكل بين طهران وواشنطن، وهذه المنطقة ستكون عرضة لصراع كبير إذا لم يكن هناك جهود للتهدئة".