استمع إلى الملخص
- **التوترات الإقليمية**: التقارب التركي مع النظام السوري يشكل ضغطاً إضافياً على "الإدارة الذاتية"، حيث تلوح تركيا باستخدام القوة ضد "قسد" في حال إجراء الانتخابات، مما يدفع الإدارة إلى التردد لتجنب تدخل عسكري تركي محتمل.
- **الحوار الكردي**: تأجيل الانتخابات يفتح الباب لاستئناف الحوار الكردي بين أحزاب "الإدارة الذاتية" والمجلس الوطني الكردي، بهدف التوصل إلى اتفاق سياسي ومرجعية واحدة للأكراد السوريين.
تتجه "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية، إلى تأجيل الانتخابات البلدية التي كانت تخطط لإجرائها في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، وذلك للمرة الثانية "حتى إشعار آخر"، لتتفادى كما يبدو غضب الجانب التركي الذي يرفض إجراء انتخابات شمال شرقي سورية باعتبارها خطوة متقدمة باتجاه فرض إقليم ذي صبغة كردية على حدوده الجنوبية، يراه من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها.
وقالت مواقع إخبارية مقربة من "الإدارة الذاتية"، قبل أيام، إن أحزاباً سياسية في شمال شرقي سورية "توافقت على طلب تأجيل انتخابات البلديات والتي من المقرر إجراؤها في أغسطس/آب المقبل، حتى إشعار آخر، وإلى حين تهيئة ظروف مناسبة". وكانت "الإدارة الذاتية"، وهي الذراع المدنية والإدارية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، قد رحّلت إجراء الانتخابات من يوليو/تموز الحالي، إلى أغسطس المقبل، لـ"ضيق الوقت المخصص للفترة الدعائية، ولتأمين المدة اللازمة لمخاطبة المنظمات الدولية لمراقبة سير الانتخابات"، وفق بيان. بيد أن الوقائع تشير إلى أن التلويح باستخدام القوة في حال إجراء انتخابات شمال شرقي سورية وعدم ترحيب الولايات المتحدة، الداعم الأبرز لـ"قسد"، ودول أوروبية بهذه الخطوة، كانا السبب المباشر وراء هذا التأجيل الذي يبدو أنه سيطول.
انتخابات شمال شرقي سورية تمهّد لنظام فيدرالي
وكانت "الإدارة الذاتية" قد وضعت، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما وصفته بـ"العقد الاجتماعي"، ما عُد بمثابة دستور مصغر للمناطق التي تقع تحت سيطرتها، أسّس لإجراء الانتخابات البلدية في مناطق سيطرتها. وخططت "الإدارة الذاتية" الكردية لتنظيم انتخابات بلدية ومجالس مدن تمهيداً لانتخابات "مجلس الشعوب الديمقراطي" ليكون أعلى سلطة تشريعية بمثابة البرلمان للمنطقة التي تسيطر عليها، ما نُظر إليه على أنه خطوة نحو فرض نظام فيدرالي في سورية يجد رفضاً من المعارضة والنظام معاً. وألقى التقارب التركي مع النظام السوري بظلاله على المشهد في شمال شرقي سورية الواقع جلّه تحت سيطرة "قسد"، والتي تشكل "وحدات حماية الشعب" الكردية ثقلها الرئيسي، خصوصاً لجهتي القيادة والتوجيه. ويعد القضاء على هذه القوات الدافع الأبرز لرغبة أنقرة في تطبيع العلاقات مع دمشق، بعد أكثر من عقد على قطيعة تحولت إلى عداء سافر.
وتتقاطع مصالح أنقرة ودمشق في هذه المسألة، فالأولى تريد تبديد المخاوف من قيام إقليم ذي صبغة كردية على حدودها الجنوبية، والثانية تريد استعادة الشمال الشرقي من سورية، مركز الثروات في البلاد لإنعاش اقتصادها الذي يقف منذ سنوات على حواف الكارثة. وأعطت خطوات "الإدارة الذاتية" باتجاه إجراء انتخابات شمال شرقي سورية الجانب التركي سبباً للتلويح مجدداً باستعمال القوة ضد "قسد"، والتي كما يبدو أدركت أن مضيّها في هذا الطريق ربما يفتح الباب أمام توغّل جديد للجيش التركي، والذي كان قد أعد خططاً منذ عام 2020 لتنفيذ ذلك، وربما منطقة عين العرب (كوباني)، مركز الثقل السكاني الكردي بعد القامشلي، في مقدمة أهدافه.
ويرفض الجانبان الروسي والأميركي تغيير خرائط السيطرة في سورية، إلا أن الجانب التركي سيجد مبرراً للتدخل في حال إقدام "الإدارة الذاتية" على إجراء انتخابات شمال شرقي سورية من أي نوع كانت، كي لا تدعي تمثيل سكان الشمال الشرقي من سورية، عرباً وأكراداً. ويؤكد تردد "الإدارة الذاتية" في الإقدام على هذه الخطوة أن لديها خشية واضحة من ردة فعل تركية ربما تخلط أوراق الشمال الشرقي من سورية برمتها، وتقلص نفوذ قوات قسد إلى حد بعيد.
بانتظار الظرف المناسب
وبشأن إجراء انتخابات شمال شرقي سورية وتأجيلها، أوضح محمد موسى، سكرتير حزب اليسار الكردي في سورية، أحد أحزاب "الإدارة الذاتية"، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التوجه لدى الأحزاب السياسية في شمال شرقي سورية بكافة تشكيلاتها وتلويناتها هو نحو تأجيل هذه الانتخابات"، مستدركاً أن "القرار النهائي لم يتخذ بعد". وأضاف أن "هناك مداولات بين المفوضية العليا للانتخابات والأحزاب السياسية للوصول إلى قرار نهائي"، مشيراً إلى أنه "من حقنا إجراء انتخابات بلدية لكننا سننتظر ظرفها المناسب".
محمد موسى: التوجه لدى الأحزاب شمال شرقي سورية هو نحو تأجيل الانتخابات
ولفت إلى أن "الإدارة الذاتية" هي من تقرر إجراء انتخابات شمال شرقي سورية أو تأجيلها، مضيفاً أنه "يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الظروف التي تمر بها المنطقة والبلاد، فضلاً عن الأوضاع في شمال شرقي سورية".
وفي السياق، ذكرت مصادر مقربة من "الإدارة الذاتية"، لـ"العربي الجديد"، أن تأجيل الانتخابات سيفتح الباب أمام استئناف الحوار الكردي بين أحزاب "الإدارة الذاتية" والمجلس الوطني الكردي الذي أعلن رفضه إجراء انتخابات شمال شرقي سورية. وقالت المصادر إن "توصل الطرفين لاتفاق سياسي والوصول إلى مرجعية واحدة للأكراد السوريين سيوفر غطاء لإجراء الانتخابات". ويُنظر إلى تأجيل الانتخابات البلدية أكثر من مرة على أنها ضربة في العمق لمشروع "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية، ومحاولة جانب من أكراد البلاد فرض حقائق سياسية لا يمكن تجاوزها في أي تسويات آتية للقضية السورية.
فريد سعدون: "الإدارة الذاتية" ليست بصدد تكوين إقليم كردي شمال شرقي سورية
لكن المحلل السياسي السوري فريد سعدون، رأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الإدارة الذاتية كمشروع سياسي أممية وليست قومية". وأضاف أن "القياديين في هذه الإدارة وفي حزب الاتحاد الديمقراطي (أبرز أحزاب الإدارة) يؤكدون في خطابهم السياسي أنهم ليسوا بصدد إنشاء كيان كردي في المنطقة"، وإنما خدمة أبنائها وفق مبدأ "أخوة الشعوب"، ومن ثم "فإن النظر إلى الإدارة الذاتية على أنها كردية جاءت لخدمة الأكراد في سورية، غير صحيح تماماً". واعتبر أن "معظم الموظفين في هذه الإدارة من المكوّن العربي، فضلاً عن أن أغلب أفراد قوات قسد هم عرب". واستدرك سعدون بالقول: "بيد أن القرار في هذه الإدارة وهذه القوات هو بيد أفراد أكراد، لكن ليس كلهم من كرد سورية". وباعتقاد سعدون، فإن الإدارة "ليست بصدد تكوين إقليم كردي في شمال شرقي سورية"، مشيراً إلى أنه "في مفاوضاتهم مع النظام ودول الجوار لا يركزون على المسألة الكردية بقدر التركيز على المصالح الاقتصادية والسلطة والسيطرة وتوزيع ثروات المنطقة".
وتضع "قسد" يدها على نحو ثلث مساحة سورية، فهي تسيطر على قسم كبير من محافظة الرقة، بما فيه مدينة الطبقة الاستراتيجية، إضافة إلى شريط القرى على الضفة الجنوبية من نهر الفرات الممتد من قرية شعيب الذكر غرباً إلى قرية كسرة شيخ الجمعة شرقاً. كما تسيطر على كامل ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات، الغني بالنفط، إضافة إلى معظم محافظة الحسكة في شمال شرقي سورية، التي تضم أكبر حقول النفط، المصدر الرئيسي لتمويل هذه القوات، عدا عن سيطرتها على منطقة منبج غرب نهر الفرات ومنطقة تل رفعت ومحيطها في ريف حلب الشمالي.