قصف حزب الله في الضاحية: مزيج من الاستدراج وتغيير لقواعد الاشتباك

31 يوليو 2024
عناصر من الجيش بموقع غارة الاحتلال على الضاحية، 31 يوليو 2024 (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

بعد استهداف إسرائيل القيادي العسكري في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، مساء أمس الثلاثاء، سرت معلومة منسوبة لمصادر إسرائيلية تفيد بأن حكومة بنيامين نتنياهو تكتفي بهذه العملية كردّ على قذيفة مجدل شمس التي تسببت بمقتل 12 شخصاً، والتي زعمت إسرائيل أن حزب الله أطلقها. وسارعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في حينه، على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ثم المنسق في البيت الأبيض جون كيربي، إلى تأكيد هذا الزعم، ما شكّل تغطية مسبقة لرد إسرائيل. لكن مع توالي المعلومات عن الضربة كونها أول اختراق من العيار الثقيل ضد حزب الله في بيروت، بدأت عملية القصف تبدو أبعد من مجرد جواب على القذيفة، وأقرب إلى بداية مزيج من تغيير قواعد الاشتباك والاستدراج باتجاه المزيد من التدهور.

منذ فترة، وبالتحديد بعد الانحسار النسبي للعمليات العسكرية الإسرائيلية الكبيرة في غزة، بدأ الحديث يتزايد في واشنطن عن أن حكومة نتنياهو تبحث عن "فرصة" للتصعيد مع حزب الله. واستند هذا الاعتقاد على الاستدارة التي أجرتها إسرائيل في هذا الاتجاه، والتي انعكست في التركيز على "التفرغ" للحدود مع لبنان، بذريعة الحاجة لإعادة النازحين من مستوطناتها الحدودية، والذي رافقه تسخين المواجهات النوعية مع الحزب في الفترة الأخيرة، فضلاً عن زيادة الحشود وتعميق عملياتها في جنوب لبنان وشرقه.

وخلال زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن، صدرت عنه إشارات إضافية في هذا الخصوص، كان أبرزها مناشدته للكونغرس الذي استقوى بمعظمه، لتسويق إصراره على "النصر الكامل" كما سماه والذي يشمل في تصوره الجبهتين (غزة ولبنان)، بزعم أنه "يدافع عن أميركا". جرى فقط تذكيره بالضوابط على الحدود الشمالية، وبالحاجة إلى "الإسراع" بطي صفحة غزة، كما قالت المرشحة الرئاسية كامالا هاريس. لكنه لم يسمع في واشنطن لغة رادعة. في مقابل ذلك، واصلت الإدارة في الفترة الأخيرة التأكيد على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وهي عبارة صارت كاللازمة في تصريحات وتعقيبات المسؤولين على انتهاكات وتجاوزات إسرائيل، والى حد مملّ. التذكير بها جاهز في كل الحالات.

على هذه الخلفية، جاءت قضية مجدل شمس لتعطي نتنياهو ذريعة التوسيع، وخاصة أن الإدارة أكدت أن القذيفة انطلقت من جهة حزب الله، ولو أنه في بعض التقديرات ربما يكون إطلاقها قد جرى "عن طريق الخطأ"، على أساس أن لا مصلحة للحزب في هذا الهدف. لكن واشنطن لا تجادل إسرائيل في مثل هذه الحالة، ونتنياهو البارع في الالتفاف على الضوابط وما يسمّى بالخطوط الحمراء، فتح طريق توسيع الحرب في لبنان بهذا الاغتيال الذي ينطوي على استدراج حزب الله ليرد بدرجة تفتح مسلسل الحرب المتبادلة بالتقسيط، والمفتوحة وفق حسابات وقياسات نتنياهو الذي يعرف تماماً أن واشنطن غرقت بالانتخابات، وأن الرئيس بايدن الذي لم يردع إسرائيل في غزة، لم يعد يقوى على شبه الردع في المتبقي من ولايته.

الرهان أن يعضّ حزب الله على الجرح، "ويمارس درجة عالية من ضبط النفس.. للنأي عن التصعيد"، وخاصة أنه "لا هو ولا جمهوره يريدان الحرب"، وبذلك يمكن العودة إلى قواعد الاشتباك السابقة. لكن عملية الضاحية كسرت هذه القواعد، وربما إلى غير رجعة. وثمة من لا يستبعد أن يمعن نتنياهو في التمادي بحيث تخرج الأمور عن السيطرة، وبما يؤدي إلى توريط الإدارة التي تخشى خسارة الانتخابات إذا مضت إلى هذا الاستحقاق وهي في حالة حرب ولو محدودة، يكون نتنياهو قد جرّها إليها. ويعرف الديمقراطيون، كما يعرف غيرهم، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يعمل باستراتيجية ثابتة تخدم حساباته الأيديولوجية والسياسية، لإبقاء نار الحرب مشتعلة أو جاهزة للاشتعال، كما يشككون في نواياه لناحية أنه لن يدخر جهداً للمساهمة إذا أمكن في خدمة المرشح الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب، في معركة الرئاسة الذي يفضله إجمالاً على أي مرشح ديمقراطي وخاصة كامالا هاريس، الذي أبدى انزعاجه كما قيل مما سمعه منها خلال لقائه معها يوم الجمعة الماضي في واشنطن، عن معاناة الفلسطينيين، رغم معرفته بأن كلامها بضاعة انتخابية لا تصمد عند الاختبار.